قصة النمر الذي يومئ

اقرأ في هذا المقال


قصة النمر الذي يومئ أو (The Nodding Tiger) حكاية شعبية صينية للمؤلف، نورمان هينسدال بيتمان، حررها أندرو لانج، ونشرها (Dutton & Co.،681 Fifth Avenue)

الشخصيّات:

  • الحطّاب.
  • العجوز.
  • القاضي.
  • لي يينغ.

قصة النمر الذي يومئ:

خارج أسوار مدينة صينية كان يعيش هناك قاطع حطب شاب اسمه تانغ وأمه العجوز، وهي امرأة في السبعين من عمرها، كانوا فقراء للغاية وكان لديهم كوخ صغير من غرفة واحدة مبني من الطين والعشب استأجروه من أحد الجيران، كل يوم كان الشاب يخرج في وقت مبكر ويصعد إلى الجبل بالقرب من منزلهم، وهناك يمضى اليوم في قطع الحطب لبيعه في المدينة المجاورة.

وفي المساء، كان يعود إلى المنزل ويأخذ الخشب إلى السوق ويبيعه، ويعود بالطعام لأمّه، وعلى الرغم من أنّ هذين الشخصين كانا فقراء، إلا أنّهما كانا في غاية السعادة، لأنّ الشاب أحب والدته كثيرًا، وفي أحد الأيام، استيقظ الشاب تانغ قبل ضوء النهار وانطلق نحو التلال حاملاً فأسه على كتفه، ودّع والدته، وقال لها أنّه سيعود مبكراً بحمولة ثقيلة من الخشب أكثر من المعتاد، لأنّ الغد سيكون عطلة ويجب أن يأكلوا طعاما جيداً.

انتظرت الأرملة ابنها طوال اليوم بصبر، وفي فترة ما بعد الظهر بدأت تراقب عودته، لكن دون جدوى، كانت الشمس تغرق في الغرب، لكنّه لم يأت بعد، أخيرًا كانت المرأة العجوز خائفة، وقالت: ابني المسكين! وتمتمت في نفسها: شيء ما حدث له، وبإجهاد عينيها الضعيفتين، نظرت على طول طريق الجبل، ولم يكن هناك شيء يمكن رؤيته سوى قطيع من الغنم يتبع الراعي، ثمّ أخذت عكازها من ركنها وتوجهت وهي تعرج إلى منزل أحد الجيران لتخبره القصة وتتوسل إليه أن يذهب ويبحث عن الصبي المفقود.

كان هذا الجار طيب القلب ومستعدًا لمساعدة الأم العجوز، وقال وهو يهزّ رأسه وهو يبتعد معها وهو يفكر في تجهيز المرأة الخائفة للأسوأ: هناك الكثير من الوحوش البرّية في الجبال، وأخشى أن يكون ابنك قد اقتيد من أحدهم، صرخت الأرملة من الرعب وغرقت على الأرض، سار جارها ببطء على طريق الجبل، يبحث بعناية عن علامات لصراع محتمل مع الحيوانات.

وعندما كان قد قطع نصف الطريق إلى أعلى المنحدر، وصل إلى كومة صغيرة من الملابس الممزقة الملطخة بالدماء، وكان فأس الحطّاب ملقى على جانب الطريق، وكذلك الحبل، فقال الرجل: لا يمكن أن يكون هناك خطأ، بعد خوض معركة شجاعة، تمّ قتل الشاب الفقير بواسطة النمر، جمع الرجل الثياب الممزقة، ونزل حزينًا أسفل التل.

كان يخشى رؤية الأم المسكينة ويخبرها أنّ ابنها الوحيد قد رحل بالفعل إلى الأبد، وعند سفح الجبل وجدها ما زالت ملقاة على الأرض، وعندما نظرت إلى الأعلى ورأت ما كان يحمله، أغمي عليها مع صرخة اليأس، ولم تكن بحاجة إلى إخبارها بما حدث، حملها الأصدقاء في المنزل الصغير وقدموا لها الطعام، لكنّهم لم يتمكنوا من مواساتها، وكانت تصرخ: ما فائدة الحياة؟ كان ابني الوحيد، من سيعتني بي في شيخوختي؟

بكت ومزّقت شعرها وضربت على صدرها حتى قال الناس إنّها أصيبت بالجنون، ومع ذلك في اليوم التالي، انطلقت إلى المدينة مما أثار دهشة جيرانها، وشقّت طريقها ببطء باستخدام عكازها، وعندما وصلت المدينة سألت عن الطريق إلى القاعة العامة، وعندما وجدت المكان ركعت على ركبتيها عند البوابة الأمامية، وصرخت بصوت عالٍ وتحدثت عن سوء حظها.

وفي هذه اللحظة، دخل قاضي المدينة إلى قاعة المحكمة لمحاكمة أي قضايا قد تُعرض عليه، سمع المرأة العجوز تبكي وتنوح في الخارج، وأمر أحد الخادم أن يدخلها ليعرف مشكلتها، دخلت العجوز قاعة المحاكمة الكبرى، وسألها: ما الأمر أيتها العجوز؟ لماذا تثيري مثل هذه الضجة أمام المحكمة؟ أخبريني عن مشكلتك، قالت: أنا عجوز واهنة، عرجاء وشبه عمياء، ليس لدي مال ولا وسيلة لكسب المال.

ليس لدي قريب واحد الآن في كل الإمبراطورية، كنت أعتمد على ابني الوحيد في لقمة العيش، كل يوم كان يتسلق الجبل، لأنّه كان حطابًا وفي كل مساء كان يعود إلى المنزل حاملاً ما يكفي من المال لطعامنا، ولكن بالأمس ذهب ولم يعد، حمله نمر جبلي وأكله، والآن، للأسف! يبدو أنّه لا توجد أيّة مساعدة لذلك،وسأموت من الجوع، قلبي الذي ينزف يصرخ من أجل العدالة، لقد جئت إلى هذه القاعة اليوم لأتوسل إليك لتعاقب قاتل ابني.

بالتأكيد القانون ينص على أنّه لا يجوز لأحد أن يسفك الدم دون أن يدفع الدم في المقابل، صرخ القاضي ضاحكاً بصوت عالٍ: لكن أيتها المرأة، هل أنت مجنونة؟ ألم تقولي أنّ النمر هو الذي قتل ابنك؟ كيف يمكن تقديم النمر إلى العدالة؟ من المؤكد أنّك فقدت عقلك، ولكن كانت أسئلة القاضي بلا جدوى، واصلت الأرملة صراخها، وأصرّت أنّها لن تخرج حتى تحقق هدفها، ولم يعد بإمكان القاضي تحمله.

وصرخ قائلاً: توقفي عن صراخك، سأفعل ما تطلبيه، ثمّ قال القاضي: فقط اذهبي إلى المنزل وانتظري حتى أستدعيك إلى المحكمة، سيتم القبض على قاتل ابنك ومعاقبته، كان القاضي بالطبع يحاول فقط التخلص من الأم المصابة بالجنون،ولكن كانت المرأة العجوز حادة للغاية بالنسبة له، لقد رأت خطته وأصبحت أكثر عنادًا من أي وقت مضى.

فأجابت: لا يمكنني الذهاب حتّى أراك توقع على أمر القبض على هذا النمر وإحضاره إلى قاعة الحكم هذه، القاضي لم يكن رجلاً سيئًا حقًا، فنظر إلى المساعدين في قاعة المحكمة وسأل أي منهم على استعداد للذهاب للبحث عن النمر، كان أحد هؤلاء الرجال، ويدعى لي-نينج متكئًا على الحائط، نصف نائم، لقد كان يشرب الخمر بكثرة ولذلك لم يسمع بما يجري في الغرفة.

قام أحد أصدقائه بوكزة في ضلوعه، فظنّ أن القاضي قد ناداه بالاسم، تقدم إلى الأمام وركع على الأرض، قائلاً: أنا لي نينغ، أستطيع أن أذهب وأقوم بما تريد، أجاب القاضي: انطلق وقم بواجبك، وقال: الآن أيّتها العجوز، هل أنت راضية؟ فأجابت: راضية تمامًا، فقال القاضي: اذهبي إلى المنزل وانتظري حتى أرسل لك، غادرت الأم الحزينة المبنى وهي تتمتم بكلمات شكر.

عندما ذهب لي نينج خارج غرفة المحكمة، احتشد أصدقاؤه حوله، و  ضحكوا وقالوا: هل تعرف ماذا فعلت؟ يا رجل، هل ستقبض على نمر يأكل الإنسان وتحضره إلى المدينة! وفي اليوم التاليم عندما عاد لي نينغ إلى المحكمة ركع وطرق رأسه على الأرض أمام القاضي ،وقال: كنت في حالة سكر عندما أعطيت وعدي، لم أكن أعرف ما كنت تطلبه، يمكنني أن أمسك برجل، ولكن ليس نمرًا، ومع ذلك، إذا كنت ترغب في ذلك، فأنا يمكنني الذهاب إلى التلال وتوظيف صيادين لمساعدتي.

قال القاضي: حسنًا، لا فرق في كيفية القبض عليه طالما أنك تقدمه إلى المحكمة، إذا فشلت في أداء واجبك، فلن يتبقى لديّ شيء سوى ضربك حتى تنجح، أعطيك خمسة أيام، تمّ توظيف أفضل الصيادين في البلاد، فتشوا ليلاً ونهارًا في التلال، واختبؤوا في الكهوف الجبلية، لكنّهم لم يجدوا شيئًا، وفي اليوم الخامس كان عليه أن يبلغ عن فشله.

وتلقى ضرباً مبرحاً، وبعد يوم واحد من تخلي جميع الصيادين عن البحث في حالة من الاشمئزاز والعودة إلى منازلهم في الوادي، دخل لي نينغ معبدًا جبليًا للصلاة، وكان يقول وهو يبكي: يا إلهي! أنا ميت! ليتني لم ألمس قط قطرة من النبيذ! ثمّ سمع حفيفًا طفيفًا بالقرب منه، نظر لأعلى، فرأى نمرًا ضخمًا يقف عند بوابة المعبد، قال وهو ينظر إلى النمر مباشرة في عينيه: لقد جئت لتأكلني، أليس كذلك؟

حسنًا، أخشى أن تجد جسدي صعبًا حيث تعرضت للضرب بأربعمائة ضربة أثناء هذه الأسابيع الستة، أنت نفس النمر الذي قتل الحطاب الشهر الماضي، أليس كذلك؟ كان هذا الحطّاب الابن الوحيد لأم عجوز، الآن هذه المرأة المسكينة أبلغتك إلى القاضي الذي في المقابل أعدّ مذكرة توقيف لك، لقد تم إرسالي للبحث عنك وقيادتك للمحاكمة.

يجب أن تأتي معي إلى المدينة وتجيب على تهمة قتل الحطّاب، وطوال الوقت الذي كان يتحدث فيه لي نينغ، كان النمر يستمع، ولم يبذل الحيوان أي جهد للهروب بل على العكس بدا راغبًا ومستعدًا للقبض عليه، ثنى رأسه للأمام وترك لي يينغ يقيده بسلسلة قوية فوقه، ثمّ تبع الرجل بهدوء أسفل الجبل عبر شوارع المدينة المزدحمة إلى قاعة المحكمة،وعلى طول الطريق كان هناك حماسة كبيرة.

وصاح الناس تمّ القبض على النمر القاتل للبشر، تبع الحشد لي يينغ في قاعة العدل، وعندما دخل القاضي، كان الجميع مليئين بالدهشة من المنظر الغريب لنمر يُستدعى أمام القاضي، قال القاضي وهو يتجه نحو النمر:  هل أكلت الحطّاب المتهم بقتله؟ فأومأ النمر برأسه، صرخت الأم المسنّة: نعم، لقد قتل ابني! اقتله! أعطه الموت الذي يستحقه! تابع القاضي غير مكترث للأم البائسة وهو ينظر إلى النمر: ألم تعلم أنّك سلبت امرأة عجوز عاجزة ابنها الوحيد.

إنّها تبكي من أجل الانتقام، ويجب أن تعاقب على جريمتك، ومع ذلك، أنا لست قاضياً قاسياً، إذا كنت تستطيع أن تعد بأخذ مكان ابن هذه الأرملة ودعم المرأة في شيخوختها، فأنا على استعداد تام لتجنيبك الموت، ماذا تقول هل تقبل عرضي؟ أومأ النمر برأسه بشدة، قام الأشخاص المفجوعون برفع أعناقهم ليروا ما سيحدث، وفوجئوا مرّة أخرى برؤية الوحش أومأ برأسه في اتفاق صامت.

قال القاضي: حسنًا، أنت حر في العودة إلى موطنك الجبلي ولكن، يجب أن تتذكر وعدك، وأُخذت السلاسل من رقبة النمر، وخرج الحيوان العظيم بصمت نزولاً من الشارع، وعبر البوابة المفتوحة باتجاه كهفه الجبلي المحبوب، ومرة أخرى كانت المرأة العجوز غاضبة، وألقت نظرات حزينة على القاضي، وهي تتمتم مرارًا وتكرارًا: من سمع يومًا بنمر يأخذ مكان ابنه؟

إنّها لعبة جميلة، ومع ذلك، لم يكن لديها ما تفعله سوى العودة إلى المنزل، لأنّ القاضي أصدر أوامر صارمة بعدم مثولها أمامه مرة أخرى بأي شكل من الأشكال، دخلت كوخها المقفر عند سفح الجبل، وفي صباح اليوم التالي عندما خرجت السيدة العجوز لتستنشق الهواء النقي وجدت غزالًا مقتولًا حديثًا أمام بابها، بدأ ابنها النمر في الوفاء بوعده، لأنّها تمكنت من رؤية آثار مخالبه على جثة الحيوان الميت.

وفي اليوم التالي لم تجد صعوبة في بيع اللحم والجلد مقابل مبلغ كبير من المال، وعادت المرأة السعيدة محملة بالطعام إلى المنزل، وبعد أسبوع، جاء النمر إلى بابها ومعه لفافة من القماش وبعض المال في فمه وضعها أمام بابها، رأت الأرملة أنّ القاضي تصرف بحكمة، وتوقفت عن الحزن على ابنها الميت وأصبحت تحب النمر بشدة، وكان النمر مرتبطًا بشدة بوالدته، ولم تعد لديه الرغبة القديمة في القتل.

وبعدما ماتت العجوز الطيبة، وحزن النمر الوفي طويلاً على سيدته العزيزة، ورقد على قبرها، ينوح مثل طفل فقد أمه، ولفترة طويلة بحث في المنحدرات الجبلية، وعاد كل ليلة إلى الكوخ الفارغ، لكن كل ذلك دون جدوى، العجوز التي كان يحبها ذهبت إلى الأبد، وذات ليلة اختفى من الجبل، ومنذ ذلك اليوم وحتى هذا اليوم لم يره أحد في تلك المقاطعة، ويقول بعض الذين يعرفون هذه القصة أنّه مات حزينًا في كهف سري كان يستخدمه منذ فترة طويلة كمخبأ.


شارك المقالة: