معنى الحياة في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يعتبر مفهوم الحياة من المصطلحات النفسية المهمة التي تُدرس في الوقت الحالي من قبل الأشخاص التابعين للاتجاه الإيجابي والاتجاه الإنساني في علم النفس، فلقد جاء ليغطي الأمور الناقصة في نظريات علم النفس التقليدية، هذا الأمر الذي دفع علماء النفس التحليليين والوجوديين والإنسانيين لدراسة معنى الحياة وتفسيره، سيعاً إلى تبلورهذا المفهوم عن معنى الحياة لديهم في علاقته بعلم النفس والعلاج النفسي.
كان هناك العديد من المحاولات لعلم النفس في الغوص لأعماق نفس الإنسان، على أمل أن يجد ما يدلّه على بداية الطريق نحو ذلك المعنى الحياتي، مما يجعل الفرد يتجاوز مشاكله في الحياة وقد يتجاوز من خلاله الذات الحالية نحو ذات أخرى مطمئنة، سنتحدث في هذا المقال عن معنى الحياة في فروع علم النفس، سعياً إلى إيجاد هذا المعنى آراء ونظريات وكتب النفس بطريقة موضوعية وعلمية.

مفهوم معنى الحياة:

كان هناك ارتباط قوي بين معنى الحياة والتساؤلات الذاتية مثل؛ هل يعرف الفرد ذاته؟ وهو سؤال يطرحه الشخص أو لا يطرحه على نفسه، لكن هذا السؤال الذي تناوله الفلاسفة والعلماء النفسيون والاجتماعيون عن طريق دراساتهم وكتاباتهم ونظرياتهم، إنّ معرفة الذات من المواضيع التي تم طرحها ولا زالت تُطرح على مختلف الأصعدة؛ لأنَّ معرفة الذات تعتبر بنظر الكثيرين أحد الطرق التي تؤدي إلى فهم هذه الذات وبالتالي الوصول لمعنى الحياة الحقيقي.
يعتبر مصطلح معنى الحياة من المفاهيم الغامضة ومتعددة المعاني، ذلك وفقاً لفلسفة ومعتقدات وتجارب الفرد والخبرات التني يمر بها، فقد كان العديد من العلماء متفين على أهمية شعور الشخص بأنّه يوجد معنى لحياته ولوجوده؛ لأنّ ذلك يشعره بقيمته وإنسانيته، فقد كان مفهوم معنى الحياة مرتبط بمفهوم الذات بطبيعة الحال، فعن طريق معرفة الذات يُصبح معنى الحياة واضح عند الإنسان، إنّ طرح هذه المفاهيم ليس جديداً فهو قديم منذ الفلسفة، فقد ذُكر لدى عديد من الفلاسفة وعلماء النفس من مختلف الاتجاهات نظراً لأهميته في فهم الوجود.
يعتبر فيكتور فرانكل أول المنظرين لمفهوم معنى الحياة، حيث ظهرت لديه هذه الفكرة عن طريق المعاناة التي عاشها مع مجموعة من المعتقلين في معسكرات الاعتقال في فيينا (سجون النازية) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد كان يرى أنّ معنى الحياة وليد الظروف والعوامل التي تحيط بالفرد، فهو لا يوجد بالتساؤل عن الهدف أو الغرض من الحياة، إلّا أنّه يظهر من خلال استجابات الفرد للمواقف والمطالب التي تواجهه في الحياة.
قام فرانكل بتعريف معنى الحياة بأنّها حالة يهدف البشر للوصول إليها لتضيف على حياتهم قيمة ومعنى يستحقون العيش من أجله، تحدث بسبب إشباع الفرد للدافع الرئيسي الذي يتمثّل بإرادة المعنى، هي حالة تجعل الإنسان غير قادر على العيش في نفس الوقت بدون الوصول لمعرفة هذا المعنى الذي يشبع هذا الدافع الأساسي نحو الحياة، أمّا “ آدلر فيرى أنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش إذا لم يجد معنى للحياة التي يعيشها، فنحن لا نتعامل مع الأشياء باعتبار ما هي عليه، لكننا نتعامل معها باعتبار ما تعنيه بالنسبة إلينا.

معنى الحياة في علم النفس الفردي والوجودي:

معنى الحياة في علم النفس الفردي (التحليلي):

أثبت التحليل النفسي وجوده في علم النف كما أنه تعدى علم النفس نفسه وتقدّم بخطى واثقة حول عالم الطب النفسي، فلا نستطيع أن ننكر الخدمات الكبيرة التي حققّها هذا العلم، خصوصاً عن طريق الكشف عن أغوار النفس البشرية وما تنطوي من خفايا خطيرة، فقد كان الفضل الأكبر يعود بذلك للعالم سيغموند فرويد ومدرسته التحليلية التي قامت بتقديم مفاهيم ساهمت بتغيير مجرى تاريخ علم النفس، فقد تعرّضت الفرويدية نفسها على يد فرويد نفسه أوّلاً إلى بعض التعديلات، ذات الصّلة باللاشعور أو العقل الباطن وبالتحليل النفسي والعلاج النفسي.
كان يوجد نوعان من الأفكار التي نُسبت إلى فرويد، هما الأفكار المبكرة والأفكار التي تتأخر عن اللاشعور، أمّا علماء التحليل النفسي والذين قاموا بمخالفة وجهات نظر فرويد في اللاّشعور وفي التحليل النفسي وفي حجم تأثير العوامل البيولوجية والدافع الجنسي في تشكيل سلوك الفرد، كذلك اختلفوا معه في تفسير الكثير من القضايا ذات الطابع السيكوفلسفي، خاصة ألفرد آدلر وكارل يونغ وإريك فروم وغيرهم، رغم اختلافهم مع فرويد حول بعض الأمور، إلّا أنّ هذه الاختلافات تعتبر تكاملية وتملأ ما قد يكون ناقصاً.
قام الفرد آدلرأحد علماء المدرسة التحليلية بعرض معنى الحياة في أحد كتبه، الذي شرح فيه كيف يكون الفرد قادر على تعويض الشعور بالنقص والوصول إلى ما يسعى له، يقوم خصم فرويد في نظرية التحليل النفسي، بشرح وجهة نظره في معنى الحياة وأسماها بالمشكلات الثلاث الأساسية التي تواجه الفرد في حياته، هي العمل والعلاقة مع باقي أفراد المجتمع والزواج، كما أنه يطلعنا على أهمية التعاون في مواجهة المشكلات الثلاث؛ فقد اعتبر أنّ علم النفس هو العلم الذي يقوم بمعالجة القصور من خلال التعاون.

معنى الحياة في علم النفس الوجودي:

ينظر الوجوديون إلى معنى الحياة عن طريق الوجود نفسه، أما عن أحوال الوجود أو شروطه عند الوجودية يمكن أن تقسم إلى أحوال ثلاث؛ مثل ضرورة الالتزام والمخاطرة ومكابدة اليأس والقلق، يقول كيركجورد؛ (لا بد لي وأنا أعاني الحياة أن أصبح أنا نفسي، إذ لا وجود لحقيقة بالنسبة إلى الفرد إلّا ما ينتجه هو نفسه أثناء الفعل، فالحياة هي والحقيقة شيء واحد)، فالعاطفة عنده مرتبطة بالحقيقة والوجود وهي ذروة الذاتية وهي بالتالي أكمل تعبير عن الوجود.
يعتبر فيكتور فرانكل أول من قام بالإشارة إلى مصطلح معنى الحياة، لأنّه يعتبر أحد الدوافع الأساسية والجوهر عند الإنسان، حتى اعتبره المفهوم الأساسي في نظرية الشخصية الإنسانية الخاصة به، فقد ساعده هذه المفهوم على ابتكار أسلوب فعال وجديد في العلاج النفسي سُمي بالعلاج بالمعنى، لقد تأثر فرانكل بدايةً بالتحليل الفرويدي عند تفسيره للسلوك البشري، إلّا أنّه تحول إلى المفاهيم الوجودية، إيماناً منه بعدم كمال التحليل النفسي؛ فالإنسان من وجهة نظره أكثر من مجرد جهاز نفسي محكوم بغرائزه الشهوية المكبوتة.
يمكن تلخيص نظرية معنى الحياة عند فرانكل من خلال بعض الركائز مثل؛ وجود حرية الإرادة ومعناها أنّ البشر بالرغم من وجود حدود تتحكم بهم كالوراثة والظروف المحيطة، إلا أن لديهم حرية في اتخاذ القرارات التي يواجهون بها المواقف التي قد يتعرضون لها، فالحرية تعني القدرة على الاختيار، كما أنها تتغير من فرد لآخر ومن موقف لآخر، ثانياً إرادة المعنى وهي ثاني ركيزة للعلاج بالمعنى عند فرانكل، تعني سعي الفرد للتوصل إلى معنى محسوس وملموس في الوجود الشخصي.
يسعى الفرد ويبذل قصارى جهده حتى يصل إلى هدف يستحق العيش من أجله؛ لأنّ هذا يساعده على أن يبقى بفاعلية حتى في أسوإ الظروف، أما الركيزة الثالثة للعلاج بالمعنى تدل على أنّ الحياة ذات معنى تام وغير مشروط في جميع الأحوال والشروط، كما يمكن تحقيق معنى الحياة عند الأفراد من خلال ابتكاراتهم أو ما يقومون باكتسابه من خبرات من العالم المحيط، كذلك من خلال مرورهم بمواقف مصيرية واجهوها.

دور معنى الحياة في العلاج النفسي:

قام ادلر بشرح أهمية علم النفس وهي تقوم بإعطاء الأشخاص القدرة على فهم كيفية تأثير المعاني على الأفراد وقدراتهم، فهذا الدور يعد رئيسي لعلم النفس، فالمعنى الذي نقوم باختياره لحياتنا سوف يلتصق بنا طوال الوجود على الأرض، لذلك يجب أن نفهم بمساعدة علم النفس كيف تشكّّل هذا المعنى، فتعريف معنى الحياة يختلف بين الأفراد ويجب أن نعرف لماذا اختلفت المعاني، كذلك العمل على التقويم وإصلاح التعريف الخطأ لمعنى الحياة، إذا كان حجم الخطأ كبيراً فلا يمكن التغاضي عنه بل يجب العمل على إصلاحه.
أصرّ آدلر على أن يعرف لماذا تختلف التعاريف لدى الأفراد عن معنى حياتهم؛ لأنّ الاعتماد لمعنى حياة خاطىء خاص بحياتنا من الممكن أن يكون له تأثير يدمّر هذه الحياة، فأكبر المشاكل قد تعترض حياتنا هو الفهم الخطأ لمعنى حياتنا، كيف ندرك هذا المعنى من وجهة نظرنا نحن وبالتالي كيف نواجه الحياة انطلاقاً من هذا المعنى الخاطىء، ضمن هذا الإطار أشار آدلر في كتابه كذلك إلى أن التعريف لمعنى الحياة عندما يكون شديد البعد عن الحقيقة وممتلئاً بالأخطاء الخطيرة.
عندما تكون الطريقة خاطئة في علاج المشاكل والمواقف التي نواجهها وتؤدي إلى الفشل في كل مرّة، فإنّنا نكون غير مستعدين للابتعاد عن تلك الطرق غير الصحيحة، لهذا فإن الأخطاء التي نقوم بارتكابها في فهمنا لمعنى حياتنا، لا يمكن أن نصلحها إلا عن طريق إعادة النظر بشكل شامل في الموقف الذي أدّى بنا إلى هذا الفهم الخاطىء لمعنى الحياة؛ لأنّه عن طريق التعرّف على الخطأ الذي ارتكبناه واستبدال نظام الماضي بنظام مخالف له، فإنّه يمكنُّنا عكس طريقة عمل هذا النظام الإدراكي الترابطي.


شارك المقالة: