في بيته يؤتى الحكم

اقرأ في هذا المقال


جميع الشعوب التي تحيا على الأرض لديها الإرث الثقافيّ الخاص، والذي جعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، وفيما يلي سيتم ذكر قصة المثل العربي الشهير، هو: “في بيته يُؤتى الحكم”.

قصة مثل: “في بيته يؤتى الحكم”:

الحكم والأمثال العربية تزخر بالعبر والعظات والدّروس، وتاريخنا يعجّ بالقصص المدهشة، وفي الكثير من الأحيان نسمع المثل، الذي يقول: “في بيته يؤتى الحكم”، إذ يُقال أنّه في قديم الزّمان عاش أرنب، وفي يوم وجد تمرة، وحينها رآه الثعلب، فسرقها منه، ومن ثم أكلها، فاختصم الأرنب والثعلب، وقررا الذهاب للضبّ؛ ليحكم بينهما، ولمّا وصل الأرنب والثعلب إلى منزل الضّبّ، قال الأرنب: يا أبا الحسل، أتيناك؛ لنختصم إليك، فقال الضّبّ عادلًا حكمتما، فردّ عليه الأرنب: فاخرج لنا، فقال الضّبّ: في بيته يُؤتى الحكم، فبدأ الأرنب يروي ما حدث، وقال: إني وجدت تمرة، فقال الضّبّ: حلوة فكلها، فأجاب الأرنب: إن الثعلب قد اختلسها وأكلها، فقال الضّبّ: لنفسه بغى الخير، تابع الأرنب، إذ قال: فلطمت الثعلب على وجهه، فأجابه الضّبّ: قد أخذت بحقّك، فردّ الأرنب_ معترضًا على كلام الضّبّ: غير أنّه لطمني، فقال الضّبّ: حرّ قد انتصر لنفسه، فقال الأرنب: أيّها الضّبّ، اقضِ بيننا، فردّ الضّبّ: قد قضيت، ولا شكّ أنّ هذه القصة والمحادثة بين الأرنب والضب تُعدّ إحدى أشهر المحادثات في الأدب العربي، وقد اعتبرت كل كلمة أجاب بها الضّبّ حكمة في حد ذاتها، وتشير هذه الحكاية إلى مدى فصاحة لسان العرب وحكمتهم.

العبرة من مثل: “في بيته يؤتى الحكم”:

لعلّ من أهم الدّروس والعبر المستفادة من قصة مثل: “في بيته يُؤتى الحكم”، هي أنّ حلاوة اللسان حرفة لا يتقنها الكثيرون، وفي كثير من الأحيان يكون الردّ الفوريّ كافيًا لحل المشكلة، كما أنّ على المرء ألا يتردّد في انتهاز الفرص، وألّا يتنازل عن حقّه، والعبرة ليست بالحجم أو بالقوة، إنّما بالذكاء وسرعة رد الفعل، والمرء إذا أراد أن يحتكم لأحد؛ فيجب أن يختاره أمينًا عاقلًا، يحترمه ويحترم آراءه، وكذلك إنّ التفكير في الأمور بحكمة وتروٍّ قد يوفر على الإنسان الكثير من المتاعب، كما عليه أن يستفيد سريعًا من الفرص التي تتيحها له الحياة، ويحاول أن يكون سريع البديهة والفهم والملاحظة.

المصدر: الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011


شارك المقالة: