الإقطاع العسكري السلجوقي

اقرأ في هذا المقال


الإقطاع العسكري السلجوقي:

لقد وضع الوزير نظام الملك نظامه الإقطاعي العسكري على أساس إقطاع الأرض من أجل الخدمة العسكرية، يقول البنداري مؤرخ الدولة السلجوقية: (كانت عادانهم جارية بجباية الأموال من البلاد وصرفها إلى الأمصار ولم يكن لأحد من إقطاع فرأى نظام الملك أنَّ من الأموال لا تحصل من البلاد للاختلالها، ولا يصح منها ارتفاع لامتلاكها ففرقها على الاجتاد إقطاعاً وجعلها لهم حاصلاً وارتفاعاً).

إنَّ نظرة نظام الملك مبنية على أساس أنه قد سبق السامانيين والغزنويين في منح الجند إقطاعات بدل من دفع رواتب لهم. لقد عهد السلطان ألب ارسلان إلى وزيره نظام الملك بتنظيم إدارة الجيش السلجوقي فقام هذا الوزير بتقسيم أملاك السلاجقة إلى أربعة وعشرين إقليماً إقطاعياً يكون على رأس كل إقليم قائداً عسكرياً اقطاعياً يتولى إدارة إقطاعه ومسؤول عن أفراد الجند الذين تحت امرته من ناحية تجهيزهم بالأسلحة والمؤن. لقد كان نظام الملك على إدراك تام بما يفعل وأنه أول من أقطع الأتراك.

ومما يؤيد هذا القول رواية المقريزي عن نظام الملك بقوله: (أول من عرف أنه فرّق الإقطاعات على الجند نظام الملك وزير السلطان ألب ارسلان ثم وزر لأبنه ملكشاة وذلك أنّ ملكة اتسعت فرأى أن يسلم كل مقطع قرية أو أكثر على قدر اقطاعه). لذلك اعتبر نظام الإقطاع من نظم الوزير نظام الملك الهامة.

أسباب توزيع الإقطاعات العسكرية على القادة العسكريين:

إنَّ الأسباب التي دعت نظام الملك إلى توزيع الإقطاعات العسكرية على القادة العسكريين يمكن اجمالها كالاتي:

1- لقد شملت الدولة السلجوقية في عصر نظام الملك مناطق كثيرة وكبيرة كانت مقسمة منها بورا والبعض الآخر تركها سكانها وبقيت قرى فارغة بسبب تصرفات بني بوية الإقطاعية وأهملوا محاسبة القادة المقطعين الذين كان همهم زيادة وإرداتهم المالية على حساب الأراضي ومصلحة الفلاحين، يوضح البنداري هذه الحالة بقوله: (الدين قد بدلت أحكامه في أواخر دولة الديلم وقد خربت الممالك بين اقبال هذا وإدبار تلك وقد افقرت البلاد واستولت الأيدي العادية عليها وقامت النوائح على النواجي).

لقد أراد نظام الملك من ذلك تعمير البلاد وتوفير المال اللازم لها لأنَّ حقوق المقطع تتعلق بوارد الأرض وليس الأرض نفسها وبالتالي فإنه سبب في عمارة الأرض وازدهارها.

2- كان هدف نظام الملك تكوين قوات عسكرية منظمة مستعدة للدفاع عن الدولة وصد الأخطار الخارجية وتحقيق الأمن الداخلي لذلك لجأ إلى اقطاع القواد العسكريين الإقطاعات العسكرية على أن يُقدم كل مقطع عدد من القوات الجاهزة للحرب مع السلطان.

3- إنَّ الجيش السلجوقي مشتت لا نظام له، كان تركيزهم نهب أموال الناس فلحق بالرعية أذى كبير فكان من الاسباب القوية التي دعت نظام الملك إلى وضع نظام الإقطاعات العسكرية فقد أشار ابن الأثير، أنّ الوزير نظام الملك قد نبه السلطان ملكشاة من تلك الأفعال التي لا تجلب سوى الخراب والدمار للبلادن.

ففوض السلطان إلى الوزير أن يفعل ما يراه صحيحاً مخاطباً إياه: (قد فوضت جميع الأمور كبيرة وصغيرة إليك فأنت الوالد وحلف له)، كان هدف نظام الملك من اقطاع الجند أن يعودهم على حياة الاستقرار والإرتباط بالأرض المقطعة لهم من أجل حياة منظمة تحكمها الأنظمة والقوانين.


4- إنَّ أساس الدولة السلجوقية كان إقطاعياً بإثبات أنَّ زعماء السلاجقة الأوائل يرجع أصلهم أنهم كانوا زعماء إقطاعيين، يذكر البيهقي (أنه بعدما انتهت النقاشات بين الطرفين السلاجقة والقزنوين تم الإقطاع لهم ثلاث ولايات هي نسا أقطعت إلى طغرل ودهستان أقطعت إلى داود وفراوة لبيغو وأعدت لهم المراسيم الخاصة كزعماء إقطاعيين فقد أرسلت لهم (الخلعة والمنشور واللواء) وخوطبوا بلقب دهقان. وبعد انتصارهم على القزنوين استولوا على أملاكهم وقسموا الولايات بينهم اقطاعات وجعلوا على رأس كل إقطاعة واحداً من كبار قادتهم.

عندما تولى السلطان ألب أرسلان السلطة في الدولة السلجوقية قسم الدولة بين إخوته وأهل البيت السلجوقي وكان هذا التقسيم قائم على أساس إقطاعي وكانت هذه الإقطاعيات إما خاصة بأمراء البيت السلجوقي وغالباً ما يكون الإقطاع عبارة عن إقليم كامل، يشير ابن الأثير في عام (458 هجري)،‏ أخذ السلطان المواثيق والعهود على الأمراء وأمر بإقطاع البلاد، أقطع ولاية بلخ لأخيه سليمان بن داود، وأقطع خوارزم لأخيه أرسلان أرغو ومدينة مرو لابنه أرسلان شاة وأقطع صغانيان وطخارستان لأخيه إلياس.

وعندما أخذ ولده ملكشاة، سار على طريق والده ألب ارسلان في وضع أسس النظم الإقطاعية للدولة السلجوقية وكان هذا التقسيم مبني على أساس إقطاع أفراد البيت السلجوقي، وقد شملت هذه الإقطاعيات أقاليم فتحت على يد السلاجقة كالشام وآسيا الصغرى وكالآتي:

1- إقليم كرمان أقطعه لعمة قاورد ثم توارثه ابناءه من بعده وبقوا فيها حتى عام (580 هجري)، وقد عرفت بالتاريخ بسلاجقة كرمان.
2- إقليم الشام أقطعه إلى أخيه تاج الدولة تتشى.
3- آسيا الصغرى عين عليه سليمان بن قتلمش بن اسرائيل وقد بسط نفوذه على ولاية قونية وولاية أق سرا وأنطاكية فوصلت حدود الدولة السلجوقية إلى سواحل البحر المتوسط.

أما الإقطاعات العسكرية فهي التي اقترنت بخدمات حربية يؤديها المقطع وكان مماليك السلاجقة أوفر حظأً بهذه الإقطاعيات العسكرية، يذكر صاحب أخبار الدولة السلجوقية (لم يبلغ أحد من مماليك الخلفاء والملوك ما بلغه مماليك السلاجقة وأبناء مماليكهم).
والأمثلة كثيرة على ذلك منها كما يلي:

1- قسيم الدولة اقنسقر صاحب حلب وأصبح ابنه عماد الدين زنكي أتابك على الموصل والجزيرة والشام.
2- اقنسقر الأحمد يلي وأولاده في مراغة.
3- اتوشتكين أسس الإمارة الخوارزمية.
4- أيلدكز وأولاده في أذربيجان.

وكان السلطان سنجر يهب الأموال والأقاليم لمماليكه بدون حساب ويعبر عن هذه النظرة بقوله: (أما رأيتموني أفتح إقليماً يشتمل على أضعاف ما وهبته من مال وأهبه بكلمة واحدة لمن أراه قبل السؤال). فكان مملوكه سنقر تحت إمرة عشرة آلاف فارس وبيده الأمر في حل إقطاع من يرى حل إقطاعه أو أن يبقيه.

إدارة الإقطاع السلجوقي:

كان المقطع يخضع لسلطة الحكومة المركزية وكان باستطاعة الحكومة السلجوقية نزع الإقطاع من مُقطعها متى أرادت إذا رأت أنَّ المقطع قد أخل بالإلتزام المفروض عليه، ومن أجل أن تضمن الدولة ضمان ولاء المقطع في التزاماته المالية، لم تجعل الحكومة الإقطاع في مكان واحد فعملت على بعثرة الإقطاع الواحد في أماكن متباعدة (وربما قرر الواحد من الجند ألف دينار في السنة فوجه نصفه على بلد من الروم ونصفه على وجه في أقصى خراسان وصاحب القرار راضي).

كان الأمراء السلاجقة الإقطاعيين يستقرون مع السلطان في عاصمة الملك وكانوا يرحلون معه أينما سار، عندما دخل ملكشاة بغداد سنة (479 هجري)،‏ كان عدد الأمراء الإقطاعية نحو الأربعين أميراً. وكانت أموال إقطاعاتهم تنتقل لهم وهم في خدمة السلطان في عاصمة. لقد كان يؤخذ من الإقطاعي العهود والمواثيق قبل إقطاعه بكونه مسؤول أمام السلطان على الأرض المقطعة له وجباية واردها.

وقد حددت الكيفية التي بموجبها يستطيع المقطع من إدارة إقطاعية وجاء ذلك على لسان نظام الملك بقوله: (إنَّ حقوقهم الشرعية على الفلاحين تنحصر في جمع الضرائب المقررة التي نيط بها جمعها برفق فإذا ما جبت هذه الضرائب يصبح الفلاحين أحراراً في أبدانهم وأزواجهم وأولادهم وليس للمقطع أي حق فيها).

في ضوء ذلك نستنتج أنّ المقطع لا يملك حقوق السيادة المطلقة على اقطاعية فهو سيد في إقطاعية في جباية الضرائب المقررة وليس له الحق في محاسبة الفلاحين ومعاقبتهم ولذلك يمكن تسمية هذا الاقطاع بأنه (إقطاع عسكري ضريبي).

كانت أسماء أصحاب الإقطاعيات تثبت بسجلات خاصة تُسمى (الجرائد الديوانية). وتحتوي هذه السجلات على معلومات كاملة عن المقطع واسم إقطاعية وحجمها وعدد جنوده الذين تحت أمرته والمسؤول عن ذلك يُسمى (العارض). كان عدد جنود السلطان ملكشاه ستة وأربعين ألف فارس، وكانت أسمائهم مثبتة في سجل الديوان وكانت إقطاعاتهم موزعة على أراضي الدولة المختلف، وكانت هذه الإقطاعيات مصدر نفقاتهم ومعيشتهم وكذلك ما توفره من أعلاف لحيواناته.

كما كانت تثبت أسماء الجنود الذين كانوا يُلازمون السلطان لحراسة والذين كانوا يتقاضون رواتبهم نقداً وليس اقطاعاً، وكانت تثبت في تلك السجلات أسماء الجند وأمام كل واحد مقدار راتبه وموعد صرفه. بلغ عدد جنود السلطان بوكياروق من الأتراك السلاجقة الذين يحيطون به ويتولون حراسة عشرون ألف جندي وكانوا يُلازمونه في أغلب الأوقات يأخذون أرزاقهم بأيديهم.

لقد اتصفت الإدارة السلجوقية بالازدواجية، فقد كانت الحكومة المركزية مسؤولة عن إقطاعات القادة العسكريين على اختلاف طبقات وكذلك أفراد الجيش السلجوقي. في نفس الوقت كانت هناك إقطاعات اختص بها الأمراء لفرسانهم وهي إقطاعات صغيرة أغلبها كانت تمنح لأمراء من بيت صاحب الإقطاع والتي أصبحت وراثية الهدف، من ذلك إحكام سيطرتهم على الإقطاعية ليصبح السيد الإقطاعي في إقطاعه.

وأصبح لولاة الإقاليم الإقطاعيين وزراء داخل إقاليمهم، تحت حكم ذلك الأمير فهوا يشرف على تعبهم وصرفهم، عندما كان ألب ارسلان قائد على خراسان كان وزيرة نظام الملك، يذكر الراوندي ناصحاً السلطان السلجوقي طغرل بك بقوله: (إذا أعطيت ولاية لأمير من الأمراء فأنه يعين عليها وزيراً ويطلب من وزيره إدارة الولاية لا يتبع قانوناً محدداً وهكذا كان وزير الولاية مطلق التصرف في إدارة شؤون ولايته).

وكان قادة الجيش والأمراء المستقطعين يلقبون بألقاب مميزة مثل سيف الدولة وحسام الدولة. وبذلك استطاعت السلطة السلجوقية من ترسيخ قواعد النظام الإقطاعي العسكري في البلاد والذي أصبح نموذجاً للنظم الإقطاعية اللاحقة.

المصدر: ❞ كتاب الإقطاع في الدولة العباسية ❝ مؤلفه د. محمد حسن سهيل الدليمي صفحة (74 – 85).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفه سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث.❞ كتاب الخلافة العباسية في عهد تسلط البويهيين ❝ مؤلفته د. وفاء محمد علي. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفه د.محمد سهيل طقوش.


شارك المقالة: