الغزو والفتح في عهد المهدي

اقرأ في هذا المقال


الغزو والفتح في عهد المهدي:

مُنذ أن حكم ولاية المهدي الخلافة بعث العباس بن محمد على رأس جيش إلى بلاد الروم، كما أرسل جيشاً آخر إلى بلاد الهند. وكان ذاهِباً بشكلٍ عام إلى بلاد الروم حيث ما تنفك الصوائف تنطلق من الثغور فتغير على أرض الروم، وإن كانت لم تحدث فتوح واسعة أو تضم مدن كبيرة إلى بلاد الإسلام بصورةٍ دائمةٍ إلا أن الانتصارات كانت كبيرةً والغنائم كثيرة، وأعداد الأسرى من الروم وفيرة. وكانت الثغور هي نفسها على ذرا جبال طوروس وتمتد من طرسوس على ساحل البحر المتوسط نحو الشمال الشرقي حتى أرضروم.

وتوغل الحسن بن قحطبة عام (162 هجري)، في بلاد الروم، وأحرز انتصاراً واضحاً، ولكن كثرت الفتوح بعد ذلك حيث تولى ابنه الرشيد أمرها إذ سار على رأس قوة من بلاد خراسان ومعه خالد بن برمك، ونال من الأعداء نيلاً عظيماً، وأصبح بعد ذلك والياً على الشطر الغربي من الدولة الإسلامية من الأنبار حتى الأندلس.

وسار عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب على رأس قوة إلى بلاد الروم عام (164 هجري)، وأصاب غنائِمَ كثيرةً وأسر من الروم الكثير أيضاً. وبعد عام سار الرشيد ووصل إلى سواحل بحر مرمرة، وصالح أغسطة امرأة ليون، وكانت عاهلة الروم. واستمرت الهدنة سنتان ثم نقض الروم العهد عام (168 هجري)،‏ فسار إليهم والي الجزيرة وهو يزيد بن بدر بن البطال فغنم وظفر.

الحركات في عهد المهدي:

لقد وطد المنصور لابنه الأوضاع، وأخضع له الرقاب، لذا لم تقم في أيام المهدي حركات واسعة، ولم ينشط مُنافِسوه سواء من الطالبيين أم من غيرهم، ومع هذا فقد قامت حركات محلية بسيطة منها:

1- خروج يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرم، وكان خروجه بخراسان عام (160 هجري)، فسار إليه يزيد بن مزيد فتمكن منه وأسره، وأرسله إلى المهدي مع كبار أنصاره فقُتلوا جميعاً.

2- خروج المقنع في منطقة من مناطق مرو حاضرة خراسان، واسمه عطاء، وكان يقول تنسيخ الأرواح، وأن الله قد ظهر في شكل آدم لذا سجدت له الملائكة، ثم ظهر في صورة نوح، ثم في صور الأنبياء الواحد بعد الآخر حتى كان في صورة أبي مُسلم وأخيراً صار إليه لذا فقد ادّعى الربوبية. وكان أعور قبيح المنظر لذا فقد اتخذ له وجهاً من ذهب. وكان خروجه عام (161 هجري)،‏ فأرسل له المهدي عدداً من القادة، ثم أفرد له سعيد الحرشي فلجأ المُقنع إلى قلعة (كَشّ)، وكان قد جمع فيها الطعام، وحصّنها، فلما اشتد عليه الحصار وشعر بالغلبة احتسى السم هو وأهله فماتوا جميعاً وذلك عام (163 هجري).

3- خروج عبد السلام بن هاشم اليشكري للجزيرة، وقوي ساعِده، وأحرز النصر على عدد من قادة المهدي وجيوشه، وسار إليه أخيراً شبيب بن واج المرورذي ولكنه هزم أمامه أيضاً، فلما جاء دعم إلى شبيب انتصر وفرَّ عبد السلام أمامه إلى قنسرين فتبعه، وتمكن من قتله فيها عام
(162 هجري)، وعبد السلام هذا من الخوارج الصفرية.

4- خروج دحية بن مصعب بن الإصبع بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم عام (165 هجري)، وتغلب على أكثر بلاد الصعيد، وكاد نفوذ الدولة العباسية ينتهي من الصعيد، وهذا ما جعل الخليفة المهدي يغضب على واليه في مصر إبراهيم بن صالح بن علي العباسي ويعزله ويرسل مكانه موسى بن مصعب بن الربيع الخثعمي عام (167 هجري)، ولكنه فشل كذلك في القضاء على ثورة دحية، وقسا على السكان فسلّمه الجند، وتخلوا عنه للثائرين فقتل، وجاء بعده حسام بن عمرو المعافري، وقد فشل كذلك. واستمرت الثورة حتى أيام الهادي.

الخوارج في عهد المهدي:

بقيت دولة الخوارج في سجلماسة، وتوفي عام (168 هجري)،‏ أبو القاسم سمكو وخلفه ابنه إلياس الذي عرف باسم (أبو الوزير). وبقي على سيرة أبيه في موادعة ولاة القيروان. كما قامت دولة للخوارج من الأباضية في تاهرت إذ أسسوا هذه المدينة عام (161 هجري)، وأصبح عبد الرحمن بن رستم إماماً لهذه الدولة. وقد هادن ولاة القيروان أيضاً مثل حكام الدولة الصفرية في سجلماسة.

منطقة تَاهرْت:

اسم لمنطقتين تُقابل بعضهما بأقصى المغرب، تُقال لإحداهُما تاهرت القديمة وللأخرى تاهرت الحديثة. بينهما وبين المسيلة ست مراحل، وهي بين تلمسان وقلعة بني حماد. وهي مدينة مسورة لها أربعة أبواب: باب الصفا، وباب المنازل، وباب الأندلس، وباب المطاحن.

وهي على حفة تلة يُقال له جزّول، ولها قصبة تطل على السوق تسمى المعصومة، وهي على بحيرة تأتيها من اتجاه القبلة يسمى مينة، وهو في قبلتها، ونهر آخر يجري من عيون تجتمع يسمى تاتش، ومنه شرب أهلها وأرضها، وهو في شرقيها، وفيها جميع الثمار، وسفرجلها يفوق سفرجل الآفاق حسناً وطعماً.

الأندلس في عهد المهدي:

استطاع المهدي كما استطاع أبوه المنصور ‏التخلص من عبد الرحمن غير أنه فشل كسابقه. إذ كان حاكم سرقسطة سليمان بن يقظان الأعرابي الكلبي يختلف مع عبد الرحمن الداخل لأمورٍ سياسيةٍ. فاتفق هذا مع شارلمان حاكم الفرنجة لمُداهمة عبد الرحمن الداخل، وقد كان المهدي
على رضى من هذا الاتفاق، وأرسل هو أيضاً من طرفه عبد الرحمن بن حبيب الفهري لينزل على شواطئ الأندلس الجنوبية، في الوقت الذي يجتاز شارلمان حدود الأندلس من الشمال.

سار عبد الرحمن الفهري إلى منطقة تدمير (مرسيه)، على بحر الأندلس الجنوبية، ولكن كان وصوله قبل دخول شارلمان، فسار إليه عبد الرحمن الداخل وتمكن من قتله. ووصل شارلمان إلى سرقسطة غير أن السكان رفضوا تسليم بلدهم لرجل نصراني، وقاموا بثورةٍ قادها رجل منهم اسمه الحسين بن يحيى الأنصاري، وأغلقوا أبواب المدينة في وجه شارلمان وحليفه ابن الأعرابي، وذلك عام (161 هجري).

فاضطر شارلمان إلى العودة من حيثُ أتى وقام بأخذ سليمان بن يقظان بن الأعرابي أسير الحرب إذ عدّه قد خدعه، وكان من أسباب عودة شارلمان أيضاً أن القبائل الجرمانية – السكسونية قد تركت النصرانية وعادت شارلمان.

وبينما كان شرلمان يجتاز الحدود من الجبال البرنس إذ هاجمت قبائل البشكنس مؤخرة جيشه ومعها أبناء سليمان الذين أعادوا أبيهم، وكان عبد الرحمن الداخل قد شجع هذا الهجوم، ثم قتل سليمان هذا، وحكم الحسين بن يحيى الأنصاري سرقسطة، واستقر وضع الداخل في الأندلس، خاصةً أنه سار عام (164 هجري)،‏ إلى سرقسطة ودخلها، وحسّن علاقاته مع شارلمان.

المصدر: ❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر صفحة (131 – 136)


شارك المقالة: