قضية الصياغة النظامية للعلم عند بندكس وميرتون في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


قضية الصياغة النظامية للعلم عند بندكس وميرتون في علم الاجتماع:

نجد أن رنهاد بندكس يتبنى رأياً مضاداً في دراسة له بعنوان علم الاجتماع والأيديولوجيا، فعلى العكس من فيبر وريس وغيرهما الذين يؤكدون تحول علم الاجتماع إلى مهنة إلى اتجاهها نحو الموضوعية والتحرر من القيم، حيث يلخص لنا ميرتون أهم الملاحظات التي أبداها بندكس في ما يلي:

أهم الملاحظات التي يلخصها ميرتون في علم الاجتماع عند بندكس:

الملاحظة الأولى:

لا يوجد هناك اتفاق حول قيمة إسهامات علم الاجتماع وبالنسبة للإنسان والمجتمع، بعكس الحال بالنسبة للعلوم الطبيعية والبيولوجية التي يوجد اتفاق تام حول قيمتها العلمية والتطبيقية في حياة البشر، وهذا هو ما يدعو في نظره إلى المزيد من التركيز على ربط العلم بالمجتمع أو على تنمية الجوانب التطبيقية من علم الاجتماع.

الملاحظة الثانية:

إنه على الرغم من أن المشتغلين بالعلوم الطبيعية أو البيولوجية يواجهون مشكلات تتعلق بتحديد مسار علمهم وبتقويمه وربطه بالمجتمع، إلا إنهم قادرون على تحقيق قدر كبير من الموضوعية والحيدة العلمية، بعكس الحال بالنسبة لعلماء الاجتماع الذين يهتمون بدراسة موضوعات ترتبط بالقيم والأيديولوجيات والالتزامات السياسية، مما يعرض الدراسات في هذا المجال لخطر الانحياز.

الملاحظة الثالثة:

إن البناء الاجتماعي أو التنظيمي لعلم الاجتماع، طرأ عليه تغير شأنه في ذلك شأن كل العلوم، وقد تكوّن هذا التغير من تغير مسار التمويل والمخصصات المالية، فقد صار تمويل البحوث والدراسات السوسيولوجية في يد المؤسسات الاقتصادية الكبرى والأجهزة الحكومية.

وهذا ما يجعل المؤسسات والأجهزة تتحكم في تحديد نوعية الأبحاث واتجاهها وفي مجال التفسير واستخلاص النتائج، وهكذا انتقل مركز التوجيه من الجماعات وهيئات البحث العلمي إلى هذه المؤسسات والأجهزة، وهذه النقطة جنباً إلى جنب مع النقطتين السابقتين، تثير بجلاء مسألة الموضوعية والانحياز في علم الاجتماع، وهذا هو ما أدى بالبعض إلى إطلاق بعض التعبيرات مثل علم الاجتماع المنحاز، الأمر الذي يؤدي إلى تحول علم الاجتماع إلى أيديولوجية.

ويذهب روبرت ميرتون، إلى أن الإجابة على هذه التساؤلات تدخل في ميدان علم اجتماع العلم أو في مجال عملية الصياغة النظامية للعلم ويتفق ميرتون مع بندكس أنه لا يوجد إنفاق حول العديد من قضايا علم الاجتماع على عكس الحال بالنسبة للعلوم الطبيعية أو البيولوجية، فليس هناك اتفاق حول الأهمية النسبية للمشكلات أو حول ما ينبغي دراسته والتركيز عليه، كما لا يوجد اتفاق كامل بين الباحثين حول المناهج أو الأساليب المناسبة للدراسة أو كيفية البحث.

يضاف إلى هذا أنه لا يوجد اتفاق حول المكانة المعرفية أو العلمية لنتائج الدراسات، أو حول النظرية أو النظريات المناسبة القادرة على توجيه الأبحاث الواقعية، أو التي يمكن في ضوئها تفسير نتائج هذه الأبحاث ويذهب ميرتون إلى أنه إذا كان علم الاجتماع يعاني من مشكلة عدم الاتفاق الكامل بين الباحثين حول هذه القضايا، فلا شك أن كافة العلوم الأخرى بما في ذلك العلوم الطبيعية وعلوم الحياة، تعاني كذلك من نفس المشكلة، ويكمن الخلاف بينهما في هذا الصدد في الدرجة، بمعنى أن هناك قدراً من الإنفاق في مجال العلوم الطبيعية والحيوية بالمقارنة بعلم الاجتماع.

ويؤدي الاختلاف الكبير بين علماء الاجتماع حول المعايير والمفاهيم إلى إصابة الباحثين في هذا الميدان بحيرة شديدة أو بنوع من اللاتثبت حول دورهم كعلماء وحول ما يختارونه للدراسة وكيفية الدراسة، وحول معيار الكفاءة الذي يمكن أن يقاس به إنتاجهم وفي ظل غياب مثل هذا المعيار فإن علماء الاجتماع يميلون إلى تكوين جماعات أو مدراس متعددة يتشابه أعضاء كل منها في الرأي والاتجاه والنظرة إلى الواقع الاجتماعي وتفسيره.

وكذلك فإن غياب المحكمات الموضوعية للحكم على النظريات ونتائج الأبحاث السوسيولوجية، يؤدي بالمناقشات العلمية إلى أن تتخذ طابع الجدل بين العلماء، وفي هذه الحالة يحرص كل فريق على أن ينتصر ﻵرائه فحسب، الأمر الذي يؤدي إلى الانحياز والتعصب وانتقاء الطابع العلمي.

ويؤكد رنهارد بندكس أن علم اجتماع علم لم يحقق السياق الاجتماعي للنظريات العلمية، خاصة وأن هذا للسياق والإطار الحضاري هو الذي يشكل تفكير المشتغلين بالعلم خاصة علم الاجتماع.

ويقدم روبرت ميرتون العديد من أوجه النقد التي عادة ما توجه إلى علم الاجتماع، مثل عدم دقة الضبط المنهجي وخطورة النزعة الذاتية والانحياز العلمي، وعدم وجود اتفاق بين جمهرة المشتغلين بعلم الاجتماع حول معايير الصدق والأهمية في مجال الأبحاث السوسيولوجية، وعدم ظهور أفكار جديدة أو قضايا محققة علمياً تتسم بالجدة والصدق والأصالة.

المصدر: أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.


شارك المقالة: