يعلق الإسلام أهمية كبيرة على الحفاظ على الأسرة، ومن المثير للاهتمام أن كلمة الأسرة مشتقة من الكلمات التي تدل على التماسك والوحدة والحماية، ولذات الغرض كثيرًا ما يتم تذكير المسلمين من خلال آيات القرآن الكريم والسيرة النبوية لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، للحفاظ على الروابط الأسرية.
أهمية الروابط الأسرية في الإسلام
إن لأهمية الأسرة في الإسلام شأن كبير، وفيما يلي بعض المفاهيم الأساسية التي تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على روابط القرابة في الإسلام:
1- الحفاظ على الروابط الأسرية بمثابة دليل على إيمان الشخص
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه”، رواه البخاري ومسلم.
يتضح من هذا الحديث أن الحفاظ على الروابط الجيدة أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمؤمن الحقيقي، وينبغي على المرء أن يقوم بالفعل لمجرد إرضاء الله تعالى، وعندما يفعل المؤمن ذلك ويترك غروره، ينال بركات الله تعالى ورحمته، وتحتوي سيرة نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم على أمثلة عديدة عن كيفية حفاظه على علاقاته الطيبة مع أفراد أسرته.
2- كسب الأجر من عند الله تعالى لمن يعمل على إصلاح الروابط الأسرية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من الصَّلاة والصِّيام والصَّدَقة ؟ قُلنا: بَلَى يا رسول الله، قال إِصلاحُ ذاتِ البَيْن (العَداوةِ والبَغضاءِ)، وإفسادُ ذات البَيْن هي الحَالقةُ”، حديث صحيح.
وينصح رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالحفاظ على العلاقات الصحية، وينصح أيضًا بأنه يجب أن يكون الشخص مصدرًا لمساعدة الآخرين في إعادة الاتصال والروابط، وأجر ذلك أثقل في نظر الله تعالى من أداء فريضة للمؤمن.
وللمؤمنين ثواب غير محسوس، ويستثمرون وقتهم وجهدهم في تقوية أواصرهم، وهناك مراجع عديدة من القرآن الكريم والسنة، تقود المؤمن إلى الاستمرار في ممارسة الحفاظ على العلاقات الجيدة مع أفراد الأسرة والإيمان بأن هذه الجهود ستكافأ.
3- من الفوائد الروحية والجسدية لتقوية الروابط الأسرية زيادة العمر والرزق
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه”، متفق عليه، ينسأ له تعني: يؤخر للشخص في أجله ويزاد له في عمره.
وإن الحسنات تساعد على تقوية إيمان المؤمن، وإن خدمة أفراد الأسرة وحسن معاملتهم يساعدان في جلب نعمة الله تعالى على شكل رزق، ويمكن أن يكون هذا في شكل صحة أو توفير أو كليهما.
4- جعل الأنبياء قدوة للأسرة في الروابط الأسرية
وكان للعديد من الأنبياء والصحابة والصالحين علاقات صعبة مع أفراد عائلاتهم، بالنسبة للنبي إبراهيم عليه السلام كان والده لا يتبع دين الإسلام، والنبي نوح عليه السلام ابنه كذلك، وبالنسبة للنبي لوط عليه السلام كانت زوجته تقرّ الفواحش، أما آسيا رضي الله عنها فقد كان زوجها فرعون، وبالنسبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان عمه أبي طالب.
وتدل هذه الأمثلة كوسيلة للتأكيد على التحديات التي يمكن أن تأتي من أفراد العائلة، وكيف يجب أن يتعامل مع مسؤولياتهم وحقوقهم؛ حتى لو لم يتبعوا الطريق المستقيم.
5- قطع صلة الرحم محرم في الدين الإسلامي
إن قطع العلاقات مع أفراد الأسرة خاصة الأقارب بالدم؛ يمكن أن يمنع المرء من دخول الجنة، على الرغم من أن الكثيرين من الأسر يكافحون للحفاظ على علاقات جيدة داخل عائلاتهم، فإن الشهادة الحقيقية لإيمانهم تكمن عندما تكون تلك العلاقات صعبة.
وعلى الرغم من هذه التحديات يجب أن يعمل الفرد بجدّ للحفاظ على الروابط الأسرية؛ من خلال زيادة الوعي بتعاليم القرآن الكريم وسيرة نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم.
تقوية الروابط الأسرية في الإسلام
تُعَدّ الحياة الأسرية بيئة محورية لتوفير بيئة آمنة وصحية ورعاية للآباء والأمهات والأطفال الذين ينمون، وكذلك كبار السن لديهم، وإنه في الواقع أفضل مكان لنقل الفضائل الإنسانية وتنميتها مثل: الحب واللطف والرحمة، ويعتقد العلماء المسلمون أن هذه القيم ليست فقط لصالح العائلات الفردية، بل هي بمثابة لبِنات بناء مجتمع قوي أيضًا. وفيما يلي بعض الطرق لتعزيز الحب واللطف تجاه الأسرة والمساعدة في تقوية الروابط بين الأجيال:
1- التعبير عن الحب والاحترام للجميع
يعتقد البعض أن التعبير عن الحب والاحترام، يجب أن يقتصر على كبار السن، لكن لا يوجد دليل على احترام كبار السن وحدهم في التوجيه الإسلامي، بل إن نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم أبدى احترامًا وحبًا للصغار، وكذلك لأبنائه وأحفاده، لقد أحبهم وعاملهم بلطف وأظهر لهم كيف يعيشون حياة إنسانية.
وبعد سنة نبينا صلى الله عليه وسلم يجب أن يحاول الفرد أن يتعامل بالصلاح مع الجميع، كلما كانت العلاقة أوثق، يجب أن يكون هناك تركيز أكبر للتواصل مع أفراد الأسرة مع الوالدين، والزوج والأطفال ويليهم الأشقاء، يليهم الأب والأعمام والعمات ويليهم أطفالهم وما إلى ذلك، ومن المهم ملاحظة هذا الاحترام يتوسع بالتأكيد ليشمل كل من حول هذا الفرد.
2- إكرام الوالدين
يجب على المرء أن يكون لطيفًا ومخلصًا ومحترمًا لوالديه، وأن يحافظ على روابط القرابة؛ حتى لو كانوا من غير المؤمنين، في مواضع عديدة من القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد على ذلك، وكون الشخص يكرم والديه، فإنه يضع تلقائيًا نموذجًا يحتذى به لأطفاله في جيل المستقبل.
3- قضاء وقت ممتع مع العائلة
لدى الجميع التزامات يجب الوفاء بها، ومع ذلك لا يعني ذلك أنهم يجب أن يعطوا أهمية أقل لعائلاتهم، يجب لقضاء وقت ممتع معهم، وأن يعززوا العلاقات الأسرية، ويوفر أيضًا فرصًا للأفراد لمناقشة المسائل العائلية المهمة والعمل من أجل المنفعة المتبادلة.
ومن الضروري قضاء بعض الوقت الجيد معهم على الأقل كل يوم، يمكن أن يتفقوا على هذا بشكل متبادل، مثل تناول وجبة معًا، أو يمكن أن تكون أي ساعة أخرى خلال النهار تناسب كل فرد من أفراد الأسرة، وخلال هذا الوقت يجب أن يحرص أفراد الأسرة على عدم إثارة القضايا التي قد تصبح مصدر استياء أو إزعاج للآخرين، على وجه الخصوص.
وبالنسبة لبعض العائلات قد يكون الالتقاء بشكل متكرر تحديًا حقيقيًا عندما يكبر الأطفال ويخرجون من أجل مزيد من التعليم أو لبدء حياتهم الأسرية، وفي مثل هذه الحالات يجب على أفراد الأسرة بذل قصارى جهدهم للبقاء على اتصال وربما التخطيط لرحلة عائلية.
وأخيرًا يجب أن يعلم جميع المربيين أن الروابط الأسرية الجيدة هي أساس استقرار الأسرة ونموها بشكل سليم وصحيح، كما ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم بالروابط الأسرية وصلة الرحم والتواصل زيادةً في العمر وبركة فيه.