استقلالية الأسرة في الإسلام

اقرأ في هذا المقال


تتكون استقلالية الأسرة من جزأين مهمين: الجزء الأول هو حظر تدخل الغرباء في خصوصية الأسرة والثاني يتعلق باستقلالية كل فرد من أفراد الأسرة: مثل الوالدين والأزواج والأبناء، تجاه بعضهم البعض.

استقلالية الأسرة في الإسلام

لا شك في ضرورة تحريم تدخل الآخرين في الأسرة؛ لأن الإسلام يعتبر للأسرة هوية مُستقلة؛ وبناءً على ذلك فإن أي تدخل في الأسرة يتعلق بحقوق أفراد الأسرة وليس حقًا أو إذنًا لهم، ويعتبر الأفراد من غير أفراد الأسرة مُنتهكين لهذا الحُرمة المُستقلة والمُقدسة.

وتعتبر قضية استقلالية أفراد الأسرة تجاه بعضهم البعض تحديًا خطيرًا في المجتمعات المختلفة اليوم، مما لا شك فيه أن كل الناس في حياتهم يحتاجون إلى بعض اللحظات للتفكير في شؤونهم الشخصية، وذلك في عزلة ووحدة دون وجود الآخرين وحتى المقربين منهم، ولا يحتاجون إلى أحد يزعج ملاذهم الخاص، وهذا ضروري في مجال استقلال الأسرة الذي ينتمي إليه جميع أفراد الأسرة.

وفي قانون الدين الإسلامي، يتم تحديد حقوق أفراد الأسرة تجاه بعضهم البعض وتحديد استقلال مميز لكل فرد في الأسرة، حيث يتمتع الآباء بأشيائهم المستقلة ويلتزم الأطفال بمراعاة هذا للوالدين.

أهمية استقلال الأسرة في الإسلام

إن القرآن الكريم يحث بتأكيده على حق الوالدين بالاستقلالية؛ حتى في البيت المشترك مع الأبناء والآباء، مع تحديد الوقت المعين للأبناء لهذه الاستقلالية، يجب أن يراعي إلزام الأبناء بطلب إذن الوالدين قبل دخول الغرفة الخاصة بهم مثلًا.

قال تعالى: “يَا أَيُّهَا ​​الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”، سورة النور، الآية 59.

إن ذكر قوانين دخول الأطفال إلى غرف الوالدين هو تأكيد يظهر أن الإسلام يعتبر أهمية خاصة لخصوصية أفراد الأسرة، ويركز بشكل كبير على الحرية للوالدين وخصوصيتهم، وإن تحقيق مبدأ العفة في الأسرة والتدريب الصحيح للأطفال مُلزمان بمراعاة استقلالية الوالدين بأمور عديدة، وإن عدم الاهتمام بهذه الاستقلالية سيتبعه عواقب لا يمكن إصلاحها في صحة الأسرة والعفة، وذلك بين سن البلوغ المبكر للأطفال واختلالاتها بعد البلوغ وأثناء البلوغ.

أهم المواضيع الإسلامية التي تحافظ على الاستقلالية والخصوصية في الأسرة

إن لموضوع ستر العُري الذي يتم التأكيد عليه في المفاهيم الإسلامية كثيراً، وتحريم مشاهدة أفراد الأسرة عُراة أهمية خاصة وفقاً لمبدأ عفّة الأسرة واستقلاليتهم، ويعتبر هذا جزءاً من الخصوصية الجسدية لأفراد الأسرة، يجب الإشارة إلى فصل سرير الوالدين ومكان نومهما عن أفراد الأسرة الآخرين، بغض النظر عن أعمارهم.

إلى جانب ضرورة فصل الأبناء في الفراش عن أفراد الأسرة الآخرين وهذا من باب عفّة الفرد واستقلاليته، من منظور قانون الدين الإسلامي، فإن موضوع فصل الأطفال عن الآباء هو من باب الاستقلالية المشتركة وعدم إشراك الأطفال في الشؤون الأهل الخاصة.

ومن باب استقلالية الفرد في الأسرة يجب التفرقة بين الأبناء أنفسهم سواء ذكر أم أنثى في الفراش، حيث حثّ نبينا الكريم على التفرقة بين الأبناء في المضاجع، حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع”، صحيح أبي داود.

والإنسان أساسًا قد ولد حرًا ومستقلًا، ويجب ألا يُنظر إلى الارتباط الأسري على أنه فصل بين الإنسان وجوهره، ويجب أن يحترم الأفراد الحياة الأسرية، وحق التعبير عن أفكار بعضهم البعض ولا ينكر أي منهما الآخر من الحق الواضح في التعاون في صنع القرار، وخاصة القرارات المتعلقة بهم.

مما لا شك فيه أن عدم الاهتمام والجهل بمشاعر أفراد الأسرة وأفكارهم وتعريض خصوصية بعضهم البعض للخطر يعتبر من أسباب العبث باستقلالية الحياة الأسرية ومتاعبها وتحدياتها.

من تعاليم الدين الإسلامي إرضاء كل من الزوجين وباقي أفراد الأسرة وإدراكهم لأبعادهم واحتياجاتهم الشخصية، وأيضًا محاولة التفاهم المتبادل بينهم، وإن مراعاة مبدأ الاعتدال والإشارة إلى مبدأ بقاء الأسرة وضرورة تثبيت وتقوية قواعدها أمر ضروري ولا مفر منه.

إن الحفاظ على استقلالية أفراد الأسرة بأنفسهم يُحفز أن لا يتسبب في تراجع شعورهم بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض وتجاه الأسرة، ويشجع على قيام أي فرد من أفراد الأسرة في أدواره ومسؤولياته المحددة، ويقوي قاعدة الأسرة.

المصدر: أخلاقيات التعامل الأسري في السيرة النبوية، عبد الله بن ناصر السدحانالمجتمع والأسرة في الإسلام، محمد طاهر الجوابي، 2020الإرشاد الأسري، عبد العزيز، 2011التعامل الأسري وفق الهدى النبوي، حنان قرقوتي،2013


شارك المقالة: