يقول الله تعالى: “وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا”، النساء، 24، يخبرنا الله أن الأزواج لن يكونوا قادرين على تحقيق العدالة الكاملة بين زوجاتهم، ليس في مقدرتهم أو قدراتهم على تحقيق العدالة الكاملة بينهن من أجل مراعاة المساواة، من الضروري أن يكون لديهم نفس مشاعر الحب والعاطفة والولع لجميع زوجاتهم ثم التصرف وفقًا لمتطلبات هذه المشاعر.
العدل بين الزوجات في الإسلام
إن العدل بين الزوجات في جميع الأمور حتى العاطفية مستحيل وغير عملي، وليس في حدود قدرة الإنسان، فقد غفر الله تعالى للزوج في ذلك، ونهى عن محاولة أداء ما ليس في وسعه، وبهذا قدر الله تعالى فلا تميل إلى أحدهما كثيرا حتى يترك الأخرى معلقة؛ أي لا تفرط في المودة تجاه إحداهن لدرجة عدم إبراء الذمة من حق الزوجات الأخريات، وهو أمر ضروري للزوج، بدلا من ذلك، يجب الملاحظة في التوازن والإنصاف بقدر ما في وسع الزوج.
من المنصف توفير الضروريات الأساسية للزوجة، مثل بدل المعيشة، والملبس، والمسكن، والمبيت، وما إلى ذلك، وهي أمور إلزامية على الزوج، على العكس من ذلك، لا يمكن أن يكون منصفًا وينصف كل زوجاته في أمور الحب والميل القلبي.
إذا توقف الزوج عن إعطاء حق الزوجة الواجبة عليه، فإنها تحس أنها منبوذة وليس لها زوج تستمد منه الراحة، الزوجة التي لديها زوج لرعاية حقوقها، إذا فعلت كل ما هو صواب، أي أن يكون حكيماً ويضبط الزوج نفسه وإجبار نفسه على إبراء الذمة من حق زوجته وكذا الأمور الأخرى العالقة بينه وبينها لحل الخلافات بينهم، وهذا يشير إلى أنه يجب بذل كل جهد ممكن واتخاذ كل خطوة لتحقيق السلام، اتقاء الله تعالى أي: أن يخاف الرجال من الله تعالى في طاعته وتطبيق وصاياه، والامتناع عن نواهي، والتحقق من الثبات في الأقوال والأفعال.
القرآن الكريم الذي أُنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو دين العدل، قد نهى الله تعالى عن الظلم على عباده، وحذر الظالمين من عذاب الدنيا والآخرة.
الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عن الله عز وجل: “يا عبادي إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُهُ بينَكم محرَّمًا فلا تَظالموا يا عبادي إنَّكم تخطئونَ باللَّيلِ والنَّهارِ وأنا أغفرُ الذُّنوبَ جميعًا ولا أبالي فاستغفروني أغفرْ لَكم يا عبادي كلُّكم ضالٌّ إلَّا من هديتُهُ فاستَهدوني أَهدِكم”، صحيح مسلم، وقد أمر الله بالعدل والإنصاف بين الزوجات، والحذر من ظلم إحداهما على حساب الأخرى.
المساواة بين الزوجات في الحقوق
قال الله تعالى: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا”، النساء،3، من أراد أن يتزوج من زوجتين أو ثلاث أو أربع فله أن يفعل ذلك، ولكن ليس أكثر من ذلك؛ لأن سياق الآية يذكر الناس بنعم الله تعالى، فلا يجوز أن يزيد على عدد ذلك، وقد حدد الله تعالى بإجماع العلماء، وذلك لأن رغبة الرجل قد لا تشبعها زوجة واحدة، فيجوز له أن يزيد، حتى أربعة، ومع ذلك لا يجوز له ذلك إلا إذا كان واثقًا من أنه لن يكون منصفًا وغير ظالمًا، وأنه سيتمكن من منحهم حقوقهم.
وإن خاف الزوج أن لا يكون على شيء من العدل بين الزوجات، فعليه أن يقتصر على زوجة واحدة؛ لأنه لا يلزمه أن يقسم وقته بالتساوي بينهن، إذا رأت الزوجة أن زوجها يفضّل شريكتها على نفقتها، أو ظلمها في حقها، فعليها الإسراع في نصح زوجها بما هو أفضل، وتذكيره بما عند الله تعالى، أمر بالعدالة، وما حرم الله تعالى من الظلم، كما ينبغي لها أن تسرع في نصح شريكة حياتها بعدم قبول هذا الظلم، وعدم أخذ ما ليس في حقها، ولعله يهديه الله تعالى إلى العدل، وإعطاء كل واحد حقه.
يتمثل أحد جوانب العدالة بين الزوجات في أن يقوم الزوج بالقرعة إذا كان يريد السفر مع زوجة واحدة دون الأخرى، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بزوجاته، إذا عاد من رحلته فلا يحسب مدة رحلته للزوجة التي سافرت معه نتيجة القرعة، إذا رجع من سفره، فعليه أن يقسم وقته بينهم، ولا يحسب أيام من سافر معها.
إذا لم تستطيع إحدى الزوجات السفر مع زوجها فلا جدوى من إشراكها في القرعة عندما لا تستطيع السفر معه في هذه الحالة، يجب سحب القرعة بين أولئك الزوجات اللاتي تسمح ظروفهن بالسفر مع الزوج، لكن هذا مبني على افتراض أن هذه هي الحقيقة وليست مجرد وهم أو على أساس سوء معاملتها، كأن تكون مريضة أو لديها أطفال ولا تستطيع تركهم دون من يعتني بهم، أو ممنوعة السفر، وغير ذلك من الأسباب، وليس لأنه يريد أن تسافر الزوجة الأخرى معه وليس الأولى، وإلا فهو ظالم.
وعليه في هذه الحالة أن يحاول إرضاء كلتا الزوجتين، حتى لو كان ذلك معناه تعويض من لا يسافر بقضاء وقت إضافي معها عند عودته من رحلته، هذا يختلف باختلاف حالة المرأة، ولا تسري تفعيل القرعة إلا إذا تماثلت حالتهن ، لئلا يخرج أحدهما معه بغير سبب يدفعه إلى أخذها دون الآخر.
يجب أن يقسم الزوج وقته بين زوجاته بالعدل، وتأمين المسكن لهن: أي أن كل واحدة من الزوجات مسكن خاص يجامعها فيه، ويجب ألا يخلط بين بيوتهن، ومن حق الزوجة تأمين لها النفقة والكسوة وهي أن ينفق الزوج على زوجاته القدر المطلوب من المال، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يجب الزوج أن يضبط بالعدل بين نسائه في النفقة والقسمة.
إن العدل في الحب والميل القلبي الذي لا يمكن للإنسان التحكم فيه، وهو ليس باهظ الثمن من الناحية الدينية، بل لا يجب أن يتعدى الحس الداخلي وتجاوز السلوك الخارجي، حيث يؤثر على معنى العدل بين الزوجات الذي يجب أن يكون في البيت والنفقة.