ما هما المقارنتان اللتان استخدمتهما ماريا منتسوري لوصف العقل الممتص

اقرأ في هذا المقال


تؤمن طريقة الدكتورة ماريا منتسوري التعليمية بأن التدريس وتعلم الطفل يبدأ منذ الولادة، وتصف منتسوري هذه الفترة من الولادة إلى ست سنوات بأنها ما يُعرف بمفهوم العقل الممتص، وقد استخدمت الدكتورة ماريا منتسوري مقارنتان لوصف هذا المرهون هما: العقل الممتص الواعي والعقل الممتص اللاواعي.

ما هما المقارنتان اللتان استخدمتهما ماريا منتسوري لوصف العقل الممتص

المستوى الأول من التطور في حياة الطفل مقسم إلى مقارنتان فرعيتين، العقل الممتص اللاواعي من الولادة إلى ثلاث سنوات والعقل الواعي الممتص من 3 إلى 6 سنوات، ويُشكل هذا المستوى الأول من التطور الأساس للتطور الفكري والنفسي للطفل وهو أهم مستوى تنموي في نظرية منتسوري.

وعندما يولد طفل بشري فإنه يولد بلا معرفة ومع نموه يجب أن يكتسب المعرفة من العالم من حوله من خلال خلق انطباعات تساعده على الوصول إلى إمكاناته، ويوضح نظام منتسوري عام 1988 أن هذه الانطباعات عن البيئة ستساعد الطفل على الانتقال من اللاوعي إلى الوعي، كما إنه يتعلم كل شيء دون أن يعرف إنه يتعلمه، وبذلك ينتقل شيئًا فشيئًا من اللاوعي إلى الواعي، ويتاجر دائمًا في دروب الفرح والحب.

وفي فترة 0 إلى 3 سنوات، يمتص العقل الماص اللاواعي ببساطة العالم من حول الطفل، وإنه وقت يكون فيه الدماغ أكثر تفاعلًا من كونه هادفًا، وطوال هذه الفترة يمتلك الطفل نوعًا من العقل لا يستطيع الكبار الاقتراب منه، أي لا يمكن ممارسة أي تأثير مباشر عليه.

وهذا واضح في ملاحظة الطفل الرضيع، حيث يجب أن يتعلم الطفل كل شيء، فلديه ردود أفعاله فقط عند ولادته، على عكس الأنواع الأخرى، وفي الوقت المناسب سوف يتعلم التدحرج والزحف والمشي، وستتطور أنماط حديثه وسيتحدث، وتُعرف هذه المرحلة الفرعية باسم وقت الإنشاء، فالطفل باستخدام حواسه، يبني انطباعاته عن العالم، ويتعلم الطفل الكلام، والتحكم في يديه وإتقان وظائفه الجسدية، وبالتالي تحرير نفسه من الكبار وتحقيق الحرية.

وفي فترة 3 إلى 6 سنوات، يظل العقل الواعي كما هو ولكن يمكن أن يبدأ في التأثر بالآخرين، كما إنه الوقت الذي يبدأ فيه تطور الدماغ في ترتيب وتصنيف التجارب وفك رموز العديد من الأحاسيس التي تدخل الدماغ، وخلال هذه الفترة، يبدأ الطفل في التصرف بشكل أكثر وعياً تجاه العالم من حوله ويبدأ في التلاعب ببيئته من أجل فهمها، وباستخدام الانطباعات من المرحلة الفرعية السابقة، فإن مهمة الطفل الأساسية هي السعي وراء التحرر من الكبار، وشعاره في هذا الوقت هو “دعني أفعل ذلك بنفسي”.

مقارنة بين منتسوري وبياجيه وفيجوتسكي حول مفهوم العقل الممتص

يتشارك منظرو التعليم الآخرون في مفهوم العقل الممتص، حيث يحدد (McDevitt & Omerod) بوضوح النظريات التربوية لبياجيه وفيجوتسكي، وأوجه الشبه والاختلاف بينهما، ومن الواضح أن العديد من مُثُلهم يمكن مقارنتها أيضًا بنظرية منتسوري حيث يعتقد جميع المنظرين الثلاثة أن التفاعل الاجتماعي كان جزءًا مفيدًا للتعلم وأن التفاعل الاجتماعي مع الأقران الأكبر سنًا والبالغين كان أساسيًا لمرحلة التعلم.

والفرق في هذا هو أن منتسوري يعتقد أن الأطفال سيتعلمون بشكل أفضل من الأطفال، بينما يعتقد بياجيه وفيجوتسكي الأطفال سيتعلمون بشكل أفضل من الكبار من حولهم.

وكانت النظرية الأخرى المشتركة بينهم هي الاستعداد للتعلم، حيث تناول كل منهم هذا الاستعداد بطريقة مختلفة، وتشير ماريا منتسوري إلى هذا الجاهزية على أنها فترات حساسة، وفيجوتسكي باعتبارها منطقة التنمية القريبة وبياجيه باعتبارها مراحل التطور المعرفي.

وعلى الرغم من تسميتها بشكل مختلف، إلا أنها تشير إلى نفس الشيء ويجب أن يكون الطفل قادرًا على استخدام المعرفة السابقة لتدعيم المعرفة الجديدة ضدها، وخلال هذا الانتقال من المعرفة القديمة إلى المعرفة الجديدة، يمكن توجيه الطفل أو مساعدته في المهام، وهنا تكمن نظرية منتسوري الأساسية في تقديم العمل للطفل في المرحلة المناسبة.

وباستخدام طريقة التوجيه هذه، تم تصميم فصل دراسي في منتسوري لتلبية الاحتياجات المتغيرة الجسدية والعاطفية والاجتماعية والفكرية للأطفال في كل مستوى من مستويات النمو، ويمكن ربط هذا الربط بين العمر والتطور بالمناهج الدراسية والفترات الحساسة والتفاعل الاجتماعي مع الطالب والمعلم بمنطقة التنمية القريبة في فيجوتسكي، وتم تصميم الأنشطة لتحفيز وتحفيز الطفل، ويبدأ التفاعل مع الطالب والمعلم عندما يهتم الطفل بنشاط لم يتم تقديمه إليه بعد.

ويعتقد العالم ليلارد وجيسن عام 2003 أن دورنا كبالغين هو مساعدة أطفالنا في المهمة الهائلة المتمثلة في إنهاء تشكيلاتهم الخاصة كبشر، ومن أجل القيام بذلك يجب على الشخص البالغ أولاً فهم الميول البشرية للطفل وخلق بيئة تعكس هذه الاتجاهات كالاستكشاف والتوجيه والنظام، والفكر المجرد والخيال والتلاعب، والدقة والتكرار، والسيطرة على الخطأ والكمال والتواصل.

تأثر العقل الممتص بإعداد البيئة في طريقة منتسوري

يجب أن يكون هناك أيضًا معرفة جيدة بالفترات الحساسة وإدراك أن العقل الممتص لا يمكن أن يتأثر إلا بشكل غير مباشر، من خلال إعداد البيئة، والبالغ المُجهز والحرية مع المسؤولية، علاوة على ذلك فإن البيئة نفسها هي شيء خاص، على الرغم من إنه يتم توفيره من قبل البالغين، إلا إنه في الواقع استجابة نشطة وحيوية للأنماط الجديدة التي تتجلى في حياة الطفل المتنامي.

وتعتمد البيئة الخاصة في مجتمع الأطفال الصغار على أنشطة المنزل: كالطهي والتنظيف والغسيل وترتيب الزهور، وهناك ألغاز وأشياء تساعد الأطفال في تنمية حواسهم والتحكم اليدوي والتوازن والتنسيق، والأهم من ذلك كله أن التواجد معًا في هذه البيئة المُعَدّة خصيصًا يساعد الأطفال على تنمية وعيهم بحقوقهم وحدودهم.

وكذلك حقوق الآخرين، وتم تصميم بيئة دار الأطفال لتكون جسراً للعالم الخارجي، ويسمح بالاستكشاف في أربعة مجالات، الحياة العملية والحسية واللغة والرياضيات.

وفي حالة الحياة العملية والأنشطة الحسية، من المهم فهم طبيعة العقل الممتص لأن دور المعلم ليس التحدث، بل إعداد وترتيب سلسلة من الدوافع للنشاط الثقافي في بيئة خاصة مُعَدّة من أجل الطفل.

ومن أجل مساعدة الطفل على الوصول إلى إمكاناته كإنسان، فإن فهمنا للعقل الممتص أمر حتمي، بصفتنا بالغين، ويتمثل دورنا في تسهيل التعلم وليس التحدث، وترتيب بيئة يكون فيها الطفل حراً في الاستكشاف والتخيل والكمال ورسم انطباعاته الخاصة عن عالم يتنقل فيه طوال حياته.

وفي الخاتمة نستنتج أن المقارنتان اللتان استخدمتهما ماريا منتسوري لوصف العقل الممتص هما العقل الممتص الواعي من فترة 3 إلى 6 سنوات والعقل اللاواعي من فترة 0 إلى 3 سنوات، وتشكلان هاتان المقارنتان التطور المعرفي والفكري والنفسي لنمو الطفل بشكل كامل، بحيث يتم رسم كافة انطباعاته وإمكاناته كإنسان حرّ في الانتقال بين اختياراته طوال فترة حياته.


شارك المقالة: