يقع مبدأ التعلم المكيف في صميم تعليم والدورف، وهذه النظرة العامة لكل منها طابع مثالي وعام، فالمحتويات والطرق الموصوفة في المناهج الدراسية يجب أن تتكيف مع قدرات وإمكانات كل طفل على حدة وكل فئة، والمقاصد العامة للمناهج والاحتياجات الفردية ومواهب التلاميذ تشكل إطارًا معقدًا لتعليم والدورف، وتتطلب موازنة هذه القضايا إعادة تقييم مستمرة من جانب المدرسة والمعلم.
نظرة عامة على الأفكار والممارسات في تعليم والدورف
فالتعليم هو جهد تعاوني، ينطوي على التلاميذ والمعلمين وأولياء الأمور وقيادة المدرسة، علاوة على ذلك يرتبطون بالمجتمع باعتباره كل، لذلك يجب على كل مدرسة التأكد من أن مناهجها وطرق تدريسها تستجيب وتعزز الظروف الثقافية والجغرافية المحلية، وتوجد المدارس المعاصرة في مجتمع يتميز بثقافة كبيرة وتكنولوجية واقتصادية والتغيرات البيئية، وتلتحق الأجيال القادمة بمدارس اليوم ومهمة التعليم هي لتوفير تنمية مسؤولة ومستدامة في السنوات القادمة.
ولا ينبغي على التلاميذ مجرد أن تكون متعلمة من أجل المجتمع كما هي الآن، بل يجب تزويدهم بالقدرة على مواجهة مجتمع المستقبل بطريقة واعية ومستقلة ومبتكرة، وتطور شامل من حيث القدرات والمهارات، بالإضافة إلى الأساس الأخلاقي الراسخ، فهو أمر ضروري لتلبية تحديات المستقبل.
ويؤكد تعليم والدورف على فردية الطفل كمصدر للتجديد والإبداع، وترتبط الفردية الفريدة لكل طفل بالقدرة على اتخاذ الإجراءات بشكل أخلاقي وشخصي ومتطور، والهدف من التعليم هو خلق الظروف المثلى لهذا الجزء الأساسي من الكائن بشري؛ ويمكن للمرء أن يقول ما هو مقدس في الإنسان، ليأتي بمفرده إلى التحدي للتعليم وهو تقديم التوجيه والإلهام حتى تفرد الطفل.
وسيكون للتفرد الشخصي أكبر فرصة للازدهار، بالإضافة إلى احترام الفرد، فإن تعليم والدورف متجذر في فكرة أن المدرسة كلها يجب أن تكون الأنشطة مرتبطة بوعي بالمجتمع المحيط، وتنوع الثقافات والبيئة الطبيعية، ولا يرى نهج والدورف أي تناقض في النية المزدوجة لتكريم الفرد مع إعداد الطفل للظروف في نفس الوقت والتوقعات التي سيلتقي بها في العالم الأوسع، فالتنشئة الاجتماعية واكتساب المجتمع المهارات والمعرفة المطلوبة هي عناصر ضرورية في التعليم نحو الحرية.
على وجه التحديد في الزمالة وفي المواقف الثقافية والاجتماعية الأصيلة التي يستطيع كل شخص القيام بها لإيجاد مكان وإمكانية العيش في تناغم مع قدراته ومواقفه وقناعاته، ويمكن ذكر بعض الأفكار والممارسات في تعليم والدورف كما يلي:
الأساس الروحي لتعليم والدورف
تم تطوير تعليم والدورف من قبل رودولف شتاينر ونشأ في بلده الأفكار الفلسفية والأنثروبولوجية، وتتعلق الأنثروبولوجيا بالإنسان والمجتمع والطبيعة بطريقة روحية ومادية، وهذا يعني أن الجوانب المادية والملموسة ترتبط بالوجود وبمكوناتها الروحية غير المحسوسة، وفي الأنثروبولوجيا فإن تم وصف الإنسان بأنه مكون من الجسد والروح والطبيعة الروحية، ويتم تفسير الجنس البشري على أنه موجود فيما وراء الحياة والموت.
وهكذا تظهر صورة الجنس البشري والاعتراف في جميع الأشخاص، بما يتجاوز السمات التي يمكن ملاحظتها والمميزات، وتلهم هذه الفكرة الشاملة تعليم والدورف تجاه القيم الإنسانية والبيئية والأخلاق الموجهة ذات الهدف المزدوج: الأول هو المساهمة في تطوير حياة قابلة للحياة من خلال الاستراتيجيات داخل المباني الموضعية والمجتمعية والثقافية.
والثاني هو التعليم الذي يسعى إليه كل طفل على حدة بتحية إجلال واحترام، ويتم التعبير عن هذا الاحترام في كيفية تعلق علم أصول التدريس والدورف بالطبيعة والثقافة والتاريخ والمجتمع، فالأنثروبولوجيا أو العناصر من وجهة نظر روحية للعالم ليست موجودة في التدريس ولكنها تشكل خلفية عن القيم والمواقف وطرق التدريس.
فكرتان تأسيسيتان تتعليم والدورف
تأسس تعليم والدورف إلى حد كبير على مبنيين أساسيين، الأول أهمية التفكير، والشعور والرغبة في التداخل في تعاون مثمر، بمعنى آخر يمكن القول أن أساس التعلم والتطوير يكمن في فعل الإرادة المتعلق بالتجربة العاطفية، والذي يرتبط لاحقًا بالتعلم الفكري، فالطريقة التي يشارك بها التدريس الإرادة والعواطف تشكل أساسًا للتطور اللاحق للحكم المستقل واكتساب المعرفة النظرية، وفكرة الروابط ذات الصلة تربوياً بين التفكير والشعور والإرادة قد عرف منذ أيام أفلاطون.
وتتضمن الفرضية المركزية الثانية في تعليم والدورف بنية بشرية رباعية، فرودولف شتاينر وصف الجوانب الأربعة للجسد المادي والجسم الحيوي والجسم الاجتماعي والأنا، حيث يتكون الجسم المادي من نفس المواد الموجودة ماديًا في العالم، وفي هذا يرتبط الجنس البشري بالمعادن، والجسد الحيوي هو مصطلح يدل على مبدأ الحياة في البشرية وتكشف عن نفسها من خلال النمو والشكل، وهي صفة تشترك فيها البشرية بالنباتات.
ويشير الجسم الاجتماعي إلى القدرة على التواصل، بما في ذلك التواصل من خلال الإدراك والحركة، ويمكن فهمه بشكل علائقي على أنه نزعة نحو الحساسية ورد فعل عندما يواجه الإنسان بيئته، فالبشر لديهم هذا مشترك مع الحيوانات، وأخيرًا، ترتبط الأنا بالفكر والمهارات اللغوية والوعي الذاتي، حيث كان رودولف شتاينر يدرك في الأنا الجانب الروحي للإنسانية، ويتم تفسير هؤلاء الأجزاء الأربعة على أنها عناصر ديناميكية داخل كل حي وتكون موجودة باستمرار في التنمية.
وهكذا تنشأ نظرة للبشرية تقر بأنه بالإضافة إلى الجسد المادي، الحياة والإدراك والحركة وكذلك اللغة والفكر والتأمل الذاتي كلها جزء من كامل لوصف الطبيعة البشرية، وكل جانب من هذه الجوانب الأربعة يتطلب إشرافه التربوي الخاص، ويؤكد تعليم والدورف على الطرق المختلفة للتعليم والتعلم في رعاية ما هو جسدي وما هو حي وما هو علائقي.
ووفقًا لمثال والدورف للتعليم تجاه الحرية، فإن أعلى مستوى – مسار الفرد الواعي إلى المعرفة والتنمية – ليس كذلك تعتبر ضمن مجال مدرسة والدورف، فالمدرسة فقط تسعى جاهدة لتقديم أفضل أساس للأطفال والشباب للتوجيه الذاتي الأخلاقي والسياسي والديني والبصيرة، ومثل هذا الفهم للتعليم.
حيث يسير التعلم جنبًا إلى جنب مع تطور ونضج الطفل، له جذور في أفكار أرسطو وكانط، ويرتبط بعدة مناهج في علم النفس التنموي، وبالتالي يرتبط بأفكار مهمة في تاريخ التعليم، ودمجها في مبدأ التعليم من أجل الحرية فريد من نوعه في نهج شتاينر.
التربية من أجل الحرية
يعتبر المثل الأعلى للتعليم نحو الحرية أمرًا أساسيًا في تعليم والدورف، وهنا الحرية لا تُفهم من منظور أكبر قدر ممكن من التحرر أو تحقيق الذات، بل بالأحرى قدرة التلاميذ على تنمية مهاراتهم ومواهبهم بطريقة تجعلهم نشيطين وخيارات مسؤولة لأنفسهم ولعالمهم، ويرتبط مفهوم الحرية في تعليم والدورف بالتطور المتناغم للتفكير، فالشعور والرغبة من جانب والصحة الجسدية والعادات الجيدة ونضج العلاقات الأخرى، ومن ثم، يُعترف بالحرية باعتبارها صلة بكل من نشاط الطفل.
ووعي التعلم وطبيعته الجسدية والدستورية، والمثل الأعلى للتعليم من أجل الحرية يمكن أن ينظر إليها على أنها تداخل شامل بين اثنين من أساسيات والدورف التربوية، ومن خلال رفع أهمية كل من الوعي والتكوين فيما يتعلق بتعلم الطفل ونموه، يسعى تعليم والدورف إلى تحمل استقلالية التلاميذ والمسئولية، فالحرية في هذا الصدد تعني القدرة على الارتباط بمسؤولية وابتكار التحديات الأخلاقية.
وفي مدرسة والدورف، يعتبر الأطفال والشباب كاملين ومؤهلين كالأفراد في حد ذاتها، فالطفولة لا تعتبر بأي حال من الأحوال أدنى من سن الرشد وتحملها قيمته الذاتية، وفي الوقت نفسه الأطفال والشباب معرضون للخطر، وهم يحتاجون توجيه وحماية الكبار من أجل الازدهار وتوسيع قدراتهم في التعلم والتطوير.
وفي الختام تم تقديم الأفكار والممارسات التربوية الأساسية داخل منهج والدورف وذلك بعرض العناصر الأساسية لممارسته التعليمية، وتحديد القيم والأسس الثقافية والمعرفية لمدرسة والدورف كذلك المبادئ التنموية للمنهج فيما يتعلق بالتعليم والتعلم، ويشمل حساب مخرجات التعلم المتوقعة، والسماح لمبادئ التعلم المتكيف بشكل فردي وأنشطة المناهج المحلية.