تعد نظرية جان بياجيه من النظريات التي تتميّز بشمولها وتختص بذكاء البشر وتطوره، حيث كان يضن أنّ في مرحلة الطفولة يكون للفرد دور فاعل في التنمية، فتتعامل النظرية مع طبيعة المعرفة بحد ذاتها وكيف يتقدم البشر بصورة تدريجية لاكتسابها وبنائها من جميع أطرافها، من وجهة نظر جان بياجيه فإنّ التطور المعرفي ما هو إلا إعادة تنظيم تصاعدي للعمليات العقلية التي تنتج عن النضج الحيوي والخبرات البيئية، تقترح نظرية التطور المعرفي لجان بياجيه أنّ الأطفال يتحركون خلال أربع مراحل مختلفة من النمو العقلي في بداية حياتهم.
كيف طور بياجيه نظرية التطور المعرفي:
ولد بياجيه في آخر القرن التاسع عشر؛ فكان من الطلاب المبكري النضوج، قام بعرض الورقة العلمية الأولى عندما وصل عمره لإحدى عشر عام، فقد تعرّض بشكل مبكر للتطور الفكري عند الأطفال عندما عمل كأحد مساعدين ألفريد بينيت وثيودور سيمون أثناء عملهما على توحيد اختبار الذكاء الشهير، كان الكثير من اهتمام بياجيه بالتطور المعرفي للأطفال مستوحى من ملاحظاته عن ابن أخيه وابنته، عززت هذه الملاحظات فرضيته الناشئة القائلة بأنّ عقول الأطفال لم تكن مجرد نسخ أصغر من عقول البالغين.
حتى هذه النقطة من التاريخ كان يُعامل الأطفال بشكل كبير على أنّهم نسخ مصغرة عن البالغين، يعتبر بياجيه أول من حدّد الطريقة التي يفكر بها الأطفال تختلف عن طريقة تفكير الكبار، بدلاً من ذلك اقترح أن الذكاء هو شيء ينمو ويتطور عبر سلسلة من المراحل، كما اقترح أنّ الأطفال الأكبر في السن لا يفكرون بسرعة أكبر من الأطفال الأصغر؛ بدلاً من ذلك يوجد اختلافات نوعية وكمية بين تفكير الأطفال الصغار مقابل الأطفال الأكبر في السن.
وفق ملاحظات بياجيه لخّص أنّ الأطفال ليسوا أقل ذكاءً من البالغين، فهم يقومون بالتفكير بشكل مختلف؛ وصف ألبرت أينشتاين اكتشاف بياجيه بأنه بسيط جداً ولم يكن يفكر فيه سوى عبقري، تصف نظرية مرحلة بياجيه التطور المعرفي للأطفال، يتضمن التطور المعرفي تغييرات في العملية والقدرات المعرفية؛ من وجهة نظر بياجيه يتضمن التطور المعرفي المبكر عمليات قائمة على الإجراءات ويتقدم لاحقًا للتغيرات في العمليات العقلية.
مراحل بياجيه للتطور المعرفي:
- المرحلة الحسية الحركية؛ من الولادة حتى عمر سنتين
- مرحلة ما قبل الجراحة؛ من سن الثانية إلى سن السبع سنوات
- مرحلة تشغيل الخرسانة؛ من السابعة إلى الحادية عشرة سنة
- مرحلة التشغيل الرسمية؛ من سن الثانية عشرة سنة وما فوق
المرحلة الحسية الحركية:
تبدأ هذه المرحلة من الميلاد وصولاً لعمر سنتين، أمّا الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية، فيعرف الرضيع العالم من خلال حركاته وأحاسيسه ويتعلم الأطفال عن العالم من خلال الإجراءات الأساسية التي يقوم بها؛ كالمص والإمساك والنظر والاستماع، يتعلم الأطفال أنّ الأشياء تستمر في الوجود على الرغم من أنّه لا يمكن رؤيتها، فهم كائنات منفصلة عن الناس والأشياء من حولهم ويدركون أن أفعالهم يمكن أن تتسبب في حدوث أشياء في العالم من حولهم.
خلال هذه المرحلة المبكرة من التطور المعرفي يكتسب الرضع والأطفال الصغار المعرفة من خلال التجارب الحسية والتلاعب بالأشياء، تحدث تجربة الطفل بأكملها في الفترة الأولى من هذه المرحلة من خلال ردود الفعل الأساسية والحواس والاستجابات الحركية، كما يمر الأطفال بفترة من النمو والتعلم الدرامي، بينما يتفاعل الأطفال مع بيئتهم فهم يقومون باستمرار باكتشافات جديدة حول كيفية عمل العالم.
يحدث التطور المعرفي الذي يحدث خلال هذه الفترة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً كما ينطوي على قدر كبير من النمو، فلا يتعلم الأطفال فقط كيفية أداء الأعمال الجسدية مثل الزحف والمشي؛ يتعلمون كذلك قدر عن اللغة من الأشخاص الذين يتفاعلون معهم، قام بياجيه كذلك بتقسيم هذه المرحلة إلى عدد من المحطات الفرعية المختلفة، يظهر الفكر التمثيلي المبكر خلال الجزء الأخير من المرحلة الحسية.
مرحلة ما قبل العملية:
تبدأ هذه المرحلة من عمر سنتين إلى عمر سبع سنوات، أمّا الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية فتتضمن؛ أنّ الأطفال يفكّرون بشكل رمزي ويتعلمون استخدام الكلمات والصور لتمثيل الأشياء، كما يميل الأطفال في هذه المرحلة إلى التمركز حول الذات ويكافحون لرؤية الأشياء من منظور الآخرين، بينما يتحسنون في اللغة والتفكير لا يزالون يميلون إلى التفكير في الأشياء بشكل ملموس للغاية، فقد تم وضع أسس تطور اللغة خلال المرحلة السابقة، لكنّ ظهور اللغة هو أحد السمات المميزة لمرحلة ما قبل الجراحة من التطور.
يصبح الأطفال أكثر مهارة في التظاهر باللعب خلال هذه المرحلة من التطور، مع ذلك يستمرون في التفكير بشكل ملموس حول العالم من حولهم، في هذه المرحلة يتعلم الأطفال من خلال التظاهر باللعب ولكنهم ما زالوا يعانون من المنطق وأخذ وجهة نظر الآخرين. غالبًا ما يعانون أيضًا من فهم فكرة الثبات؛ على سبيل المثال قد يأخذ الباحث قطعة من الطين ويقسمها إلى قطعتين متساويتين، ثم يعطي الطفل الاختيار بين قطعتين من الطين ليلعب بهما.
يتم لف قطعة من الصلصال في كرة مضغوطة بينما يتم تحطيم الأخرى في شكل فطيرة مسطحة، نظراً لأنّ الشكل المسطح يبدو أكبر، فمن المحتمل أن يختار الطفل قبل الجراحة تلك القطعة على الرغم من أنّ القطعتين لهما نفس الحجم تماماً.
مرحلة ما قبل الجراحة:
تبدأ هذه المرحلة من عمر السبع سنوات وحتى عمر الحادية عشرة سنة، أمّا الخصائص الرئيسية والتغيرات التنموية في هذه المرحلة فتتمثل كالتالي:
- خلال هذه المرحلة يبدأ الأطفال بالتفكير المنطقي في الأحداث الملموسة؛ كما يبدؤون في فهم مفهوم الحفظ؛ إنّ كمية السائل في كوب قصير وعريض يساوي تلك الموجودة في كوب طويل نحيف، على سبيل المثال يصبح تفكيرهم أكثر منطقية وتنظيم، لكنّه لا يزال ملموسًا للغاية.
- يقوم الأطفال في استعمال المنطق الاستقرائي أو التفكير من معلومات محددة إلى مبدأ عام، في حين أنّ الأطفال لا يزالون ملموسين وحرفيين في تفكيرهم في هذه المرحلة من التطور، فإنهم يصبحون أكثر مهارة في استخدام المنطق، كما تبدأ النزعة الأنانية في المرحلة السابقة بالاختفاء عندما يصبح الأطفال أفضل في التفكير في كيفية رؤية الآخرين للموقف، بينما يصبح التفكير أكثر منطقية خلال الحالة التشغيلية الملموسة، يمكن أن يكون جامد للغاية.
- يميل الأطفال في هذه المرحلة من التطور إلى النضال مع المفاهيم المجردة والافتراضية، خلال هذه المرحلة يصبح الأطفال كذلك أقل تمركز حول الذات ويبدأون في التفكير في كيفية تفكير الآخرين وشعورهم، كما يبدأ الأطفال في مرحلة التشغيل الملموسة في فهم أنّ أفكارهم فريدة بالنسبة لهم، أيضاً أنّه لا يشارك الجميع بالضرورة أفكارهم ومشاعرهم وآرائهم.
المرحلة التشغيلية الملموسة:
تبدأ هذه المرحلة من 12 سنة وما فوق؛ أمّا الخصاص الأساسية والتغيؤات التنموية التي تمتاز بها هذه المرحلة؛ يبدأ المراهق أو الشاب في التفكير بشكل تجريدي والعقل حول المشكلات الافتراضية، كما يظهر الفكر المجرد يبدأ المراهقون في التفكير أكثر في القضايا الأخلاقية والفلسفية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي تتطلب التفكير النظري والتجريدي، كما يقومون باستخدام المنطق الاستنتاجي أو التفكير من مبدأ عام إلى معلومات محددة.
تشمل هذه المرحلة من نظرية بياجيه تزايد واضح في المنطق، أيضاً يستخدم الشخص التفكير الاستنتاجي وتفسير العديد من الأفكار المجردة، في هذه المرحلة يصبح البشر قادرين على رؤية حلول متعددة للمشكلات والتفكير بشكل أكثر علمية في العالم من حولهم، أيضاً القدرة على التفكير في الأفكار والمواقف المجردة هي السمة المميزة الرئيسية للمرحلة التشغيلية الرسمية للتطور المعرفي، كذلك القدرة على التخطيط المنتظم للمستقبل والعقل حول المواقف الافتراضية هي كذلك قدرات حاسمة تظهر خلال هذه المرحلة.
تجدر الإشارة إلى أنّ بياجيه لم ينظر إلى التطور الفكري للأطفال كعملية كمية؛ هذا يعني أنّ الأطفال لا يضيفون فقط المزيد من المعلومات والمعرفة إلى معرفتهم الحالية مع تقدمهم في السن، بدلاً من ذلك اقترح بياجيه أن هناك تغيير نوعي في طريقة تفكير الأطفال أثناء معالجتهم بشكل تدريجي خلال هذه المراحل الأربع، لا يملك الطفل في سن السابعة معلومات عن العالم أكثر ممّا كان لديه في سن الثانية؛ يوجد تغيير جوهري في طريقة تفكيره في العالم.
لفهم بعض الأشياء التي تحدث أثناء التطور المعرفي بشكل أفضل، من المهم أولاً أن نفحص العديد من الأفكار والمفاهيم المهمّة التي يتم تقديمها؛ على سبيل المثال يجب التعرف على معنى المخططات التي تؤثر على الأطفال ونموهم؛ يصف المخطط جميع الإجراءات العقلية والجسدية التي ينطوي عليها الفهم والمعرفة؛ فالمخططات فئات المعرفة التي تساعدنا على تفسير وفهم العالم،
حسب وجهة نظر بياجيه يقول بأنذ المخطط يتضمن كلاً من فئة المعرفة وعملية الحصول على تلك المعرفة، فعند حدوث التجارب يتم استخدام هذه المعلومات الجديدة من أجل تعديل المخططات الموجودة في السابق أو الإضافة إليها أو تغييره وتحويلها.