السافانا- الحشائش المدارية

اقرأ في هذا المقال


ما هي السافانا- الحشائش المدارية؟

تعتبر السافانا المظهر النباتي الرئيسي داخل الأقاليم المدارية الحارة، التي تهطل جميع أمطارها تقريباً في فترة يكون طولها ما بين 4 و6 أشهر في نصف العام الصيفي، ولكنها لا تكون كافية لنمو الغابات، وهي تتمثل بشكل خاص في قارة أفريقيا، حيث يتكون منها نطاقان كبيران يضمان أغلب الأجزاء الداخلية للقارة، ويكون امتداد أحدهما إلى الشمال من الغابات المدارية، بينما يكون امتداد الثاني إلى الجهة الجنوبية منها، ويكون اتصال النطاقان عبر الهضبة الشرقية الاستوائية، التي لا تساعد ظروفها على نمو الغابات الكثيفة؛ ويعود ذلك لقلة أمطارها بالنسبة للأقاليم الاستوائية الأخرى، التي تمتد إلى الغرب منها والتي تتمثل بشكل خاص في حوض الكونغو.
وتظهر السافانا أيضاً داخل أمريكا الجنوبية في منطقتين الأولى منهما أغلب هضبة البرازيل إلى الجنوب مباشرة من نطاق الغابات المدارية المطيرة داخل حوض الأمزون، حيث تعرف السافانا هنا بإسم الكامبوس (Camos)، أمَّا المنطقة الثانية فتوجد إلى الشمال من نطاق الغابات وتضم حوض الأورينوكو وأغلب مرتفعات جيانا، وهذه المنطقة هي التي تعرف بإسم اللانوس (Llanos) وتوجد السافانا فضلاً عن ذلك في أستراليا، حيث تضم نطاقاً يفصل بين إقليم الغابات الموسمية داخل الشمال والأقاليم الصحراوية في الوسط، كما أنها تنمو في بعض من جهات هضبة الدكن وجنوب شرق آسيا.
وكما تتكون السافانا بشكل عام من أعشاب كثيفة تنمو بها أشجار قصيرة ومتفرقة، تزداد كلما كنا قريبين من خط الاستواء بحسب تزايد كمية هطول الأمطار وطول الفصل المطير، حيث أن الانتقال بين الغابات المدارية والسافانا يكون في الغالب بشكل تدريج،ي حتى أنه من الصعب أن نجد حد فاصل بينهما، وعلى العكس من ذلك تقل الحشائش وتتناقص الأشجار كلما ابتعدنا عن خط الاستواء، وذلك بحسب تناقص الأمطار وتناقص طول الفصل المطير، حتى نصل إلى مجال شبه صحراوي لا تنمو داخله إلا حشائش قصيرة تكون من نوع الإستبس، ولا تنمو به أشجار تذكر، وأخيراً نصل إلى المجال الصحراوي الجاف الذي تمثله الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا وصحراء كلهاري وناميبيا في جنوبها.
وحشائش السافانا في مجملها من الأنواع الخشنة ذات الأوراق النصلية الطويلة، وهي تبدأ في النمو بسرعة كبيرة بمجرد أن يبدأ الفصل المطير، ومن الممكن أن يصل ارتفاعها خلال هذا الفصل إلى 7 أمتار في بعض الجهات، ولو أنه يتراوح غالباً ما بين مترين وأربعة أمتار، ويكون اختراق المنطقة عندئذ أمراً في غاية الصعوبة، أمَّا في فصل الجفاف فيختلف الحال عن ذلك بشكل تام؛ وذلك لأن الحشائش سرعان ما تذبل وتجف بمجرد أن تنقطع الأمطار، ويتحول سطح الأرض إلى مساحات واسعة قاحلة تغطيها طبقة من الحشائش الجافة ويستمر الحال على ذلك حتى يبدأ موسم المطر من جديد.
والأشجار التي تنمو داخل أقاليم السفانا أغلبها يكون من النوع النفضي، ويوجد الكثير منها يمتاز بأوراقه الشوكية التي تساعده على تحمل الجفاف، كما يوجد أيضاً أشجار قليلة ذات خضرة دائمة تتغطى أوراقها بطبقة جلدية غير مسامية كما تغلف جذوعها بقشور سميكة، والصفة الغالبة على الأشجار هي أنها تكون أشبه بالمظلات وربما كان ذلك بسبب تباعدها وتعرض هذه الأقاليم لحدوث الرياح التجارية التي تهب بقوة في أغلب شهور العام، ممَّا يعاكس نمو الفروع إلى أعلى فضلاً عن أن الشجرة التي تأخذ شكل المظلة، حيث تكون في الغالب أكثر قدرة على مواجهة الرياح القوية من غيرها.
كما تختلف حيوانات السافانا عن حيوانات الغابات المدارية المطيرة من عدة وجوه، فبينما تتكون أغلب الحياة الحيوانية داخل الغابات المطيرة من أنواع تكون قادرة على التسلق وتقضي كل حياتها تقريباً فوق الأشجار وتتغذى على ثمارها، حيث نجد أن حيوانات السافانا أغلبها من الأنواع البرية التي يكون غذائها على الحشائش، ومن أهمها كل من الجاموس والبقر الوحشي (Antelope) والحمار الوحشي (Zebra) والخرتيت (Rhinoceros) والزراف والغزال والفيل، ثم الكانجارو الذي لا يوجد إلا في أستراليا.
وكما يوجد أيضاً بعض الحيوانات المفترسة مثل الأسد والنمر والفهد وهي تتغذى على لحوم غيرها من الحيوانات الأضعف منها، وكما نلاحظ أن أغلب هذه الحيوانات تكون كثيرة التنقل بحثاً عن الماء والغذاء، فالحيوانات التي تتغذى على الحشائش تضطر في كثير من الأحيان للهجرة خلال فصل انقطاع الأمطار إلى نطاق الغابات؛ وذلك بسبب جفاف حشائش السافانا فتنتقل وراءها الحيوانات الأخرى المفترسة.
وتعيش في السفانا أيضاً الكثير من الحشرات والديدان التي تكثر بشكل خاص في الفصل المطير، كما توجد حيوانات قارضة تعيش في مساكن تحفرها لنفسها داخل الأرض ولا تخرج منها إلا أثناء الليل لكي تتفادى الحيوانات المفترسة، وتعيش هنا كذلك بعض الطيور المتوطنة التي لا تعرف الهجرة والانتقال، وهي تتغذى على الحشرات والسحالي، وتعتبر النعامة من أهم هذه الطيور، ولكن نلاحظ بأنها فقدت القدرة على الطيران بعد أن تطورت أجنحتها وأصبحت صغيرة لدرجة أنها لا تتناسب مع حجم جسمها، ولكنها تتميز في الوقت نفسة بسرعة العدو، ويساعدها على ذلك قوة سيقانها.
ولا يوجد من شك في أن حرفة الرعي هي أكثر الحرف انتشاراً في الوقت الحاضر داخل أقاليم السافانا، حيث يقوم السكان بتربية أعداد كبيرة من الأبقار، ولكنهم لا يتبعون في تربيتها طرق علمية منظمة، ولهذا فإن اللحوم التي تنتج هنا أغلبها من الأنواع السيئة التي ليست لها قيمة كبيرة في التجارة العالمية، إلا أن الدول الاستعمارية بدأت تهتم اهتماماً كبيراً من أجل أن تستغل هذه الأقاليم، سواء بتنظيم حرفة الرعي فيها أو بتحويل بعض أراضيها إلى حقول لإنتاج الغلات المدارية التي يمكن أن تجود فيها مثل الذرة والفول السوداني والقطن وقصب السكر.
وقد استطاعت كل من إنجلترا وفرنسا أن تستغل بالفعل مساحات واسعة من السافانا الأفريقية من أجل إنتاج هذه الغلات ولا تزال توجد رغم ذلك بعض العقبات التي توقف سرعة التوسع في هذا الاستغلال، ومن أهمها قلة الأيدي العاملة وصعوبة المواصلات، وإلى جانب الرعي والزراعة يقوم سكان السافانا أيضاً بصيد الحيوانات المختلفة التي تعيش فيها مثل الفيلة، ثم النمور والقطط المتوحشة وغيرها من الحيوانات التي لجلودها بعض الأهمية التجارية.
وقد ترتب على نشاط عمليات الصيد داخل هذه المناطق وتحويل كثير من أراضيها للزراعة، حيث أخذت أعداد الحيوانات البرية فيها في التناقص، ممَّا حدا ببعض الدول التي تقع في مناطق السافانا والغابات المدارية إلى أن تحدد مناطق خاصة تعيش فيها الحيوانات البرية حياتها الطبيعية ويقيد فيها صيدها، وتوجد بعض هذه المناطق في كل من السودان وكينيا وغيرها من الدول الأفريقية، وهذه هي المناطق التي تعرف بإسم (Game Reserves).

المصدر: يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.


شارك المقالة: