العلاج الوظيفي والتعلم:
التعلم : هو آلية علاجية أساسية تكمن وراء العديد إن لم يكن كل تدخلات العلاج المهني. حيث يقوم المعالجون المهنيون بتعليم المرضى أداء أنشطة الحياة اليومية وتعليم أفراد الأسرة برامج المنزل وتعليم المعالجين الآخرين تقنيات جديدة وتعليم الجمهور في دورات تثقيف المجتمع.
كما تتطلب كل فرصة تدريسية إعدادًا: حيث يجب إعداد البيئة المادية ويجب جمع أي مواد أو دعامات أو معدات مطلوبة والأهم من ذلك، يجب أن يكون المتعلم مستعدًا للجلسة. كما يجب تصميم استراتيجيات التدريس بوعي لتعظيم التعلم باستخدام أساليب مصممة لدعم أنماط التعلم المختلفة (على سبيل المثال، المتعلمون المرئيون أو السمعيون أو القراءة / الكتابة أو الحركية) كما يجب أن تتناول أي منشورات مخاوف محو الأميّة الصحية ويتم تطويرها مع فهم القضايا الثقافية والاجتماعية والمعرفية التي قد تؤثر على جلسة التدريس كما يجب معالجة كل هذه المخاوف من أجل إجراء تعليم فعال.
أخيرًا كمعلمين يجب على المعالجين تحديد ما إذا كان التعلم قد تم. على سبيل المثال، بعد جلسة خلع الملابس لمدة 30 دقيقة يمكن للمريض الذي خضع لجراحة استبدال الركبة بالكامل أن يرتدي سرواله وجواربه وأحذيته، حيث أنّه من منظور التعلم التقليدي، يعكس أداء المريض في نهاية الجلسة المدى التي تعلم فيها المهارة أو الاستراتيجية المطلوبة.
ومع ذلك، ماذا لو أبلغت ممرضة لاحقًا أنّ المريض غير قادر على تنفيذ الأنشطة التي أظهر احترافًا بها في اليوم السابق؟ يمكن للمرء أن يرى بسهولة أنه على الرّغم من أنّ الأداء خلال الجلسة كان مدعومًا بالإشارات والممارسة، إلّا أنّ التعلم الحقيقي لم يحدث.
يتيح لنا تعريف التعلم الحركي التفريق بين التعلم والأداء داخل الجلسة: التعلم الحركي عبارة عن مجموعة من العمليات المرتبطة بالممارسة أو الخبرة التي تؤدي إلى تغييرات دائمة نسبيًا في القدرة على الاستجابة، بناءً على هذا التعريف للتعلم، نتوقع من المريض الذي خضع لاستبدال الركبة أن يُظهر مستويات مماثلة من الكفاءة بعد جلسة العلاج المهني.
حيث يستخدم مصطلح الأداء لوصف ما يتم رؤيته أثناء التدريب، أي القدرات قصيرة المدى الناتجة عن التعليمات أو الإشارات أو المساعدة. لكي يساعد العلاج المهني المرضى على استئناف الأدوار المهنية، يجب على المعالجين فهم عملية تحويل الأداء إلى تعلم واستخدام طرق التدريس التي تساعد المريض على تعلم مهارات جديدة.
نموذج معالجة المعلومات البشرية للتعلم:
يرتبط التعلم ارتباطًا وثيقًا بالذاكرة وتحديدًا ترميز المعلومات واسترجاعها. حيث يمتلك الأشخاص محفزات بيئية لفترة وجيزة جدًا في سلسلة من المخازن الحسية قصيرة المدى قبل نقلها إلى ذاكرة عاملة محدودة السعة. في الذاكرة العاملة، التي تسمّى أحيانًا الذاكرة قصيرة المدى، قد يستخدم الأشخاص عمليات التحكم لتشفير المعلومات للتخزين في الذاكرة طويلة المدى وقد تتضمن عمليات التحكم هذه تقنيات مثل التدريب والترميز والتصوير.
حيث تعتبر البروفة التكرار عن ظهر قلب للمعلومات، في حين أن الترميز يستلزم ربط المعلومات الجديدة بشيء ذي معنى، كما يحول تصوير المعلومات اللفظية إلى صور مرئية مخزنة في الذاكرة، وقد وجد أن متانة تتبع الذاكرة هي دالة على عمق المعالجة وهذا يعني أنّ المعالجة العميقة، كما هو الحال في العملية التي تستغرق وقتًا طويلاً لربط المعلومات الجديدة بالمعرفة القديمة ذات الصلة شخصيًا، كما تؤدّي إلى استبقاء أفضل من المعالجة الضحلة، مثل التدريب عن ظهر قلب.
إذا لم يستخدم المتعلم شكلاً من أشكال التحكم الواعي فإنّ أثر الذاكرة يتلاشى بسرعة من الذاكرة العاملة ولا يمكن استعادته ومن وجهة نظر معالجة المعلومات البشرية، التعلم هو نقل المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى أو الذاكرة العاملة إلى الذاكرة طويلة المدى.
التحكم في التعليم مقابل المعالجة التلقائية للمعلومات:
يجب الوضع في الاعتبار الموارد المطلوبة في المرة الأولى التي تقود فيها سيارة مقارنة بالاهتمام المطلوب لنفس المهمّة الآن.
بعد سنوات من الخبرة، يبدو أن السيارة تقود بنفسها ممّا يتيح للسائق التركيز على خطط اليوم أو التحدث إلى أحد الركاب، يوضح هذا المثال الفرق بين المعالجة الخاضعة للرقابة والمعالجة التلقائية.
- المعالجة الخاضعة للرقابة: المعالجة الخاضعة للرقابة هي من الناحية الفنية تنشيطًا مؤقتًا لسلسلة من العناصر في الذاكرة طويلة المدى تحت اهتمام وتحكم المفكر، على سبيل المثال، يجب على السائق الجديد أن يتذكر بنشاط القواعد والتعليمات المحددة وأن يوجه انتباهه إلى كل تسلسل محرك للمهمّة.
حيث أنّ المعالجة الخاضعة للرقابة محدودة بسعة الذاكرة العاملة وبالتالي فهي مجهد ولكنّها مرنة في التعامل مع المواقف الجديدة. كما أنّه عند تعلم مهمة أو مهارة جديدة تتطلب تركيزًا مجهودًا، حيث يستخدم الأشخاص معالجة محكومة وبالتالي، يمكن للمرضى الذين يتعلمون مهارات أو سلوكيات جديدة معالجة عدد محدود فقط من المدخلات (التعليمات والإشارات والمشتتات البيئية) في وقت واحد. - المعالجة التلقائية: مع وجود معالجة خاضعة للرقابة كافية تتطلب المهمة تركيزًا أقل وأقل لتنفيذها، أي أنّ المهمّة تصبح تلقائية بشكل متزايد كما في مثال السائق المتمرس، حيث تحدث المعالجة التلقائية عندما تؤدي محفزات سياقية محددة داخلية أو خارجية للشخص إلى تنشيط تسلسل محدد تم تعلمه في الذاكرة طويلة المدى.
بالنظر إلى التكرار الكافي، يؤدي الفرد المهارة أو المهمّة بطريقة متسقة مع القليل من الاهتمام أو بدون اهتمام. وقد اقترح العلماء أن تطوير مستوى كامل من الأتمتة يتطلب 200 تجربة على الأقل لمهمّة ما، لكنّ الأتمتة تبدأ في أقل من 10 تجارب طالما أن هذه التجارب متسقة مع المهارات التلقائية بالكامل حيث لا يمكن للأشخاص منع أنفسهم من تنفيذ التسلسل المتعلم ما لم يتم استخدام عمليات التحكم لتجاوزه. وفقًا للدراسات فإنّ التعلم الزائد هو ممارسة لمهارة أو استراتيجية تتجاوز بكثير إظهار التعلم أو الكفاءة، يزيد من احتمالية أن تصبح المهارة أو الاستراتيجية تلقائية.
تصبح هذه المهارات والاستراتيجيات التلقائية أسهل للسلوكيات التي يمكن البدء بها من خلال مجموعة من السلوكيات الممكنة ممّا يقلل من الطلبات على الاهتمام واتخاذ القرار، حيث أن العادات والروتين هي أمثلة على التسلسل الحركي التلقائي الذي ينظم مهام الشخص والمكان والوقت. تؤدي خصائص المهارات والاستراتيجيات التلقائية والعادات والروتين إلى الاستجابة للظروف البيئية التي يتم تعلمها وتطورها مع التكرار، حيث أنّ التعلم المعتاد هو شكل من أشكال التعلم الضمني غالبًا ما يساعد المعالجون المهنيون المرضى على استئناف مهام الصيانة الذاتية أو إعادة تعلمها حتى تعود تلقائيًا مرة أخرى.
دلالات نموذج ذاكرة معالجة المعلومات:
يلعب الانتباه والذاكرة أدوارًا مهمة في العديد من جوانب التعلم ولذلك يقوم المعالجون المهنيون بتقييم هذه المجالات قبل محاولة تعليم المرضى مهارات أو استراتيجيات، حيث إنّ وعي المعالج بمشتتات الانتباه، مثل الألم والتعب والضوضاء يسمح للمعالجين بالتخطيط لجلسات حتى يتمكن المرضى من استخدام الموارد المعرفية ذات القدرات المحدودة لعقد وتخزين المحفزات المتعلقة بالمهارات أو الاستراتيجيات الجديدة.
كما يقوم المعالجون بذلك من خلال مساعدة المرضى على استخدام عمليات تحكم فعالة، مثل ربط المعلومات الجديدة بشيء يعرفونه بالفعل، أخيرًا، يدرك المعالجون أنّه بالنسبة للعديد من المهارات، فإنّ نقطة نهاية التعلم ليست الكفاءة بل التلقائية، حيث يقوم المعالجون في النهاية بتمكين مرضاهم من تنفيذ هذه المهام بدقة وسهولة إذا شجعوا الاتساق في الأداء (بيئة متسقة وتسلسل ثابت للخطوات).
التعلم بدون أخطاء:
التعلم الخالي من الأخطاء هو أسلوب يتضمن تشفير معلومات جديدة بدون أخطاء حيث يتم مساعدة المتعلمين على القيام بذلك بشكل صحيح في كلّ مرة يتم فيها أداء المهارة الجديدة من خلال تقديم الإشارات و / أو المساعدة الوقائية ثمّ تلاشيها.
اقترح العلماء أساليب تعلم خالية من الأخطاء للأشخاص الذين يعانون من ضعف شديد في الذاكرة، كما يقترحون أن هؤلاء الأفراد لديهم صعوبة في تذكر ما تعلموه إذا ارتكبوا أخطاء أثناء عملية التدريب حيث يتم تجنب التخمين والتجربة والخطأ ولأنّ التدريب يحدث بشكل عام في السياق الذي سيتم فيه استخدام المهارات الجديدة يتم تقليل توقعات النقل إلى الحد الأدنى. في تجربة إكلينيكية، استفاد الأفراد المصابون بضعف إدراكي وبتر شظية من بروتوكول التعلم الخالي من الأخطاء لارتداء الطرف الاصطناعي، سواء في تذكر خطوات أكثر أو ارتكاب أخطاء أقل.