الشفاهية والكتابية والوحي القرآني

اقرأ في هذا المقال


إنَّ ما يميز الوحي القرآني منذ أن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم أنه أعتمد في حفظه على ضبط الصدر بالأساس، والقرآن الكريم كتاب عزيز اشتمل على عدة خصائص في نظمه تعين على إتقان حفظه، وكذلك كان للوحي القرآني خصائص في طريقة تلاوته وقراءته، بالرغم من ذلك كله إلا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد اتخذ كُتَّاباً للوحي لأهمية الكتابية والشفاهية.

ما هي الشفاهية والكتابية

الشفاهية: هي تناقل وتبادل المعلومات والثقافات عن طريق المشافهة أي بالكلام.

أما الكتابية: هي تدوين الثقافات والمعارف عن طريق الكتابة.

الوحي القرآني

هو ما نزل على نبي الله تعالى صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته على وجه التحدي، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام.

ويرجع أصل الشفاهية إلى التكلم والمخاطبة شفوياً، والتي تختص بطرق التعبير وتناقل الثقافات التي تكون فيها الكتابة نادرة، إنما تكون بواسطة الكلام والسماع فقط، فقد كانت العرب أمة تكثر فيها الأمية وقليل فيها الكتابة في مرحلة ما قبل الإسلام.

الشفاهية في الوحي القرآني

وهي المرحلة التي اتصل فيها الوحي القرآني بالبشر عن طريق جبريل -عليه السلام-، فأما ما قبل نزول الوحي القرآني من السماء إلى الأرض فقد ثبت أنَّ القرآن الكريم مكتوب ومحفوظ في السماء كما في قوله تعالى: “بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ(21)فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ” (سورة البروج:21-22)، وقال تعالى: “إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ(77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ(78)لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ(79) تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(80)” (سورة الواقعة: 77-80)، وقال تعالى: “كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ” (سورة عبس:11-15)، فهذه دلالات على أنها كتب سماوية.

والمشهور أنَّه نزل بعد ذلك إلى السماء الدنيا جملة واحدة كما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّه قال: “أُنزل القرآن في ليلة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أُنزل بعد ذلك بعشرين سنة، ثم قرأ قوله تعالى:وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا” (سورة الفرقان:33)، وقوله تعالى: “وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا” (سورة الإسراء:106)، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئًا، أحدَث الله لهم جوابًا”.

فالوحي القرآني هو طريقة التواصل بين الله سبحانه وتعالى والبشر عن طريق كلامه عز وجل وهو القرآن الكريم، والذي نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم، فليس باستطاعة البشر التواصل مع الله عز وجل إلا بإحدى ثلاث طرق ذكرت في قوله تعالى: “مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ” (سورة الشورى:51).

وهنا يتجلى لنا أن دور النبي -صلى الله عليه وسلم- هو التلقي والتبليغ المقصود به الدور الشفاهي، فحين سُئل صلى الله عليه وسلم عن تلقيه الوحي قال: “أحيانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَة الجَرَس، وهو أَشدُّه عليَّ، فيَفْصِمُ عنِّي وقد وَعَيْتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُني فأَعِي ما يقول”.

حفظ الوحي القرآني في الصدور

كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على حفظ القرآن الكريم منذ أن يتلقاه، وكان يردد الآيات ويتعجل في حفظها قبل أن ينتهي أمين الوحي من الوحي؛ خوفاً منه صلوات ربي وسلامه عليه أن ينسى منه شيئاً، وقد نهاه القرآن الكريم عن هذه العجلة بقوله تعالى: “وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا” (سورة طه:114)، وذكرت آيات أخرى أن القرآن الكريم قد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه فقال تعالى: “لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)” (سورة القيامة:16-19).

البعد الكتابي للوحي القرآني

الكتابة أثرها كبير جداً وأهميتها بالغة في حياة البشر، فلا يستطيع الإنسان أن ينجز كافة مهامه دون أن يدونها، فكيف يستطيع أن يحفظ ما وصل إليه مشافهة دون أن يكتبها حتى لا ينساها، وقد علَّم الله سبحانه وتعالى الإنسان الكتابة فهو القائل: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)” ( سورة العلق:1-5)، ولا بد لنا من أن نعلم أنه سبحانه وتعالى أقسم بها قائلاً: “ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ” (سورة القلم:1).

ووُصف عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم في القرآن الكريم بأنه أُمي، والمعروف أن الأُمي هو من لا يعرف القراءة والكتابة وقد ذكر ذلك في آيتين من كتاب الله عز وجل فقال: “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ” (سورة الأعراف:157)، وقوله تعالى: “فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” (سورة الأعراف:158).

وأيضاً نُفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكتابة فقال سبحانه وتعالى: “وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ” (سورة العنكبوت:48)، ولكن رغم أميته وعدم معرفة بالقراءة والكتابة إلا أنها كانت ذو أهمية بالغة عنده، فجعل من فداء أسرى بدر من المشركين بتعليم المسلمين القراءة والكتابة، وأيضاً أتخذ كُتَّاباً للوحي لكتابة الوحي القرآني.

في النهاية لقد كان لتدوين القرآن الكريم أهمية بالغة وما ارتبط به من علوم كان له أثراً كبيراً في تحول اللغة العربي إلى ثقافة كتابية، فعندما وُجد القرآن الكريم مكتوباً شجع العديد من التأمل في مقاصده ومعانيه ونظمه ورسمه وإتقانه، فقد ساهم هذا في تقدم الجانب العلمي والمعرفي من الثقافة الإسلامية.


شارك المقالة: