اقرأ في هذا المقال
ترتيب آيات القرآن على ما هو عليه الآن في العالم الإسلامي كله أمر توقيفي عن رسو ل الله عليه وسلم فلا مجال للرأي والاجتهاد فيه، وأجمع العلماء على ذلك، ونقل عن ذلك الإجماع: الإمام الزركشي في البرهان في علوم القرآن وأبو جعفر بن الزبير في كتابه ( المناسبات) والسيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن ) وغير هؤلاء مستدلين بأنّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان إذا نزلت عليه آية أو آيات يدعو كُتّاب الوحي عنده فيقول : ضعوا هذه الآية في المكان كذا بعد الآية كذا.
وقد كان جبريل عليه السلام يعارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان على هذا الترتيب، كما جاء في صحيح البخاري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال (كان النبي صلى الله عليه وسلّم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل .. الحديث
والمتأمل في آيات القرآن يرى كل آية ترتبط بالتي تليها: فهي كالسلسلة الواحدة لا انقطاع فيها هذا الارتباط بين آيات القرآن وبين نهاية السورة وابتداء السورة التي تأتي بعدها أُطلق عليها اسم المناسبات .
وبالتأمل بهذا العلم نرى القرآن الكريم وحدة متكاملة في سورة وآياته كأنًَّه آية واحدة، بل كما قال الإمام الزركشي رحمه الله تعالى (القرآن كله كالكلمة الواحدة ) وهذا بلا ريب – لون من ألوان إعجاز القرآن الكريم الذي انطوى عليه كتاب الله تعالى، قال الإمام الفخر الرازي (وأكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط)
وقال ( ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أنَّ القرآن كما أنّه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه، فهو أيضاً معجز بحسب ترتيبه ونظم آياته )
وقال أبو بكر العربي : ارتباط آي القرآن بعضها حتى تكون كالكلمة الواحدة منتظمة المعاني، منتظمة المباني، علم عظيم)
ولا عجب في ذلك؛ فإنّ الله تعالى وصف كتابه الحكيم بقوله ﴿الۤرۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ﴾ [هود ١] ولقد تأخرت العناية بهذا العلم، لأنّ المتقدمين لم يكونوا بحاجة إليه فقد كانوا على جانب كبير في إدراك أسرار البلاغة، فيدركون الصلة بين الآيات بعضها البعض، وبين نهاية السورة وابتداء السورة التي تأتي بعدها، ولم تنشأ الحاجة إلى هذا العلم إلّا عند المتأخرين بعد أن ضعفت سليقة البلاغة فيهم .