تعريف أسباب نزول القرآن الكريم

اقرأ في هذا المقال


قد تحصل حادثة، أو تحدث واقعة، فتنزل آية، أو آيات من كتاب الله كريمة في شأن تلك الواقعة أو الحادثة، فهذا هو ما يسمى بــ (سبب النزول)، وقد يُعرض سؤال على النبي صلى الله عليه وسلم بقصد معرفة الحكم الشرعي فيه، أو الاستفسار عن أمر من أمور الدين، فتنزل بعض الآيات الكريمة، فهذا أيضاً ما يسمى بـ (سبب النزول).

مثال الحادثة: ما رواه البخاري عن خباب عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن خباب، قال: كنت رجلا قينا، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث، قال: فقال: فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول، جئتني ولي مال وولد، قال: فأنزل الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ .... إلى قوله: ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ .

كذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿يسئلونك عن الأهلة﴾ هذا مما سأل عنه اليهود واعترضوا به على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال معاذ: يا رسول الله، إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة، فما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينتقص حتى يعود كما كان؟ فأنزل الله هذه الآية.

كيف يُعرف سبب النزول؟

أسباب النزول لا يمكن أن تُدرك بالرأي، ولا بد فيها من الرواية الصحيحة والسماع، من حضروا التنزيل، أو وقفوا على الأسباب، وبحثوا فيها، من صحابة رسول الله، والتابعين وغيرهم، ممن اكتسبوا علومهم على أيدي العلماء الموثوقين، فقد قال ابن مسعود: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته، وعن هشام ، عن ابن سيرين ، قال : سألت عبيدة السلماني عن آية ، قال : عليك بالسداد ، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن .

قال العلماء: يعتمد في معرفة سبب النزول على الروايات الصحيحة ، وخاصة عندما يصرح الراوي بلفظ السبب، فهو نص صريح فيه، كقول الراوي: السبب نزول في هذه الآية الحكم الشرعي كذا، وكذلك إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول، كقوله: حدث كذا، أو سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا، فنزلت، فهو نص صريح في سبب النزول أيضاً.

هل يتعدد سبب النزول؟

كثير ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسباباً متعددة، والمعتمد في مثل هذه الحال أن ننظر إلى العبارة التي قالوها، ونستطيع أن نستخلص منها:

  • أولاً: أن يُعبر منهما (لقوله نزلت هذه الآية في الحكم الشرعي) ويذكر أمراً آخر غير الذي ذكره الأول، فيحمل على أنه استنباط للحكم وتفسير لمعنى الآية، فلا منافاة بينهما كما مر؛ لأنه ليس بسبب النزول.
  • ثانياً: أن يعبر أحدهما بقوله ” نزلت الآية في كذا” ويصرح الآخر بذكر سبب النزول، فالمعتمد هنا التصريح، مثاله ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أنزلت ﴿نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُمۡۚ ﴾ صدق الله العظيم[البقرة ٢٢٣] في إتيان النساء في أدبارهن، وروى مسلم في صحيحه عن جابر كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزل قوله تعالى: ﴿نِسَاۤؤُكُمۡ حَرۡثࣱ لَّكُمۡ فَأۡتُوا۟ حَرۡثَكُمۡ أَنَّىٰ شِئۡتُمۡۖ وَقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ﴾ صدق الله العظيم [البقرة ٢٢٣].
  • ثالثاً: أن يذكر كل واحد سبباً صريحاً للنزول غير الآخر، فيعتمد الصحيح دون الضعيف، مثاله ما أخرجه الشيخان عن الأسود بن قيس قال سمعت جندبا يقول اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله عز وجل ﴿وَٱلضُّحَىٰ (١) وَٱلَّیۡلِ إِذَا سَجَىٰ (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (٣) ﴾ صدق الله العظيم.

وأخرج الطبراني ، وعد جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة يأتيه، فجاءت الساعة ولم يأت جبريل عليه السلام ، فإذا بجرو كلب تحت السرير ، فقال: متى دخل هذا الكلب ؟ قالت : ما علمت به ، فأمر به فأخرج ، وجاء جبريل عليه السلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واعدتني في ساعة فجلست لك فلم تأت، قال : منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة، فأنزل الله تعالى: ( والضحى ).

وهنا نعتمد الرواية الأولى لأنها أصح.

رابعاً: أن يستوي الإسنادان في الصحة، فنرجح أحدهما على الآخر لوجه من وجوه الترجيحات، مثال : ذلك ما أخرجه البخاري جاء عن علقمة عن عبد الله قال بينما أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح فقالوا ما رابكم إليه لا يستقبلكم بشيء تكرهونه فقالوا سلوه فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح قال فأسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئا فعلمت أنه يوحى إليه قال فقمت مكاني فلما نزل الوحي قال تعالى:  ﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّی وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ صدق الله العظيم[الإسراء ٨٥].
وما أخرجه الترمذي عن عكرمة ، عن ابن عباس – رضي الله عنهما – ، قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل . فقالوا : سلوه عن الروح . فنزلت ﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّی وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ صدق الله العظيم[الإسراء ٨٥]، قالوا : نحن لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة فيها حكم الله ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا ، قال : فنزلت ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) .

فهذه الرواية تقتضي أنها نزلت بمكة، والأولة تقتضي أنها نزلت بالمدينة، فترجح الرواية الأولى؛ لأن ابن مسعود كان حاضر القصة، ثم ما رواه البخاري يرجح على ما رواه غيره.


شارك المقالة: