إنَّ الإسلامَ بتشريعاته قدْ حثَّ على حفظِ النّفسِ البشريةِ وجعلها منَ الضّروراتِ، وقدْ بيّنَ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ في كثيرٍ منَ الشّواهدِ تحريم كلِّ شيءٍ يقودٌ إلى إزهاقِ النّفسِ البشريةِ، وقدْ دعا إلى الوقايةِ ممّا ينتشرُ أحياناً من الأمراضِ المعديةِ والّتي تفتكُ وتزهقُ الأرواحَ، وسنعرضُ حديثاً في ذلكَ.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ في الصّحيحِ: ((حدّثنا عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ، أخبرنا مالكٌ، عنِ ابنِ شهابٍ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ عامرٍ، أنَّ عمرَ خرجَ إلى الشّأم فلمَّا كانَ بسرغٍ، بلغهُ أنَّ الوباءَ قدْ وقعَ بالشّأمِ، فأخبرهُ عبدُ الرّحمنِ بنُ عوفٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قال: “إذا سمعتُم به بأرضٍ فلا تَقْدِموا عليه، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنْتمْ بها فلا تخرجوا فراراً منهُ”)). رقمُ الحديث:5730.
ترجمة رجال الحديث:
الحديثُ المذكورُ يوردهُ الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الطّبِّ، بابُ:(ما يذكرُ في الطّاعونِ)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ عبدِ الرّحمنِ بنِ عوفٍ القرشيُّ الزّهريُّ رضي اللهُ عنهُ، وهوَ منَ المكثرينَ في روايةِ الحديثِ منَ الصّحابةِ عنِ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ، وبقيّةُ رجالِ سندِ الحديثِ هم:
- عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ: وهوَ أبو محمّدٍ، عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ التّنّيسيُّ (ت: 218هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ رواية الحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- مالكٌ: وهوَ أبو عبدِ اللهِ الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ الأصبحيُّ الحميريُّ (93ـ179هـ)، وهوَ إمامُ دارِ الهجرةِ وصاحبُ المذهبِ الفقهيِّ المالكيِّ، منْ ثقاتِ المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- ابنُ شهابٍ: وهوَ أبو بكرٍ، محمّدُ بنُ مسلمٍ الزّهريُّ (50ـ125هـ)، وهوَ منْ مشاهيرِ ثقاتِ المحدّثينَ منَ التّابعينَ.
- عبدُ اللهِ بنُ عامرٍ: وهوَ أبو محمّدٍ، عبدُ اللهِ بنُ عامرٍ العدويُّ ((ت: 85هـ)، وهوَ منَ الصّحابةِ رضيَ اللهُ عنهُ.
دلالة ومناسبة ورود الحديث:
يشيرُ الحديثُ النّبويُّ إلى الوقايةِ منَ الأمراضِ الّتي تفتكُ وتزهقُ الأرواحَ ومنها الطّاعونُ، وقدْ بينّ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ الوقايةَ منها لحماية النّفسِ البشريّةِ، فبيّنَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ أنْ لا يدخلَ أحدٌ أرضاً فيها هذا الوباءُ، وعلى منْ كانَ فيها أنْ لا يخرجَ منها كي لا ينشرُ العدوى بهذا الوباءِ، وقدْ جاءَ الحديثُ بمناسبةِ هجرةِ سيّدنا عمرُ بنُ الخطّابِ إلى الشّأمِ، فلمّا وصلَ بالقربِ منها سمعَ بأنَّ هذا الطّاعونَ قدْ فتكَ بيها، فاستشارَ أصحابهُ في ذلكَ، فروى لهُ الصّحابيُّ عبدُ الرّحمنِ بنِ عوفِ هذا الحديثُ الّذي يبيّنُ الطّريق إلى الوقايةِ منهُ، وقدْ رجعَ سيّدنا عمرُ بنُ الخطّابِ إلى المدينةِ وقال: (أفرُّ منْ قدرِ اللهِ إلى قدرِ اللهِ)، وفي هذا الحديثُ دلالةً على وجوبِ الأخذِ بالأسبابِ وإثمِ منْ يعرِّضُ نفسهُ للهلاكِ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- حثُّ الإسلامِ على المحافظة على النّفسِ البشريّةُ وجعلها منَ الضّروراتِ.
- وجوبُ الأخذِ بالأسبابِ للوقايةِ منَ الأمراضِ.