اقرأ في هذا المقال
- قصة موسى عليه السلام مع الخضر
- ماذا طلب موسى عليه السلام من العبد الصالح؟
- بعض المشاهد من قصة موسى عليه السلام مع الخضر
- من الذي قص علينا قصة الخضر؟
قصة موسى عليه السلام مع الخضر:
لقد اختلفت بعضُ آراء العلماء فيما إذا كان الخِضرُ نبيٌ من أنبياء الله أم أنهُ وليٌ من أولياء الله الصالحين، ولكن استقرت أغلبية الآراء إلى أنهُ نبيٌ من عند الله تعالى؛ لأن الله علمهُ بعضُ الأمور عن طريق الوحي الإلهي، لا يعلمها إلّا الأنبياء.
فقصة موسى عليه السلام عليه السلام مع الخضر هي قصةٌ العجائب الغيبية، التي يقف أمامها العقل البشري خاشعاً ومسلماً، فهي قصةُ رسولٍ موحي إليه ومعه منهج حياة ممثلاً في التوارة، وفيه إفعل ولا تفعل، وقصةُ عبدٍ صالح آتاهُ الله رحمةً من عنده وعلمهِ من لدنه علماً، ولكلِ خصوصيته.
لقد روى التاريخ أن موسى عليه السلام، قامَ خطيباً في بني إسرائيل، فلما انتهى من خطبتهِ سأله رجلٌ هل تعلم أحد أعلم منك ؟قال : لا فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين على الساحل عند صخرة هناك وهو أعلم منك، قال موسى لربهِ: كيف لي به؟ قال: تاخذ معك حوتاً فتجعلهُ في مكتلٍ فحيثما فقدتُ الحوت تجدهُ هناك فأخذ موسى حوتاً في مكتلٍ واصطحب فتاة يوشع بن نون، وقال له إذا فقدت الحوت فاخبرني، ثم انطلق وانطلق ومعه فتاه، حتى وصلا إلى الصخرة وغشاهُما النعاس، فناما، ومسّ الحوت بعض الماء فاضطرب في المكتلِ، وأخذا سبيلهُ في البحر سرباً؛ فرآه يوشع وهو بين النومِ واليقضة، فلما استيقظ موسى عليه السلام نسي أنّ يسال يوشع عن أمرِ الحوت، ونسي يوشع أن يخبره بما حدث، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان الغداة وقد أجدهم السير، قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا تعباً لم نعهده من قبل، ذلك أن موسى لم يجد من التعب ما لاقاهُ منذ جاوزا الصخرة، ولما همّ يوشع لإعداد الطعام تذكر الحوت الذي تسرب إلى البحر، فقال لموسى: أرأيت إن أوينا إلى الصخرةِ فإني نسيتُ الحوت، وما أنساني ذكره إلى الشيطان، وقد اتخذ سبيله في البحر بحالةٍ تدعو إلى العجب.
فقال موسى عليه السلام: إنّ فقدان الحوت هو ما كنا نبتغيهِ؛ لأنه أمارة على الفوز بما نطلبهُ، فعادا إلى الطريق التي جاءا منها: “فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا – قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا“ الكهف:65-66. ومع أن موسى رسول، إلا أنه لم يتأبى أن يُعلّمهُ عبدّ من عباد الله، تقرب إلى الله بالمنهج الذي جاء به موسى، وله اصطفائية مخصوصة فموسى عليه السلام مرسلٌ لتبليغ الرسالة وهي افعل أو لا تفعل. والخضر عليه السلام له تحقيق المعلوم لله الذي قد تغيب نتائجه على سُلّم العقل، فإذا ظهرت حكمة الغيب فيه، آمن به العقل، وهذه الاصطفائية للخضر ليس معناها أن يفهم البعض أنه فوق موسى عليه السلام، لا. إنما لكلّ وجهةٍ هو موليها، وهي الوصول إلى الله عزّ وجل في النهاية.
إنّ قول موسى عليه السلام للعبد الصالح: “قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا” فقد ألفتنا الله تعالى إلى أنهُ مهما رُفعت درجةُ الإنسان، فإنه يجب ألا يتكبر، بل لا بدّ أن نتواضع جميعاً؛ فالكبرياء لله وحده، ويجب ألا يغتر إنسانٌ بعلمه، أو بما آتاهُ الله من فضله. فيتكبر في الأرض.
ماذا طلب موسى عليه السلام من العبد الصالح؟
إن العبد الصالح حينما طلب منه موسى أن يتبعهُ ليتعلم منه، قال له: “قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا –وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا” الكهف:67-68. وهكذا قدم العبد الصالح عذراً لموسى عليه السلام بأنهُ لن يستطيع أن يصبر، وليس هذا لنقصٍ في موسى عليه السلام، ولكن؛ لأن الله أخبر العبد الصالح بأمور لم يخبر بها موسى عليه السلام. فيقول موسى عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل:”قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا” الكهف:69.
بعض المشاهد من قصة موسى عليه السلام مع الخضر:
المشهد الأول:
رغم أن موسى عليه السلام وعد العبد الصالح بعدم السؤال، أو عصيان الأمر، وأن يكون صابراً، رغم ذلك لم يطق الصبر على حادث خرق السفينة؛ لأن خرق السفينة في البحر مؤداة غرق السفينة، بمن فيها، فلم يصبر موسى عليه السلام أمام هذا ولم يلتزم الصمت؛ لهذا قال للعبد الصالح: “فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا” الكهف:71. لقد شك موسى في ظاهر الأمر، ولكن عندما أدرك الحكمة، وجدها عين الخير، فلو لم يخرق العبد الصالح السفينة، لأخذها ملك ٌ ظالم يأخذ السفن غصبا؛ وذلك لقوله تعالى: “وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا” الكهف:79. فلو لم يخرقها العبد الصالح، لما احتفظ أصحاب السفينة بسفينتهم، وإن كان بها عطب.
المشهد الثاني:
وفي مشهدٍ آخر أعطانا الله المثل بشيءٍ لا يوجد أعظم منه، وهو القتل. ولقد قتل العبد الصالح غلاماً، فما هي الحكمة من ذلك؟ إن الإنسان ينجب ولداً حتى يكون قرةُ عينٍ له وسندا وعوناً في الدنيا، فإذا ما كان هذا الولد سبباً في فساد الدين فإنه، فإنه يقوده إلى الجحيم، ومن الخير أن يبعد الله هذا الولد من طريق أبيه؛ لأنه سيكونُ وسيلةً لاختلالهِ.
فقد يتسأل قائلُ، وما ذنب الولد، فنقول: أنت لا تعي الحكمة من ذلك، فقد يكون الولد ذهب إلى ربه بدون تجريةٍ في أن يطيع أو يعصى، إذن يكون قد ذهب إلى رحمة الله مباشرةً، أو اقتضت حكمة العليم سبحانه أن يُزيح هذا الولد من طريق أبويه؛ لأنه طُبع كافراً، وسيشقى به والداه المؤمنان، لذلك كان القتل رحمةً من الله تعالى لوالديه.
المشهد الثالث:
وهناك مشهدٌ آخر مع العبد الصالح وموسى، تتجلى فيه حكمة الحكيم، وإرادة العليم، ولقد ذهب الإثنان إلى قريةٍ واستطعما أهلها، أي طلبا من أهلها طعاماً، لقد ورد التعبير في القرآن عن ذلك بدقةٍ:” اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا” إن الواحد منهما لم يطلب نقوداً؛ وذلك حتى لا تثار الظنون السيئة، ولكن طلبا الطعام ليأكلاه، فقد طلبا أولى الحاجات الضرورية للإنسان؛ فقالوا لهما: لا، لن نعطيكما، لقد كانوا لئما.
ولما رأى العبد الصالح جداراً يُريدُ أنّ ينقضَ فأقامهُ، فقال موسى عليه السلام متسائلاً: لماذا لا تأخذ منهم أجراً خاصة وأنهم منعونا الطعام؟
هنا يوضح العبد الصالح لموسى سبب قيامه بهذا العمل والحكمة منه فيقول: “وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا” الكهف: 82. إنّ أهل القرية لو عِلموا أو رأوا هذا الكنز لأخذوه، فهم لئِامٌ، ولضاع حق اليتيمين.
من الذي قص علينا قصة الخضر؟
إنّ الذي قصّ علينا قصة الخضر عليه السلام هو الله تعالى، وأنها حدثت مع نبي الله موسى عليه السلام، فإذا أحدٌ الآن وادّعى أنه الخضر، فهو كاذب. فإنه لا يوجدُ خِضرٌ لكل زمان لا باسمه ولا بصفته، إنما هي مسألة ضربها الله تعالى؛ حتى تكون قضية عقديةٍ يستقبل بها الناس أحداث الحياة في مالهم إن كان سفينة، وفي ذواتهم إن كان ولداً، وفي جفوة الناس عنهم إن كانوا ظالمين.
لقد انتقل الخضر الآن إلى جوار ربه، وهو ليسَ بحيٍ الآن، كما ويزعم نفرٌ من العلماء، وكذلك لا يُنقل عنه شرع ولا علم، فالخضرُ هو عبداً صالحاً من عباد الله آتاه الله رحمةً من عنده، وعلّمه من لدنه سبحانه علماً؛ للقيامِ بمهمةٍ، وقد أداها كما أرادها الله تعالى.