ما هي قصة زواج النبي موسى عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


قصة زواج النبي موسى عليه السلام:

إنّ زوجت موسى عليه السلام هي إحدى ابنتي شعيب عليه السلام التي حققت لقب امرأة الفراسةِ والحياءِ والعفة، وقد اعتبرها العلماءُ والمفسرون أيضاً من أكثر النساءِ ذكاء وفهماً، إلّا أنها لم تخلُ عن حيائها وأدبها الجمّ، فقد وصفها القرآن الكريم بالحياءِ الشديد الذي انعكس حتى على طريقة مشيتها، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: “الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنة”.
فزوجةُ موسى عليه السلام لم يُذكر اسمها في الآيات القرآنية، كما هو المعتاد عليه في بعض الآيات بعدم ذكر أسماء نساء النبي وبناته؛ على الرغم بأن الوحي قد أنزل بعض الآياتِ فيهن، ولم يستثنِ من هذا الاتجاه القرآني إلا نموذج السيدةُ مريم عليها السلام التي سُميت السورة التاسعة عشرة في ترتيب كتاب الله تعالى باسمها؛ بل وجاء ذكر اسمها أيضاً في السياق القرآني 34 مرةً.
اسم زوجة موسى عليها السلام:
إن زوجة موسى عليه السلام تُدعى صافوريةَ أو يقال صفوريا ويُسميها الأوروبيون صفورا أيّ “العصفورة” وهي ابنة النبي شعيب عليه السلام حسبما يقول أنس بن مالك، لكن قال البعضُ ومن بينهم ابنُ كثير أنّ والدها كان شيخاً من شيوخ القبائل، وشعيب هو النبي الذى بعث لأصحاب الأيكة وهم قوم مدين الذين كانوا يعبدون شجرة ملفوفة. وحكاية لقاء موسى عليه السلام بصافورية ذكرها القرآن الكريم.
وقد فسر بعض العلماء عدم الإشارة بالاسم إلى أسماء أحد السيدات في النص القرآني أو عدم الخوض في التفاصيل الدقيقة لما سيحلُ بنساء أهل الجنة؛ فسروه بشدة حياء الله سبحانه وتعالى فالحياء صفة محببة إلى ربنا عز وجل أمرنا بالتحلي بها وجعلها شعبة من شعب الإيمان.

أما في نص حياة السيدة مريم؛ فإن الأمر يختلفُ اختلافاً كليّاً؛ بحيث أن الأمر يتعلق بمعجزة من معجزات الله عز وجل لزم التعريف بها والتأكيد عليها وإزالة اللبس عنها لذلك لزم تكرارها. ويحكي لنا المفسرون عن قصة التقاء سيدنا موسى عليه السلام بزوجته بأنها جاءت من تدبير الله عز وجل: إذ خرج موسى من مصر هارباً فاراً بنفسه خوفاً من بطش فرعون وجنوده لأنه قتل أحد رجاله؛ وظل يجرى أياماً وأيام بلا طعام ولا ماء حتى أن نعليه ذابا منه من شدة بعد المسافة وعندما اطمأن إلى أنه دخل بلداً أخرى لا تقع تحت بطش فرعون؛ جلس يستظل بظل شجرة فوجد مشهداً أثار اهتمامه.
لقد وُجد فتاتينِ تمسكانِ ببعضِ أغنامٍ لهما، وكانت هؤلاء البنات يمسكن جيداً بها خشية أن يهربن منهما فتعجب لأمرهما وقرر في نفسه أن يساعدهما على الرغم من تعبه الشديد وشدة إعيائه، إلا أن شهامتهُ غلبت تعبهُ؛ فتوجه إليهما على الرغم من أنه غريبٌ في هذه المدينة التي وصل إليها وكانت تدعى مدين وهي تقع جنوب فلسطين؛ ويحكي لنا القرآن الكريم في سورة القصص: ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان، قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير.
وجاء موسى عليه السلام في هذه اللحظة وزاحم الرجال؛ لأجل أن يسقي للفتيات أغنامهم، لقد كانت على البئر صخرةً كبيرة لا يقدرُ على إزاحتها من مكانها إلا عشرةٌ من الرجال؛ فقام موسى ورفعها لوحدهِ، فسقى لهما وسقى الأغنام وأمسك بزمامها ومشى بهما لحينِ إيصالهن إلى البيت؛ ثم جلس تحت شجرة وناجى ربه قائلاً: “رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير”. فسمعته إحدى الفتاتين والتي أسرعت لتحكي لأبيها ما حدث لهما مع هذا الرجل والذي بدوره تعجب للسرعة التي عادت بها بناته، حيث اعتادتا الفتاتانِ أن تأخذا وقتاً أكثر من ذلك.
هناك صورة من صور التعجب وهو أنه كيف لهذه الفتاة بأن تحمست للنبي موسى عليه السلام وهو على الهيئة التي كان عليها من وعثاءِ السفر ورثِ الملبس. ومن الراجح أن هذه الفتاه المؤمنة العاقلة لم تقيم الشخص الذي أمامها على أساس الهيئة والمظهر بل أنها قيمتهُ على أساس الجوهرِ والتعامل والتصرف، فما أحوج بناتنا هذه الأيام إلى هذه النظرة الثاقبة في الحكم على الأمور.
ولا بدّ من أن صلاح الأهلِ يلعبُ دوراً كبيراً في تربية الأبناء، فهذه الفتاةُ الصالحة نشأت في كنف هذا الأب الصالح، وهنا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده، وولد ولده، وأهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم”.
فخرجت الفتاة إلى موسى عليه السلام في مشيةٍ مليئةً بالحياء والأدب مدحها الله عز وجل فيقول: “فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا”. وهنا يتساءل العلماء عن اختيار الفتاة لهذه الكلمات تحديداً فيقول العلماء إنها أتت بتقديم أبيها في سياق الكلام الموجه إلى موسى لئلا يشوب كلامها شائبة أو يشوب موسى منها ريبة وهنا ينبغي لكل فتاه أن تختار ما تقول من الكلمات وأن تحرص على مدلول كلماتها كما فعلت ابنة هذا الرجل الصالح.
وحينما وصل موسى عليه السلام قصّ على الرجلِ الصالح الذي كان ضريراً والذي عُرف باسم “يثرون”، وكان رجلاً صالحاً عابداً آمن بما أتى به نبي الله شعيب ولم يكن هو نفسه، فكان هذا القول الراجح لأغلب العلماء، ومن تلك اللحظة استأذنت الفتاه أبيها للحديث معه وحدهما، فاستجاب لها واستمع لها بسماحة الأب الحنون الذي يضرب لنا المثل في تربية الأولاد بالحُسنى والصداقة، فقالت له: يا أبت استأجره إن خيرَ من استأجرت القوي الأمين.
لقد سأل الأب ابنته: كيف عرفت أنه أمين؟ قالت الفتاة: كنت أنا وأختي نسيرُ أمامه لكي نُريه الطريق، فاستحى منا وقال بل امشوا من خلفي ودلوني على الطريق برمي حصوات في الاتجاه الصحيح فعرفنا أنه أمين، وهكذا عرضت الفتاة رأيها على أبيها بكل وضوح ولم تخش شيئاً لأنها لم تفعل شيئاً يغضب ربها ولا أبيها، فقد كانت بريئة النفس لطيفة الحس. فاقتنع الأب بصدق كلام ابنته فعرض عليه في الحال الزواج من إحدى ابنتيه فمن حياء هذا الشيخ الصالح لم يشأ أن يفرض عليه واحدة وتركه يختار من أراد.

وقد ذكرت لنا بعضُ الكتب بأن نبي الله موسى عليه السلام انتقى الأخت الصغرى التي قامت بالتشاورِ مع أختها الكبرى وسألتها إذا كانت ترغب في الزواج منه أو عليها أن تنتظرها حتى تتزوج هي أولاً. وهكذا نجد أن حياء هذه الفتاة وصلاحها واحترامها لأبيها جعل الله سبحانه وتعالى يكافئها بالزوج الصالح، فكما يقول ربنا سبحانه وتعالى: “الطيبون للطيبات”.


شارك المقالة: