موقف اليهود من الدعوة الإسلامية في الفترة المكية

اقرأ في هذا المقال


ما هو موقف اليهود من الدعوة الإسلامية؟

لا توجد هناك أي علاقة واضحة بين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبين اليهود في أثناء الفترة المكية، حيث يمكننا القول إن موقف الدعوة إلى دين الإسلام منهم في تلك الفترة هو عبارة عن انعكاس لنظرة دين الله الإسلام وتصوره أيضاً لأهل الكتـاب بشكل عامة واليهود بشكل خاص، والدليل على ذلك هو أن هناك آيات مكية كثيرة نزلت في وقت العهد المكي بشكل متوافق.

ومن هذه الآيات هو قول الله عز وجل: “إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ ﴿18﴾ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ﴿19﴾”…سورة الأعلى، حيث يقر القرآن الكريم بوحدة المصدر والمراد بينه وبين جميع الكتب السماوية، فجميع الكتـب السماوية قد نادت بتوحيد الله عز وجل وطاعته فقال الله عز وجل: “شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴿13﴾ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ”…سورة الشورى، وقال تعالى:“وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ”…سورة الأنبياء. 

الأدلة على نبوة النبي محمد:

لقد كانت هناك أدلة كثيرة على صحة رسالة دين الإسلام، وهي أدلة أتت؛ لإتمام ما جاءت به الرسالات السماوية، قال الله عز وجل:“وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون”...سورة المائدة.

وانطلاقاً من دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لليهود إلى الاعتـراف به كنبي ورسول من عند الله واتباع ما جاء به من عند الله عز وجل فهو النبي الذي بشر بقدومه أنبياؤهم من بني إسرائيل من قبل، وقد استفتحوا بـالنبي القادم علـى الكفار والمشركين وتوعدوهم به، قال الله عز وجل: “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”….سورة الأعراف.

وقد وردت أول إشارة وتنبية تثير الانتباه في الدعوة الإسـلامية وذلك حـول موقـف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والأنصار من يهود في الحجاز، وبشكل خاص مع اليهود في المدينة المنورة، وذلك في اتفاقية بيعة العقبة
الثانية وذلك من العام 622م، فحينما اتفق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ووفد الأنصار وأرادوا عندها توثيق البيعة، حيث قام احد من الأنصار ويدعى الهيـثم بـن التيهان وهو أحد شيوخ الخزرج، فقال: “يا رسول االله إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنـا قاطعوهـا (يقصد اليهود)، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك االله أن ترجع إلى قومك وتـدعنا؟ قـال: فتبسم رسول الله، ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم”.

دور بيعة العقبة الثانية:

لا بـد مـن أن نشير إلى أن بيعة العقبة الثانية أصبحت تعد نقطة مهمة جداً وهي نطقة تحول في السيرة النبوية والدعوة الإسلامية، حيث تمثلت هذه البيعة في ظهـور العديد من الأهداف السياسية لأول مرة، فقد ظهر حينها مصطلح ومعنى كلمة البيعة، “وهو يعني بذلك العقد الاجتماعي بين المسـلمين وقائدهم من جهة”، وأيضاً أعتبرت من جهة أخرى أن تلك البيعة هي بيعة الحرب، وهي فرض القتال أو بمعنى أفضل فرض الجهـاد، وذلك حتى يتم تحقيق الأهداف من النواحي السياسية والدينية للدعوة الإسلامية، أو بمعنى أهم وهو بدأ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بتقمص صـفة القائد أو الملك من الناحية السياسية إلى جانب صفة الرسول والنبي وذلك مثل سيدنا داود وسليمان –عليهما السلام.

ومن ذلك السياق السابق نعرف أن موقف الأنصاري الهيثم بن التيهان أن المرحلة التالية والقادمة ستؤدي حتماً وبشكل كبير وواضح إلى إنهاء تحالفات قبيلتي الخزرج والأوس مع اليهود أو مع غيرهم من الكفار والمشركين، لأن الدين الإسلامي لا يقبل أبداً التحالف مع ديـانة آخـر مثل اليهودية أو غيرها من الديانات، ففي دين الله الإسلام تمثل العقيدة الأساس في الدين وهي الأساس الأول والأخير في التحالفـات وأيضاً في العمـل المشترك، وذلك الأمر يتعارض مع الديانة اليهودية بشكل كبير وهي الديانة التي قد قبلت التحالفات مع الوثنية في شبه الجزيرة العربية، ومن المحتمل أن ما قد قاله الهيثم بن التيهان تعبر بشكل واضح وكبير عن وعي ذلك الرجل الأنصار قراءة المستقبل القريب وأن هناك حتمية كبير أن يحدث صدام بين المشروع الإسلامي وبين السيطرة اليهودية على اقتصاد المدينة المنورة حينها.

وقد شهدت المرحلة الأولى أو الفترة الأولى من الهجرة النبوية وجود أنسجام وتعاون بين الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبين اليهود، حيث يظهر ويبين أن كل طرف من الأطراف كان يأمل في أن يستميل الطرف الآخر إلى الوجود بجانبه، وذلك بسبب التوافق في جوهر العقيدة القـائم بينهم على التوحيد بين الديانتين الإسلامية واليهودية، فلم يظاهر اليهود في ذلك الوقت العداء والكره والحقد في للإسلام في بداية الأمر.

العلاقات مع اليهود في البداية:

لقد اعتنق بعض أحبار اليهود دين الله الإسلام مثل عبد الله بن سلام ومخيريق، وربما كان بعض الأحبار يرجون أن يتمكن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من التأليف بين القلوب في بطون يثرب، وهو الأمر الذي سيخدم مصالح الأحبار الاقتصادية بكل التأكيـد، حيث لم يجهل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أهمية اليهود في مجتمع المدينة المنورة.
كما كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم صادق النيـة فـي التعاون مع اليهود وذلك بصفة أن اليهود أصحاب كتاب، فقد توجه اليهود والمسلمون في صلواتهم إلى بيت المقدس وهو الذي كان اليهود يتوجهون إليه أيضاً مما شكل ذلك الأمر استحساناً وقبولاً لدى اليهود، وأيضاً كذلك صام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأمـر المسلمين بالصيام في يوم عاشوراء وهو اليوم الذي اعتاد اليهود صيامه، وأحل الله عز وجل القرآن الكريم للمسـلمين أن يأكلوا من طعام أخل الكتاب وأيضاً الزواج منهم، قال الله عز وجل في محكم كتابه الكريم: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ”….سورة المائدة.

وبذلك سارع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى القيام بتنظيم العلاقات السياسية والعلاقات الاقتصادية والاجتماعيـة بـين جميع سكان المدينة المنورة بما ذلك السكان من اليهود، وهو ما عرف بوثيقة المدنية المنورة.


شارك المقالة: