ما هي وصايا النبي محمد في تربية البنات؟
كان للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم العديد والكثير من الوصايا التي كان يحث الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وجميع الناس على قولها وفعلها والقيام بها، لما لتلك الوصايا من دور وفضل كبير في رفعة الإنسان المسلم في الدنيا والآخرة، ولما لها من نفعه كبيرة وأجر عظيم له.
البنات هي نعمة من نعم الله ـ عز وجل ـ علينا، حيث أنه من المعلوم أن العرب في وقت الجاهلية كانوا لا يحبون البنات، وكانوا ينتظرون ولادة الأولاد؛ للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حياتهم وفي حروبهم، أما البنت فكانوا لا يحبونها، كما أن عدم حبهم للبنت كان بسبب الخوف من عارها الذي يكون السبب وراء كراهيتها بل القيام بقتلها، وهو كما قال الله سبحانه وتعالى ـ عن ذلك: “{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }”(النحل الآية 58: 59)، وقال الله عز وجل في محكم كتابه الكريم: “{ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }”(التكوير الآية: 8: 9) .
كما أرسل الله نبينا الكريم محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجرَّم وحرم النبي الكريم تلك الفِعلة الشنعاء وهي القيام بوأد البنات، فعن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إنَّ الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، وَمَنْعاً وهات، ووَأد البنات، وكَرِهَ لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال” رواه البخاري.
وقال ابن حجر في ” فتح الباري”: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “( ووَأدَ البنات ) هو دفن البنات بالحياة وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن “.
ومن الأحاديث الدالة على حرمة وأد البنات هو ما روي عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: “قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها ـ يعني الذكَرَ ـ أدخلَه اللهُ بها الجنة ) رواه أحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ أحمد شاكر”.
ولم يكتفِ النبيُّ الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنهي الشديد والتحريم عن وأد البنات، بل أنه حرص عبى ضرورة الاعتناء بهن، وذلك بهدف تصحيح مسار البشرية وإعادتها إلى طريق الإنسانية والرحمة الصحيح، وأيضاً تكريماً للبنات وحماية لهن وحفظاً لحقوقهن، بل وقد أمر سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة وعديدة بالإحسان إليهن، وقد وعد من يرعاهن ويحسن إليهن بالأجر الكبير والجزيل والمنزلة العالية في الجنة، ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: “قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَنْ عال جارتين (بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) “رواه مسلم.
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: “( دخلتْ امرأةٌ معها ابنتانِ لها تسأَل (فقيرة)، فلم تجدْ عندي شيئًا غيرَ تمرةٍ، فأَعطيتُهَا إيَّاها، فَقَسَمَتْهَا بينَ ابنتيْها ولم تأكُلْ منها، ثم قامتْ فخرجتْ، فدخلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا فأخبرته، فقال: من ابْتُلِي من هذهِ البناتِ بشيٍء كُنَّ لهُ سِترًا من النار )” رواه البخاري.
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ – وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني “.
ومن الأحاديث الدالة على ذلك الأمر هو ما روي عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “( مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة )، وفي رواية الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم يحدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عددا من البنات، فقال: ( مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كُنَّ له حجاباً من النَّار.
وقد قال النووي: ” قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من ابتلي بِشَيءٍ من البناتِ ) إِنَّمَا سَمَّاهُ اِبْتِلاء لأَنَّ النَّاس يَكْرَهُونَهُنَّ في الْعَادَ،ة وَقَالَ اللَّه تعالَى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم }( النحل الآية 58) “.
ومن الأحاديث الدالة على ذلك هو ما روي عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: “قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ )” رواه الترمذي .
وقول النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث: “( أو ) للتنويع لا للشك، ففي رواية جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن كان له ثلاثُ بناتٍ يُؤدِّبُهنَّ ويرحَمُهنَّ ويكفُلُهنَّ وجَبَت له الجنَّةُ ألبتةَ، قيل يا رسولَ اللهِ: فإن كانتا اثنتينِ؟، قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قال: واحدةً، لقال: واحدة ) رواه أحمد وصححه الألباني “.
ومن الأحاديث التي ذكرت كيفية الاهتمام بالبنات هو ما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: “قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( ليسَ أَحَدٌ من أمتي يعولُ ثلاثَ بنات، أو ثلاثَ أخوات، فيُحْسِنَ إليهنَّ إلا كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ ) رواه الطبراني وصححه الألباني “.
وقال المباركفوري: ” واختُلِفَ في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب، أو بما زاد عليه؟، والظاهر الثاني، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره “.
لقد رفع النبي الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيمة ومنزلة ومكانة البنات، حيث أنه جعل لمن رزقه الله بنات بالعديد من الفضائل والمِنح، ما تصل تجاهها الأعناق، وتهفو إليها القلوب.
فلكل من كان عائلٍ للبنات إن الله يبشِرك بحِجاب من النار، ويبشرك بدخول الجَنَّة بصُحْبة النبي الكريم المختار محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو القائل: “( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا حتَّى يَبِنَّ أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ – وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها )”.