أدب المهجر

اقرأ في هذا المقال


ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر العديد من الدوافع التي أدت بالأدباء العرب المسلمين، وكذلك غير المسلمين إلى الهجرة من بلادهم؛ بحثاً في دول أخرى عن حياة معيشية أفضل، وكذلك حرية أكثر وخصوصاً في مجال الكتابة الأدبية التي حرموا منها في أوطانهم بسبب الظلم العثماني المستبد.

تعريف الأدب المهجري

هو الأدب الذي أسسه أدباء عرب رحلوا عن بلادهم إلى دول أمريكا بسبب تردي الأوضاع الأمنية في بلادهم وكذلك تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وعمل العرب على إنشاء مؤلفات عديدة في دول المنفى أُطلق عليها أدب المهجر.

وكان أغلب الأدباء الذين هاجروا هم من لبنان وسوريا وكذلك فلسطين، وكان أغلبهم غير مسلمين و تمركزوا في كندا والولايات المتحدة وكذلك البرازيل، وقاموا على تأسيس حركات ومنظمات خاصة بهم كان الهدف من تأسيسها هو نهضة الأدب العربي، وتجديد اللغة العربية، ومن أبرز هذه المنظمات هي الرابطة القلمية بقيادة  جبران خليل جبران التي تأسست في أمريكا الشمالية، وعملوا جاهدين على رقي الأدب العربي والتطوير فيه.

نشأة مدرسة المهجر  

كثرت الهجرة من بلاد الشام إلى الأمريكيتين بسبب عدة عوامل منها ضعف السلطة العثمانية الذي أدى إلى انتشار الظلم بسبب سوء الإدارة مما دفع الناس إلى الهجرة بحثاً عن الأمن والاستقرار.

وعندما استقر العرب المهاجرين في دول المهجر تجمع الأدباء وقاموا على إنشاء مدرسة خاصة بهم، فظهر في أمريكا الشمالية مدرسة أدبية خاصة بقيادة جبران خليل جبران، وكانت تسمى بالرابطة القلمية،  وأخرى ظهرت في الجنوبية بقيادة شكر الله الجر وكانت تسمى العصبة الأندلسية.

أهم العوامل التي أدت إلى ظهور مدارس المهجر

1- الحرية: وجد الأدباء العرب الحرية التي افتقدها في أوطانهم في الدول الأمريكية، حيث استطاعوا من الكتابة بحرية مطلقة والتعبير عما يجول في خواطرهم والإبداع في ذلك دون محاسبة أو مراقبة.

2- الضعف في اللغة العربية: أدى الاختلاط بالمجتمع الغربي إلى ضعف باللغة العربية بشكل كبير، مما دفع بالأدباء العرب على تأسيس مدرسة المهجر.

3- الحفاظ على الهوية العربية: وكان هذا العامل هو السبب في الوحدة والالتفاف حول بعضهم في دول المهجر. 

4- التجديد: ظهر لدى الأدباء العرب في المهجر رغبة شديدة في التجديد والتطوير، وخصوصاً في أغراض الشعر وكذلك في بناء القصيدة.

5- الابتعاد عن التقليد: حيث حارب الأدباء العرب التقليد والابتعاد عن موروثات الأدباء القدامى التي لم تعد قادرة على خدمة متطلبات الزمن الحديث.

خصائص الأدب المهجري

1- الحنين: حين يكون الأدب هو ناتج في أرض الغربة فمن البديهي أن يكون مشبع بمشاعر الحنين للأوطان، والتحدث عن أرضه وسماءه وأيام الطفولة، ورسم مشاعر اللوعة والحزن الشديد على مفارقة هذه الأوطان.

2- المشاركة والاندماج مع الطبيعة: الطبيعة هي الملهم الأساسي للأديب والشاعر وهي الملجأ في لحظة الحزن والألم، وهذا الأمر انطبع بشكل كبير على أدباء وشعراء المهجر، حيث نراهم منغمسين في الطبيعة بشكل كبير يتحاورون معها ويتناقشون، وهي الملاذ لهم في كل الأوقات.

3- تأمل النفس البشرية: نظر الأدب المهجري إلى الإنسانية نظرة تحليل، حيث تعمق في خلجاتها محاولاً فهم ما يدور فيها، والرابطة القلمية في أمريكا الشمالية مهتمة بذلك أكثر من العصبة الأندلسية في أمريكا الجنوبية.

4- نشر المبادئ الأخلاقية: توجه الأدباء إلى التكلم عن الظلم والظالمين في مؤلفاتهم، حيث شجعوا إلى العدالة وترك الظلم الذي كانت سبب تشريدهم وهجرتهم من أوطانهم.

الخصائص الفنية للأدب المهجري

1- سهولة الألفاظ وهجر الألفاظ الغربية والتوجه إلى السهولة بالعبارة والوضوح في طرح المواضيع المطلوبة.

2- الوحدة الموضوعية: توجه أدباء المهجر إلى هذه الخاصية الفنية مقلدين فيها الأدباء الغربيين.

3- التركيز على الصورة الفنية: حيث تعبر عن مكنون الأديب بشكل دقيق واضح.

4- استخدام القصة: اتخذ أدباء المهجر القصة طريقة من طرق التعبير.

أبرز الكتب التي تحدثت عن أدب المهجر

1-” أدب المهجر دراسة تأصيلية تحليلية لإبعاد التجربة التأملية في الأدب المهجري”: قام بتأليف هذا الكتاب المؤلف صابر عبد الدايم، ويتناول في هذا الكتاب مدرسة المهجر، والتأمل في الأدب المهجري.

2-” قصة الأدب المهجري”: قام بتأليفه محمد خفاجي، وكان يتحدث عن الأدب المهجري وما هي المواضيع التي تناولها الأدباء في كتاباتهم.

3-” العرب في المهجر الشمالي مقدمة لدراسة الأدب المهجري”: قام بتأليفه محمد كفافي، يتناول هذا الكتاب الدوافع التي أدت إلى هجرة الأدباء ودفعهم إلى ترك أوطانهم.

أهم إنتاجات الأدباء النثرية

1- ذكرى الهجرة: تأليف الأديب توفيق ضعون.

2- من اللحد الى المهد: تأليف الأديب أنطون شكور.

3- المنقار الأحمر: تأليف الأديب شكر الله الجرّ.

4- ألف باللغة العربية: تأليف جبران خليل جبران.

5- همس الجفون: تأليف ميخائيل نعيمة.

6- الجداول: تأليف إيليا أبو ماضي.

7- أسرار البلاط الروسي: وهي مترجمة عن قصة روسية تأليف نسيب عريضة.

8- الأيوبيات: تأليف رشيد أيوب.

9- كتاب النبي: تاليف جبران خليل جبران.

قول توفيق الحكيم في الأدب المهجري

“أدبنا الحديث أدب مراحل بل هو أدب موجات متداخلة، الموجة الأولى سورية. قد اندفعت من سوريا ولبنان وهي موجة يمكن أن ندعوها بالكلاسيكية الجديدة، بعثت الحياة في الأدب عن طريق تلقيحها الأسلوب القديم ببعض الفكر الغربي، وهي موجة أنتجت الشدياق واليازجي وفرح أنطون. وأخرجت في مصر بعض شعراء الجيل الأسبق وكتابه.

“ولعل الرمز الأكمل هو تعريب البستاني للإلياذة. والموجة الثانية أميركية وهي التي انطلقت من المهجر. ففي المهجر، للمرة الأولى في أدبنا الحديث، ولدت المدرسة الرومانتيكية العربية وانبجس الشعر الغنائي والنثر الصوفي، حاملاً نسيم لبنان إلى الحضارة الأميركية ممثلاً في الريحاني وجبران ونعيمة وأبي ماضي.”

تأثر الأدب المهجري بالغرب

انعكس الحديث من تأثير وتأثر بين الأدب المهجري والغربي وأصبح مثل تابع ومتبوع، انصدم العرب بآداب ولغة وهوية أهل الغرب حيث يعود أصلهم إلى العثمانيون، وإذا انتقلنا إلى أدباء المهجر نجدهم يميلون إلى النزعة الغربية، مثال على ذلك جبران الذي كان يقول في صغره عندما ينهره أحد “ما لك وما لي أنا إيطالي” فقد كان مولع بالأدب الإنجليزي بشكل كبير، ومتأثر بشكسبير ووليم بليك كثيرًا.

وبخصوص أمين الريحاني قام بترجمة الكثير من القصائد الأمريكية مثل قصيدة ” وولت ميتمان ” وقام أيضًا باستخدام القافية في النصوص ويلبسها لسطور الشعرية بكل حرية وأطلق عليها مسمى الشعر المنثور، ومن نصوصه نص بعنوان إلى جبران يقول فيه:

” على شاطئ البحر الأبيض بين مصب النهر وجيب، رأيت نسوة ثلاثة يتطلعن إلى المشرق، الشمس كالجلنار تنبثق من ثلج كلل الجبل، امرأة في ثوب أسود، وقد قبل التهكم فمها الباسم، امرأة في جلباب أبيض نطق الحنان في عينها الدامعة، امرأة ترفرف بالأرجوان في صدرها نار تتأجج.”

وفي النهاية نستنتج أن أدب المهجر تطور وازدهر في دول المهجر، حيث وجدوا فيها حرية الكتابة والتعبير عما يجول في خلجات أنفسهم عكس ما عانوا في بلادهم من ظلم واستبداد وتقييد للحرية.


شارك المقالة: