فلسفة أرسطو في اتخاذ القرار والتفكير العلمي

اقرأ في هذا المقال


فلسفة أرسطو في النظرية الأخلاقية واتخاذ القرار:

يجب أن يكون واضحًا أنّه لا الفرضية القائلة بأنّ الفضائل تكمن بين النقيضين ولا الأطروحة القائلة بأنّ الشخص الصالح يهدف إلى ما هو وسيط يقصد منها أن تكون إجراء لاتخاذ القرارات، بينما تساعد مذاهب الوسيط في إظهار ما هو جذاب في الفضائل كما أنّها تساعد في تنظيم فهمنا للصفات التي هي فضائل.

بمجرد أن نرى أنّ الاعتدال والشجاعة والخصائص الأخرى المعترف بها عمومًا هي حالات متوسطة، فإنّنا في وضع يسمح لنا بالتعميم وتحديد الحالات المتوسطة الأخرى على أنّها فضائل، على الرغم من أنّها ليست من الصفات التي لدينا اسم لها.

يلاحظ أرسطو على سبيل المثال أنّ الحالة المتوسطة فيما يتعلق بالغضب ليس لها اسم في اليونانية، على الرغم من أنّه يسترشد إلى حد ما بالتمييزات التي تلتقطها المصطلحات العادية، إلّا أنّ منهجيته تسمح له بالتعرف على الحالات التي لا توجد لها أسماء.

بعيدًا عن تقديم إجراء لاتخاذ القرار يصر أرسطو على أنّ هذا شيء لا يمكن لأي نظرية أخلاقية القيام به، وتوضح نظريته طبيعة الفضيلة، ولكن ما يجب فعله في أي مناسبة معينة من قبل فاعل فاضل يعتمد على الظروف، وهذه تختلف كثيرًا من مناسبة إلى أخرى بحيث لا توجد إمكانية لإعلان سلسلة من القواعد مهما كانت معقدة والتي تحل بشكل جماعي كل مشكلة عملية.

هذه الميزة للنظرية الأخلاقية ليست فريدة من نوعها، حيث يعتقد أرسطو أنّه ينطبق على العديد من الحرف مثل الطب والملاحة.

يقول أرسطو أنّ الشخص الفاضل يرى الحقيقة في كل حالة، كونها معيارًا ومقياسًا لها، ولكن هذا النداء إلى رؤية الشخص الصالح لا ينبغي أن يؤخذ على أنّه يعني أنّ لديه بصيرة غير واضحة وغير قابلة للتواصل في الحقيقة، كما يعتقد أرسطو أنّ الشخص الصالح هو شخص جيد في المداولات والمشاورات.

ويصف المداولات بأنّها عملية تحقيق عقلاني، فالنقطة الوسيطة التي يحاول الشخص الصالح إيجادها هي ما تحددها الشعارات من مثل السبب أو الحساب، والطريقة التي يحددها الشخص صاحب العقل العملي.

إنّ القول بأنّ مثل هذا الشخص يرى ما يجب فعله هو ببساطة طريقة لتسجيل النقطة التي مفادها أنّ تفكير الشخص الصالح ينجح في اكتشاف الأفضل في كل موقف، وإنّه كما كان معيارًا ومقياسًا، بمعنى أنّ وجهات نظره يجب أن تعتبر موثوقة من قبل أعضاء آخرين في المجتمع، والمعيار أو الإجراء هو الشيء الذي يحل النزاعات، ولأنّ الأشخاص الطيبين ماهرون جدًا في اكتشاف الوسط في الحالات الصعبة، فإنّه يجب طلب مشورتهم والاستجابة لها.

على الرغم من عدم وجود إمكانية لكتابة كتاب قواعد، ومهما كان طوله سيكون بمثابة دليل كامل لاتخاذ القرارات الحكيمة، وسيكون من الخطأ أن ننسب إلى أرسطو الموقف المعاكس، أي أنّ كل قاعدة مزعومة تقبل استثناءات، بحيث أنّه حتى كتاب قواعد صغير ينطبق على عدد محدود من المواقف يعد أمرًا مستحيلًا.

كما يوضح أنّ بعض المشاعر (الحقد والوقاحة والحسد) والأفعال (الزنا والسرقة والقتل) هي دائمًا خاطئة بغض النظر عن الظروف، على الرغم من أنّه يقول أنّ أسماء هذه المشاعر والأفعال تعبر عن خطأهم، فلا ينبغي أن يُفهم على أنّه يعني أنّ خطأهم ينبع من الاستخدام اللغوي.

كما أنّه يدافع عن الأسرة كمؤسسة اجتماعية ضد انتقادات أفلاطون، وهكذا عندما يقول أنّ الزنا خطأ دائمًا، فإنّه يكون مستعدًا للدفاع عن وجهة نظره من خلال شرح سبب كون الزواج عادة قيمة و لماذا يقوض الجماع خارج إطار الزواج العلاقة بين الزوج والزوجة.

وبالمثل عندما يقول إنّ القتل والسرقة خطأ دائمًا، فإنّه لا يعني أنّ القتل والاعتداء غير المشروع أمران خاطئان، ولكن يجب تطبيق النظام الحالي للقوانين المتعلقة بهذه الأمور بصرامة، ولذلك على الرغم من اعتقاد أرسطو بأنّ الأخلاق لا يمكن اختزالها في نظام من القواعد مهما كانت معقدة، فإنّه يصر على أنّ بعض القواعد لا يمكن انتهاكها.

أرسطو وفلسفة نقطة البداية للتفكير العملي:

أنّ قرارات الشخص الحكيم عمليًا ليست مجرد حدس، ولكن يمكن تبريرها بسلسلة من التفكير، فهذا هو السبب في أنّ أرسطو يتحدث غالبًا بمصطلح القياس المنطقي العملي، ومع فرضية رئيسية تحدد بعض الخير الذي يجب تحقيقه، وفرضية ثانوية تحدد موقع الخير في بعض المواقف الحالية، وفي الوقت نفسه يدرك تمامًا حقيقة أنّ المنطق يمكن دائمًا تتبعه إلى نقطة البداية التي لا يمكن تبريرها من خلال المزيد من التفكير.

لا يتحرك التفكير النظري الجيد ولا التفكير العملي الجيد في دائرة، بحيث يفترض التفكير الحقيقي دائمًا ويتقدم بطريقة خطية من نقاط البداية المناسبة، وهذا يدفعه إلى طلب حساب لكيفية تحديد نقاط البداية المناسبة للتفكير، ويفترض التفكير العملي دائمًا أنّ المرء لديه بعض الأهداف، وهدفًا ما يحاول المرء تحقيقه، ومهمة التفكير هي تحديد كيفية تحقيق هذا الهدف.

لا يجب أن يكون هذا المنطق النهائي وسيلة بالمعنى التقليدي، حيث إذا كان هدف المرء على سبيل المثال هو الحل العادل للنزاع، فإنّه يجب على المرء تحديد ما يشكل العدالة في هذه الظروف الخاصة، ويكون هنا المرء منخرط في تحقيق أخلاقي ولا يطرح سؤالًا أساسيًا بحتًا، ولكن إذا كان المنطق العملي صحيحًا فقط إذا بدأ من فرضية صحيحة، فما الذي يضمن صحة نقطة البداية؟

يجيب أرسطو: “الفضيلة تجعل الهدف صحيحًا، والحكمة العملية هي الأشياء التي تؤدي إليه”، وبهذا لا يمكنه أن يقصد أنّه لا مجال للتفكير بشأن نهايتنا النهائية، لأنّه كما هو موضح فإنّه يقدم دفاعًا منطقيًا عن تصوره للسعادة كنشاط فاضل، وما يجب أن يفكر فيه عندما يقول أنّ الفضيلة تجعل الهدف صحيحًا، هو أنّ المداولات تنطلق عادةً من هدف أكثر تحديدًا بكثير من هدف تحقيق السعادة من خلال التصرف بذكاء.

من المؤكد أنّه قد تكون هناك مناسبات يتعامل فيها الشخص الطيب مع مشكلة أخلاقية بالبدء بفرضية أنّ السعادة تتكون من نشاط فاضل، ولكن ما يحدث في أغلب الأحيان هو أنّ الهدف الملموس يقدم نفسه كنقطة انطلاق له من مثل مساعدة صديق محتاج أو دعم مشروع مدني مفيد، فما هو المشروع المحدد الذي من الممكن وضعه لتحديد الشخصية؟

يبدأ الشخص الجيد من نهايات ملموسة جديرة بالاهتمام لأنّ عاداته وتوجهه العاطفي منحته القدرة على إدراك أنّ مثل هذه الأهداف في متناول اليد هنا والآن، وقد يمتلك أولئك الذين يعانون من عيوب في الشخصية المهارة العقلانية اللازمة لتحقيق غاياتهم وهي المهارة التي يسميها أرسطو الذكاء، ولكن غالبًا ما تكون الغايات التي يسعون إليها بلا قيمة، وسبب هذا النقص لا يكمن في بعض الضعف في قدرتهم على التفكير لأننا نفترض أنّها طبيعية في هذا الصدد، ولكن في تدريب عواطفهم.


شارك المقالة: