أشعار العباس بن الأحنف في الغزل

اقرأ في هذا المقال


نبذة عن العباس بن الأحنف:

العباس بن الأحنف بن الأسود يُنسب إلى قبيلة بني حنيفة اليمامي، ولد الشاعر سنة “130” للهجرة في نجد، وكان أهله في البصرة، فكان العباس بن الأحنف يخالف الشعراء في شعره، حيث أنه لم يمدح ولا يهجو بل كان شعره كله غزلاً فقد قال عنه البحتري: ( أغزل الناس العباس بن الأحنف)، يُعد العباس بن الأحنف من شعراء العصر العباسي وأيضاً يُعد من شعراء فحول الغزل، وعُرف عنه أنه كان شاعر غزل رقيق.

أشعار العباس بن الأحنف في الغزل:

عُرف العباس بن الأحنف أنّه لم يكتب لا في المدح ولا في الهجاء بل كتب في الغزل فهو مخالف للشعراء، حيث فكان مهذباً يمتاز شعره بالرقة والجمال، قد وقع العباس بن الأحنف في حب جارية وقال فيها أروع القصائد وأجملها، فقد قال في حب فوز التي أشعلت موهبة الشعرية وفجرت لديه صدق العاطفة، وقد وصف معاناة الحب لديه بصدق فكان يرسم صورةً جميلةً للحب الطاهر العفيف وكان الغزل في شعره رمز من رموز الغزل الخالد في الأدب العربي.

فقد قال في حب فوز:

غَضِبَ الحَبيبُ فَهاجَ لي اِستِعبارُ
وَاللَهُ لي مِمّا أُحاذِرُ جارُ
كُنّا نُغايِظُ بِالوِصالِ مَعاشِر
اًلَهُمُ الغَداةَ بِصَرمِنا اِستِبشارُ
إِذ لا أَرى شِكلاً يَكونُ كَشِكلِنا
حُسناً ويَجمَعُنا هُناكَ جِوارُ
وَكَأَنَّنا لَم نَجتَمِع في مَجلِسٍ
فيهِ الغِناءُ وَنَرجِسٌ وَبَهارُ
مَا كانَ أَشأَمَ مَجلِساً كُنّا بِهِ
تِلكَ العَشِيَّةَ وَالعِدا حُضّارُ
مَدَنِيَّةٌ أَمسى العِراقُ مَحَلَّها
وَلَها بِزَوراءِ المَدينَةِ دارُ
أَدنى قَرابَتِنا إِليها أَنَّنا
شَخصانِ يَجمَعُنا إِلَيهِ نِزارُ
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَذِّبُ قَلبَهُأَ
قصِر فَإِنَّ شِفاءَكَ الإِقصارُ
نَزَفَ البُكاءُ دُموعَ عَينِكَ فَاِستَعِر
عَيناً لِغَيرِكَ دَمعُها مِدرارُ
مَن ذا يُعيرُكَ عَينَهُ تَبكي بِها
أَرَأَيتَ عَيناً لِلبُكاءِ تُعارُ
الحُبُّ أَوَّلُ ما يَكونُ لِجاجَةً
تَأتي بِهِ وَتَسوقُهُ الأَقدارُ
حَتّى إِذا اِقتَحَمَ الفَتى لُجَجَ الهَوى
جاءَت أُمورٌ لا تُطاقُ كِبارُ

وَإِذا نَظَرتَ إِلى المُحِبِّ عَرَفتَهُ
وَبَدَت عَلَيهِ مِنَ الهَوى آثارُ

قُل ما بَدا لَكَ أَن تَقولَ فَرُبَّما
ساقَ البلاءَ إِلى الفَتى المِقدارُ

يا فَوزُ هَل لَكِ أَن تَعودي لِلَّذي
كُنا عَلَيهِ مُنذُ نَحنُ صِغارُ

فَلَقَد خَصَصتُكِ بِالهَوى وَصَرَفتُهُ
عَمَّن يُحَدَّثُ عَنكُمُ فَيَغارُ

هَل تَذكُرينَ بِدارِ بَكرٍ لَهوَنا
وَلَنا بِذاكَ مَخافَةٌ وَحِذارُ

مُتَطاعِمَينِ بِريقِنا في خَلوَةٍ
مِثلَ الفِراخِ تَزُقُّها الأَطيارُ

أَم تَذكُرينَ لِدُلجَتي مُتَنَكِّراً
وَعَلَيَّ فَروا عاتِقٍ وَخِمارُ

فَودِدتُ أَنَّ اللَيلَ دامَ وَأَنَّهُ
ذَهَبَ النَهارُ فَلا يَكونُ نَهارُ

أَفَما لِذَلِكَ حُرمَةٌ مَحفوظَةٌأُ
فٍّ لِمَن هُوَ قاطِعٌ غَدّارُ

سَأُقِرُّ بِالذَنبِ الَّذي لَم أَجنِهِ
إِن كانَ يَنفَعُ عِندَكِ الإِقرارُ

ما تَأمُرينَ فَدَتكِ نَفسي في فَتىً
ما تَلتَقي لِجُفونِهِ أَشفارُ

مَن كانَ يُبغِضُكُم فَباتَ مَبيتَهُ
إِنَّ الهَوى لِذَوي الهَوى ضَرّارُ

صَرَمَ الأَحِبَّةُ حَبلَهُ فَكأَنَّهُ
إِذ غادَروهُ وَضَرَّهُ الإِضرارُ

رَجُلٌ تَطاوَلَ سُقمُهُ في غُربَةٍ
نَزَحَت بِهِ عَن أَهلِهِ الأَسفارُ

لا يَستَطيعُ مِنَ الضَرورَةِ حيلَةً
أَمسى تُرَجَّمُ دونَهُ الأَخبارُ

حَتّى أُتيحَ لَهُ وَذاكَ لِحَينِهِ
رَكبٌ رَمَت بِهِمُ الفِجاجُ تِجارُ

حَمَلوهُ بَينَهُمُ نَحيلاً جِسمُهُ
عاري العِظامِ ثيابُهُ أَطمارُ

فثَوى تُقَلِّبُهُ الأَكُفُّ مُلَقَّفاً
وَلَهُ تُشَدُّ وَتوضَعُ الأَكوارُ

حَتّى أُتيحَ لَهُ وَذاكَ لِحَينِهِ
رَكبٌ رَمَت بِهِمُ الفِجاجُ تِجارُ

غَرِضوا مِنَ النِضوِ العَليلِ فَعَطَّلوا
مِنهُ الرِكابَ وَخَلَّفوهُ وَساروا

وله قصيدة أزين نساء العالمين هذه القصيدة تُجسد نموذجاً من نماذج الغزل العفيف، حيث تظهر فيها المحبة ولوعة الحب، فقد يقول فيها:

أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي
دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ
لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ بِعَبرَةٍ
تَسُحُّ عَلى القُرطاسِ سَحَّ غُروبِ
أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني
لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي
وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت
فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي
سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم
وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي
وَكُنتُم تَزينونَ العِراقَ فَشانَهُ
تَرَحُّلُكُم عَنهُ وَذاكَ مُذيبي
وَكُنتُم وَكُنّا في جِوارٍ بِغِبطَةٍ
نُخالِسُ لَحظَ العَينِ كُلَ رَقيبِ
فَإِن يَكُ حالَ الناسُ بَيني وَبَينَكُم
فَإِنَّ الهَوى وَالوِدَّ غَيرُ مَشوبِ
فَلا ضَحِكَ الواشونَ يا فَوزُ بَعدَكُم
وَلا جَمَدَت عَينٌ جَرَت بِسُكوبِ
وَإِنّي لَأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم
إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
وَأَسأَلُها حَملَ السَلامِ إِلَيكُمُ
فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي
أَرى البَينَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم
فَيا رَبُّ قَرِّب دارَ كُلِّ حَبيبِ
وَأَبيَضَ سَبّاقٍ طَويلٍ نِجادُهُ
أَشَمَّ خَصيبِ الراحَتَينِ وَهوبِ
أَنافَ بِضَبعَيهِ إِلى فَرعِ هاشِمٍ
نَجيبٌ نَماهُ ماجِدٌ لِنَجيبِ
لَحاني فَلَمّا شامَ بَرقي وَأَمطَرَت
جُفوني بَكى لي موجَعاً لِكُروبي
فَقُلتُ أَعَبد اللَهُ أَسعَدتَ ذا هَوىً
يُحاوِلُ قَلباً مُبتَلاً بِنُكوبِ
سَأَسقيكَ نَدماني بِكَأسٍ مِزاجُها
أَفانينُ دَمعٍ مُسبَلٍ وَسَروبِ
أَلَم تَرَ أَنَّ الحُبَّ أَخلَقَ جِدَّتي
وَشَيَّبَ رَأسي قَبلَ حينِ مَشيبي
أَلا أَيُّها الباكونَ مِن أَلَمِ الهَوى
أَظُنُّكُمُ أُدرِكتُمُ بِذَنوبِ
تَعالَوا نُدافِع جُهدَنا عَن قُلوبِنا
فَيوشِكُ أَن نَبقى بِغَيرِ قُلوبِ
كَأَن لَم تَكُن فَوزٌ لِأَهلِكَ جارَةً
بِأَكنافِ شَطٍّ أَو تَكُن بِنَسيبِ
أَقولُ وَداري بِالعِراقِ وَدارُها
حِجازيَّةٌ في حَرَّةٍ وَسُهوبِ
وَكُلُّ قَريبِ الدارِ لا بُدَ مَرَّةً
سَيُصبِحُ يَوماً وَهوَ غَيرُ قَريبِ
سَقى مَنزِلاً بَينَ العَقيقِ وَواقِمٍ
إِلى كُلِّ أُطمٍ بِالحِجازِ وَلوبِ
أَجَشُّ هَزيمُ الرَعدِ دانٍ رَبابُهُ
يَجودُ بِسُقيا شَمأَلٍ وَجَنوبِ
أَزوّارَ بَيت اللَهَ مُرّوا بِيَثرِبٍ
لِحاجَةِ مَتبولِ الفُؤادِ كَئيبِ
إِذا ما أَتَيتُم يَثرِباً فَاِبدَؤوا بِها
بِلَطمِ خُدودٍ أَو بِشَقِّ جُيوبِ
وَقولوا لَهُم يا أَهلَ يَثرِبَ أَسعِدوا
عَلى جَلَبٍ لِلحادِثاتِ جَليبِ
فَإِنّا تَرَكنا بِالعِراقِ أَخا هَوىً
تَنَشَّبَ رَهناً في حِبالِ شَعوبِ
بِهِ سَقَمٌ أَعيا المُداوينَ عِلمُهُ
سِوى ظَنَّهُم مِن مُخطِئٍ وَمُصيبِ
إِذا ما عَصَرنا الماءَ فيهِ مَجَّهُ
وَإِن نَحنُ نادَينا فَغَيرُ مُجيبِ
تَأَنَّوا فَبَكّوني صُراحاً بِنِسبَتي
لِيَعلَمَ ما تَعنونَ كُلُّ غَريبِ
فَإِنَّكُمُ إِن تَفعَلوا ذاكَ تَأتِكُم
أَمينَةُ خَودٍ كَالمَهاةِ لَعوبِ
عَزيزٌ عَلَيها ما وَعَت غَيرَ أَنَّها
نَأَت وَبَناتُ الدَهرِ ذاتُ خُطوبِ
فَقولوا لَها قولي لِفَوزٍ تَعَطَّفي
عَلى جَسَدٍ لا رَوحَ فيهِ سَليبِ
خُذوا لِيَ مِنها جُرعَةً في زُجاجَةٍ
أَلا إِنَّها لَو تَعلَمونَ طَبيبي
وَسيروا فَإِن أَدرَكتُمُ بي حُشاشَةً
لَها في نَواحي الصدرِ وَجسُ دَبيبِ
فَرُشّوا عَلى وَجهي أُفِق مِن بَليَّتي
يُثيبُكُمُ ذو العَرشِ خَيرُ مُثيبِ
فَإِن قالَ أَهلي ما الَّذي جِئتُمُ بِهِ
وَقَد يُحسِنُ التَعليلَ كُلُّ أَريبِ
فَقولوا لَهُم جِئناهُ مِن ماءِ زَمزَمٍ
لِنَشفيهِ مِن داءٍ بِهِ بِذَنوبِ
وَإِن أَنتُمُ جِئتُم وَقَد حيلَ بَينَكُم
وَبَيني بِيَومٍ لِلمَنونِ عَصيبِ
وَصِرتُ مِنَ الدُنيا إِلى قَعرِ حُفرَةٍ
حَليفَ صَفيحٍ مُطبَقٍ وَكَثيبِ
فَرُشّوا عَلى قَبري مِنَ الماءِ وَاِندُبوا
قَتيلَ كَعابٍ لا قَتيلَ حُروبِ



شارك المقالة: