أشهر شعراء الجاهلية

اقرأ في هذا المقال


تفرد رواد الأدب في الجاهلية بمقطوعاتهم التي تضمنت أفكار عميقة وَمفردات فصيحة حيث عُرف عنهم فصاحة اللسان والبلاغة التي تكونت نتيجة بيئة البداوة التي نشأوا فيها، وكان الشعر الوسيلة الفعَّالة من أجل التعبير عن إحساسِهم وتخليد ذكرياتهم وقد سطع نجم العديد من رواد الشعر في ذاك الوقت، الذين نظموا في الكثير من المواضيع واستخدموا أجمل التعابير والوصوف، وفي هذا المقال سنتحدث عن أبرز شعراء ذاك الوقت.

أبرز شعراء العصر الجاهلي

1- امرؤ القيس: من قبيلة كندة كان والده من أشراف القبيلة، ترعرع في حياة كلها رفاهية وترف، كان متَعلق كثيرًا بالخمر والكلام المنظوم الماجن وكان يصف تلك الحياة، حيث أجاد الوصف وكذلك الغزل وعُرف بمفرداته القوية وقيل عنه أنه من أفصح أهل الشعر في ذلك الوقت ومطلع مُعلقته:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

ومن المواضيع الشعرية التي تميز بها امرؤ القيس نذكر:

1- الغزل: عرف عن البدو حبهم الشديد للجمال ولا شيء عندهم يضاهي جمال الأنثى فحين يرونها يهيمون في حبها، ويتألم ألمًا شديدًا إذا فارق هذا الجمال وهذا الحب وراح أهل الشعر يتكلمون عن حبهم ويبكون من الفراق ويتغنون بصفات محبوباتهم.

وامرؤ القيس حاله كحال أهل الشعر العاشقين فقد بلغ الحب في قلبه أوجه وغزله لطيفًا مرهفًا، والقارئ لشعره يظن أنه كان متعلق بالنساء وَيعشقهن لكن هذا غير صحيح إذا كان عاشق للجمال وكان يستاء إذا انتهى يومه وحل المساء دون وجود من يأنس برفقتها وفي ذلك يقول:

له الويل إن أمسى ولا أم هاشم

قريب ولا البسباسة ابنة وشكرا

وهو شديد الهيام إذا رأى شيئا فأعجبه ومثال ذلك أنه أحب “هر” ابنة سلامة وعشقها حد الجنون ولقد برع في وصفها عندما قال:

وَفيمَن أَقامَ عَنِ الحَيِّ هِرّ

أَمِ الظاعِنونَ بِها في الشُطُر

وَهِرٌّ تَصيدُ قُلوبَ الرِجالِ

وَأَفلَتَ مِنها اِبنُ عَمروٍ حُجُر

رَمَتني بِسَهمٍ أَصابَ الفُؤادَ

غَداةَ الرَحيلِ فَلَم أَنتَصِر

فَأَسبَلَ دَمعي كَفَضِّ الجُمانِ

أَوِ الدُرِّ رَقراقِهِ المُنحَدِر

وَإِذ هِيَ تَمشي كَمَشيِ النَزيفِ

يَصرَعُهُ بِالكَثيبِ البُهُر

وعشق فاطمة ووصف جميع مواطن الجمال فيها وقال عنها:

أَفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ

وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِيْ فَأَجْمِلِي

وَإنْ كنتِ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّيْ خَليْقَةٌ

فَسُلِّيْ ثِيَابِيْ مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ

أَغَرَّكِ مِنِّيْ أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي

وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ

2- الخمر: يكثر من شربها وتمادى في ذكرها وعنها قال:

كأن المدام وصوب الغمام

وريح الخزامى ونشر القُطر

يُعل بها برد أنابيبها

إذا طرَّب الطائر المستحِر

كما يتحدث عنها في أبيات أخرى مبين الأثر الذي تتركه على من يقوم بتناولها:

أُنُفٍ كَلَونِ دَمِ الغَزالِ مُعَتَّقٍ

مِن خَمرِ عانَةَ أَو كُرومِ شَبامِ

وَكَأَنَّ شارِبَها أَصابَ لِسانَهُ

مومٌ يُخالِطُ جِسمَهُ بِسَقامِ

وَمُجِدَّةٌ نَسَّأتُها فَتَكَمَّشَت

رَتْكَ النَعامَةِ في طَريقٍ حامِ

3- الوصف: نظم امرؤ القيس في الوصف وأجاد في ذلك فكان يصف كل ما يراه حوله من بيئة وحيوان وسماء وغير ذلك، ومن شعر الوصف قوله معبرًا عن رحلة قام بها برفقة كلبه والناقة ويقول:

أَحارِ بنُ عَمروٍ كَأَنّي خَمِر

وَيَعدو عَلى المَرءِ ما يَأتَمِر

لا وَأَبيكَ اِبنَةَ العامِرِيِّ

لا يَدَّعي القَومُ أَنّي أَفِر

تَميمُ بنُ مُرٍّ وَأَشياعُها

وَكِندَةُ حَولي جَميعاً صُبُر

إِذا رَكِبوا الخَيلَ وَاِستَلأَموا

تَحَرَّقَتِ الأَرضُ وَاليَومُ قَر

وكذلك قام بوصف الخيل قائلاً:

وَأَركَبُ في الرَوعِ خَيفانَةً

كَسى وَجهَها سَعَفٌ مُنتَشِر

لَها حافِرٌ مِثلُ قَعبِ الوَليــ

ـدِ رُكِّبَ فيهِ وَظيفٌ عَجِز

لَها ثُنَنٌ كَخَوافي العُقا

بِ سودٌ يَفينَ إِذا تَزبَئِر

وَساقانِ كَعباهُما أَصمَعا

نِ لَحمُ حِماتَيهِما مُنبَتِر

2- عنترة بن شداد: عرف بالشجاعة لكنه منبوذ من أبيه ولم ينسبه إليه في البداية بسبب سواد بشرته وكان متيم بعبلة، لكنه حُرم منها فلقد رُفض بسبب بشرته وكان كثير الذكر لها في أشعاره وتغزل بها مما قاله بها:

طَوْرَاً يُجَرَّدُ لِلطِّعَانِ وَتَارَةً 

يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْرِمِ

 يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِي

 أَغْشَى الوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ 

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالرِّمَاحُ نَوَاهِلٌ

 مِنِّي وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطُرُ مِنْ دَمِي

تميز عنترة بنظم الشعر في مواضيع متنوعة ونذكر منها:

1- الفخر: يعتبر من أهم المواضيع التي نظم بها وبرزت في شعره بشكل كبير ومثال عليه قوله:

خلقتُ من الحديدِ أشدَّ قلباً

وقد بليَ الحديدُ ومابليتُ

وفي الحَرْبِ العَوانِ وُلِدْتُ طِفْلا

ومِنْ لبَنِ المَعامِعِ قَدْ سُقِيتُ

وَإني قَدْ شَربْتُ دَمَ الأَعادي

بأقحافِ الرُّؤوس وَما رَويتُ

2- الهجاء: كان مُقل في هجائه وكان يوجه هجائه للمجتمع الذي ظلمه ورفضه بسبب سواد بشرته كما أنه هجا أعداءه وخصومه بأبشع الصفات ومثال عليه قوله:

حَولي تَنفُضُ اِستُكَ مِذرَوَيها

لِتَقتُلَني فَها أَنا ذا عُمارا

مَتى ما تَلقَني فَردَينِ تَرجُف

رَوانِفُ أَليَتَيكَ وَتُستَطارا

وَسَيفي صارِمٌ قَبَضَت عَلَيهِ

أَشاجِعُ لا تَرى فيها اِنتِشارا

وَسَيفي كَالعَقيقَةِ وَهوَ كِمعي

سِلاحي لا أَفَلَّ وَلا فُطارا

3- الحماسة: برع في نظم ذلك الغرض الذي كان يشجع أفراد قبيلته لخوض المعارك والدفاع عن قبيلتهم، وكان بارع في وصف مشاهد المعارك التي يخوضها ومثال عليه قوله:

إِذا كَشَفَ الزَمانُ لَكَ القِناعا

وَمَدَّ إِلَيكَ صَرفُ الدَهرِ باعا

فَلا تَخشَ المَنيَّةَ وَاِلقَيَنها

وَدافِع ما اِستَطَعتَ لَها دِفاعا

وَلا تَختَر فِراشاً مِن حَريرٍ

وَلا تَبكِ المَنازِلَ وَالبِقاعا

وَحَولَكَ نِسوَةٌ يَندُبنَ حُزناً

وَيَهتِكنَ البَراقِعَ وَاللِفاعا

3- أعشى قيس: وعرف بذلك لقصر بصره في الظلام ولقد برع في الغزل ومن أقواله:

وصَلتَ صُرمَ الحَبلِ مِن

سَلمى لِطولِ جِنابِها

وَرَجَعتَ بَعدَ الشَيبِ

تَبغي وُدُّها بِطِلابِها

أَقصِر فَإِنَّكَ طالَما

أوضِعتَ في إِعجابِها

كما كان متميزًا في المدح ومثال على مدحه ما قاله في قيس بن يكرب: 

فَجِئتُكَ مُرتادَ ما خَبَّروا

وَلَولا الَّذي خَبَّروا لَم تَرَن

فَلا تَحرِمَنّي نَداكَ الجَزيلَ

فَإِنّي اِمرُؤٌ قَبلَكُم لَم أُهَن

وكان شديد الفخر بنفسه وقبيلته ومن أقواله في ذلك:

أبلغ يزيد بني شيبان مألكة

أبا ثبيتٍ أما تنفك تأتكل

نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية

جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل

4- النابغة الذبياني: لقب بالنابغة وسبب ذلك نظم الكلام في وقت متأخر من حياته لكنه أجادَه وأتقنه بشكل كبير، تميز بالعديد من الأغراض ومنها الغزل ويقول:

نَظَرَت بِمُقلَةِ شادِنٍ مُتَرَبِّبٍ

أَحوى أَحَمِّ المُقلَتَينِ مُقَلَّدِ

وَالنَظمُ في سِلكٍ يُزَيَّنُ نَحرَها

ذَهَبٌ تَوَقَّدُ كَالشِهابِ الموقَدِ

صَفراءُ كَالسِيَراءِ أُكمِلَ خَلقُها

كَالغُصنِ في غُلَوائِهِ المُتَأَوِّدِ

كما تميز في الحكمة وكان يضمن أبياته التجارب والأحداث التي مرَّ بها في حياته وما قاله في ذلك:

وَاِستَبقِ وِدَّكَ لِلصَديقِ وَلا تَكُن

قَتَباً يَعَضُّ بِغارِبٍ مِلحاحا

فَالرُفقُ يُمنٌ وَالأَناةُ سَعادَةٌ

فَتَأَنَّ في رِفقٍ تَنالُ نَجاحا

وَاليَأسُ مِمّا فاتَ يُعقِبُ راحَةً

وَلِرُبَّ مَطعَمَةٍ تَعودُ ذُباحا

وفي النهاية نستنتج إن الزمن الجاهلي كان يعج بالشُّعراء ورواد الكلام المنظوم الذين أجادوا النظم وتناولوا العديد من المواضيع، وساعدهم على ذلك فصاحته اللسان والبلاغة ومن أبرز شعرائها الأعشى وعنترة وامرؤ القيس وغيرهم. 


شارك المقالة: