إن لظاهرة الاغتراب منزلة مهمة عند بعض الفلاسفة والمفكرين العرب، وذلك باعتبارها ظاهرة معاصرة بشكل واضح، فهل كان الاغتراب موجود في الجاهلية؟
الاغتراب الاجتماعي في الشعر الجاهلي
إن الشعراء في العصر الجاهلي يكشفون لنا في أبياتهم الشعرية مدى فاجعتهم وشعورهم بالاغتراب، فنرى الشعراء يقفون على الأطلال ويتذكرون الماضي ويحنّون إليه، وينظرون إلى المنازل التي خلت من أهلها إلى مكان بعيد؛ وذلك للبحث عن الماء والغذاء، فإن الحياة في الجاهلية كانت عبارة عن ترحال دائم لا يهدأ، وهذا ليس شيء غريب عن الشعر الجاهلي، فالشعر الجاهلي جاء مقترناً بمصير الإنسان والسير في قدره.
ومن أنواع الغربة في الشعر الجاهلي عدم الإحساس بالوجود والكيان، وتتضمن الإنسان بشكل عام، في إطار الزمان والمكان، وهناك القليل من الشعراء من حاولوا التأكيد على امتدادهم الزمني.
وشعور الشعراء بأن حياتهم ستنتهي، وأن النعيم الذي هم فيه سوف يزول، يجعلهم يشعرون بأنهم غرباء في هذا الكون.
وإن هذا الشكل من الغربة يتضمن كافة الناس، فيشعرون باليأس الذي يأخذ من الإنسان قدرته على تحقيق نفسه وطموحاته.
فهؤلاء الشعراء يقومون بمحاولة تجاوز الأحداث، ويقومون بمواجهتها بشكل لا مبالي، ولكن في الحقيقة قد يبدو هذا مستحيل، فالإنسان بطبعه يجب أن يندمج مع أحداث الكون ويتأثر بها، وأن يقبل بعضها ويرفض بعضها الآخر، وهذا ناتج من عقله الذي خصّه الله به وميزه عن باقي الكائنات، وأيضاً ناتج من شعوره وأحاسيسه.
ومن جهة أخرى فإن ارتباط الشخص بالماضي يجعل منه في غربة عن الحاضر، فكل ما مضى لن يرجع، وعلى الرغم من قناعة الشعراء بأنَّ ما ذهب لن يعود، وأن كلَّ إنسان سيفنى ولكنهم ما زالوا مستمرين في البحث والاستفهام عن هذا الأمر في أشعارهم.