الرسائل الأدبية والتأليفية في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تأثر النثر والأدب الأندلسي بالنثر والأدب في المشرق العربي، وظهرت أصداء النثر العباسي حاضرًا في النثر الأندلسي، وقد تأثر الكثير من كتاب الأندلس بأسلوب الكتاب العباسيين أمثال الجاحظ وابن المقفع، والتوحيدي وغيرهم، وتناول أدباء الأندلس ما كان مشهورًا في المشرق العربي ومثال ذلك الوصايا والخطب والرسائل الأدبية والوصايا، وتميزوا في مجال الرسائل التأليفية، وفي هذا المقال سنتناول هذا الفن النثري بالدراسة والتوضيح.

تعريف الرسائل الأدبية في العصر الأندلسي

تُعرَف الرسائل الأدبية التأليفية بأنها من الفنون النثرية المستحدثة، وأهدافها والغاية المطلوبة منها متعددة، ويتم شرح الحقائق فيها بأسلوب القصص الخيالية، وتقوم بتصوير أحاسيس الناس ورغباتهم الخاصة والعامة، ومنها ما هو رسائل ديوانية وسياسية وكذلك شخصية.

موضوعات الرسائل الأدبية الأندلسية

تعددت مواضيع الرسائل الأدبية في العصر الأندلسي، حيث أنها في بداية نشأتها كانت عبارة عن صدى للرسائل المشرقية، وعندما تناولها أدباء الأندلس أبدعوا فيها وطوروها، ومن أهم موضوعاتهم ما يلي:

1- موضوع الهزل: سيطر هذا النوع من الرسائل على اهتمام الأب الأندلسي بشكل واسع، ويرجع سبب ذلك إلى الهزل والخفّة والتهكم التي تخللها، فهي تدفع القارئ إلى القراءة والمتابعة، وبرز في هذا النوع من الرسائل العديد من الكتّاب الأندلسيين، ومن أبرزهم محمد بن مسعود، تميز في هذا النوع من الرسائل وأبدع فيه، وفيما يلي رسالة له ينصح فيها ابنه ولكن بأسلوب هزلي تهكمي حيث يقول فيها:

“صح عندي أن العسل في تلك الجهة ممكن غير غال، ومنحط غير عال، فتناول إقامته وتركيبه، وأتقن صناعته وتربيبه، لقد نسيت يا بني أن أبعث إليك بنسخة في تربيب العسل المشروب، مطابقة للمرغوب، التقطتها مغتنمًا عن فلان.”

2- الزرزوريات: كان أول من بدأها وكتب في هذا النوع من الرسائل التأليفية هو أبو الحسين سراج بن عبد الملك، وهي عبارة عن رسالة يشفع فيها لرجل ويبعثها لأحد رجالات عصره المعروفين آنذاك، وهذا الرجل الذي يريد أن يشفع له يسمى بالزرزير تصغير لكلمة زوزور، لقد أثرت هذه الرسالة في نفس أبا الحسين، ولفت انتباهه اسم الرجل، واستلهم من اسم طائر الزرزور اسم لهذا النوع من الرسائل وأطلق عليها الزرزوريات وفيما يلي جزء من هذه الرسالة:

وافتني لسيدي وظهيري، لا زالت همته تعلو الهمم وتفوتها، ونفساته تغذو النفوس وتقوتها، رقعة خلع عليها سناه، وعنيت بحوكها يمناه، فجاءت كالحلة يضاحك الشمس إبريزها، ويحسن الروض تفوتيها وتطريزها، بدائع ينحط عن ذروتها البديع، ويقتبس من شقوتها الأشقر الصديع، سامرها الأدب معينًا، وخامرها الطبع معينًا، فجرت حورًا عينًا.”

3- الخيال: تميز الكاتب الأندلسي في هذا النوع من الرسائل التأليفية الخيالية، وكانت تتضمن على حوارات تدور بين الجمادات، ومن الأمثلة على هذا النوع من الرسائل، رسالة ابن برد الأصغر، وكانت تحتوي على حوار يدور بين السيف والقلم، وكذلك رسالة ألفها أبو بحر صفوان بن إدريس وكانت تتضمن حوار يدور بين مدن الأندلس، ولن ننسى رسالة ابن الشهيد الشهيرة وهي رسالة التوابع والزوابع.

4- الحب العذري: وهي رسائل تتطرق بالحديث عن داخل النفس البشرية وما يصاحبها من مشاعر، والذي يتناولها في البداية يظن أنها تتحدث عن العلاقة التي تربط المحبين، ولكن عندما يسترسل في القراءة يكتشف الغرض المراد من هذه الرسائل، وقد برز في هذا النوع من الرسائل ابن زهر الأندلسي.

5- الرسائل النبوية: وهي رسائل خطها الكتاب الأندلسيون عبروا فيها عن مدى حنينهم وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشوقهم للمدينة المنورة، وكانت ترسل هذه الرسائل مع أفواج الحجيج، وكما عرف عن الأحداث السياسية التي مرت بالأندلس وما رافقها من حروب وويلات جعلت أهل الأندلس يتقربون إلى الله، وجعلتهم يبتعدون عن ملذات الدنيا طمعًا بنعيم الجنة، وقد قاموا الحجاج بكتابة بعض الرسائل النبوية، عندما كانوا يعودون من رحلة الحج فيشعرون بعدها بالشوق والحنين لديار المقدسة، فيكتبون هذا النوع من الرسائل.

الخصائص الفنية للرسائل الأدبية التأليفية

1- يغلب عليها الجمل القصيرة السهلة، وكانوا يبتعدون عن الصنعة والتكلف عند كتابة هذا النوع من الرسائل.

2- كانت مليئة بالعواطف والأحاسيس، وخصوصًا عواطف الحب.

3- كان يلجأ كتاب هذه الرسائل إلى الاستشهاد بالشعر وذلك من أجل توضيح وتقريب المعنى المراد للمتلقي.

أبرز كتاب الرسائل الأدبية الأندلسية

1- ابن زيدون وكان مشهور بالرسائل الهزلية.

2- ابن خفاجة الذي تميز برسائل الوصف وخصوصًا تلك التي تعنى بوصف الطبيعة الأندلسية الخلابة.

3- ابن شهيد والذي برز في هذا النوع من الرسائل من خلال رسالته التوابع والزوابع.

4- ابن حزم الأندلسي ورسالته المشهورة طوق الحمامة في الألفة والألاف.

5- ابن الحسين بن عبد الملك الذي برز في الرسائل الزرزورية.

مقتطف من رسالة طوق الحمامة في الألفة والألاف

هي رسالة لابن حزم كتبها يرد بها على رسائل إليه من مدينة ألمرية، وكان يسأله أن يكتب له رسالة في صفات الحب ومعانيها وأغراضها، فكتب رسالته طوق الحمامة في الألفة والألاف وهي تتكون من ثلاثين باب، حيث يقول فيها:

“للحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي، فأولها إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها، والمعربة عن بواطنها، فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب، وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس.”

وفي النهاية نستنتج أن النثر الأندلسي تأثر بالنثر المشرقي بشكل كبير، ونتيجة لعدة عوامل سياسية وأدبية واجتماعية مرّت بها الأندلس لجأ علماء وأدباء الأندلس إلى التحرر من القيود المشرقية، واستحدثوا علومًا وأدبًا مستقلًا، ومن هذه الآداب فن الرسائل الأدبية التأليفية التي أبدعوا فيها بشكل واضح.


شارك المقالة: