الصورة الفنية في شعر ابن زيدون

اقرأ في هذا المقال


الكلام المنظوم إبداع جميل المفردات عذب التراكيب تعلوه الرهافة والمشاعر يذهب الألباب ويأسر الأفئدة ويرجع ذلك كله للصور التي تعد أساس المقطوعة، وأهل الشعر البارعين في حياكة الألفاظ والمعاني محملين قصائدهم بفيض من المشاعر هم الرواد الذين يُطبع كلامهم في كل نفس، ويورد الصور الفنية في مُنتجاتهم لتصبح قادرة على نقل فكرهم، لهذا نجد رواد النقد قد اهتموا بها كثيراً، وفي هذا المقال سنوضح الصورة الفنية في مقطوعات ابن زيدون.

أهمية الصورة عند القدامى والجدد

تتركز أهمية الصورة في أنها تفصح عن التجارب الشعورية التي تضفي للمقطوعة قيمة وتؤجج المشاعر لدى المستمع ليتمعن فيها، والجاحظ أفصح عن مواقفه من الصورة وتحدث:

” إن المعاني والألفاظ معروفة لدى الجميع باختلاف البيئة التي عاشوا فيها، والأمر المهم هو في تخير اللفظ المناسب المنسجم مع المعنى المراد والتعبير عنه من خلال الصورة الشعرية المناسبة له، فليس الشعر سوى لوحة ترسم فيها التصاوير الفنية. ” 

أما عن رأي قدامة بن جعفر: ” إن الشاعر في صياغة الشعر وتشكيله للمعاني وإخراجها على شكل صوراً شعرية داخل القصيدة، هو يشبه بعمله ذلك النجار الماهر الذي يستخدم الخشب لنِجارته. ”  

أما عند المحدثين نرى أن الصورة تفصح عن رؤى أهل الشعر وعن أحاسيسهم وأفكارهم وإبراز شخصيتهم وهي الطريقة الناجحة التي يلجأ إليها الأديب بهدف نقل تجربته الشعرية، ويقول إحسان عباس في ذلك: ” إن الصورة الشعرية هي بصمة كل شاعر تميزه عن غيره من الشعراء، إضافة إلى أن طريقة سبكها مختلفة بين الشعراء القدماء والمحدثين فهي مربط الشاعرية. “

وظيفة الصورة الفنية في شعر ابن زيدون

1- نقل تجربة الشاعر: رواد الكلام المنظوم مثلهم مثل أي شخص مرهف لديه مشاعر فيتوجه إلى الصورة ليتحدث عن تجربته، فهي القلم الذي يخط به أفكاره وأحاسيسه. 

2- تقوية المعنى في النفس: إن الصورة تعزز فهم المعنى وتعمقه في نفس المتلقي.

3- التوضيح: تقرب المعنى وتفسيره للمُتلقي بطريقة سهلة خالية من الغموض.

أنواع الصور الفنية عند ابن زيدون

1- الصور البيانية: كثرة الصور التشبيهية لديه، بحيث تتكون من أربع أجزاء هي: ” المشبه، المشبه به، الشبه، والأداة” وتُعد وسيلة مشاركة لأمرين أو أكثر، ومثال عليه قول ابن زيدون بِولادة بنت المستكفي:

أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا

وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا

أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا

حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا

مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ

حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا

أما الاستعارية اهتم بها الدارسين فهي تُبنى على الجمال والخيال، ومن خلالها يتمكن الشاعر من التعامل مع ثنايا الشعر، ومثال على الاستعارة عند ابن زيدون قوله:

ورد تألق في ضاحي منابته

فازداد منه الضحى في العين إشراقا

سرى ينافحه نيلوفر عبق

وسنان نبه منه الصبح أحداقا

كل يهيج لنا ذكرى تشوقنا

إليك، لم يعد عنها الصدر أن ضاقا

والكنَائية والتي وضحها القزويني بقوله: ” لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى له.” وهي أشكال من البلاغة والفصاحة، ولقد عجت أشعار ابن زيدون بها لتعبر عن مشاعره، ومثال عليه:

يا ساري البرق غاد القصر واسق به

من كل صرف الهوى والود يسقينا

2- الصورة البديعية: هذا النوع يُعيننا على التعمق بشعره والبحث في طياته عن مكامن الجمال في مقطوعاته وتستوقفنا براعته في استعمال المفردات وترتيب الأفكار، ومن أشكال المحسنات التي استعملها المطابقة، وهي الدمج بين أمرين ومثال عليها قوله:

إن الزمان الذي ما زال يُضحكنا

أناً بقربهم قد عاد يبكينا

وكذلك قوله:

من مبلغ المُبلسينا بانتزاحهم 

حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا

وكذلك أكثر ابن زيدون من استعمال الجناس ويقصد به التشابه بين كلمتين واختلافهم بالمعنى ومثال عليه:

أرخصتني من بعد ما أَغليتني

وحَططتني ولطالما أَعليتني

أنماط الصورة عند ابن زيدون

1- البصرية: قد أورد ابن زيدون الصورة البصرية في أبياته ليثبت فوائد البصر في تأكيد المعنى ومثال عليه قوله:

إني ذكرتك بالزهراء مُشتاقا

والأفق طلقٌ ووجه الأرض قد راقا

2- اللونية: تزيد من روعة وجمال الصور فهي تحمل دلالات نفسية ورمزية وقد لجأ ابن زيدون لهذه الصورة التي خدمته ومكنته من وصف حزنه لفقد من أحب ومثال عليه قوله: 

حالت لفقدكم أيامنا فغدت

سُودا وكانت بكم بيضاً ليالينا 

3- الحركية: هي أكثر أشكال الصور البصرية التي تتفجر جمالاً وروعة وهي التي تضفي على المنتج حيوية، ومثال عليه قول ابن زيدون:

تخال قضيب البان في طي بُرده

إذا اهتز منه مِعطفٌ وقوام

4- السمعية: تساعد هذه الصورة في تأسيس الصورة الشعرية من خلال سمعه لأصوات تدور حوله كالبيئة والإنسان وغيره، ومثال عليها قوله ابن زيدون: 

غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا

بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا

مصادر الصور الفنية عند ابن زيدون

1- البيئة: هي ملهمة الشعراء وملاذِهم فهو يسرح بفكره بمظاهرها الخلابة التي تسحر الألباب وتخطف القلوب ومثال عليها في شعر ابن زيدون في وصف النسيم:

وللنسيم اعتلال في أصائله

كأنه رقَّ لي فاعتلَّ إشفاقا

وأيضاً حديثه مع الغيوم والنجوم في قوله:

أَلَم يَأنِ أَن يَبكي الغَمامُ عَلى مِثلي؟

وَيَطلُبَ ثَأري البَرقُ مُنصَلَتَ النَصلِ

وَهَلّا أَقامَت أَنجُمُ اللَيلِ مَأتَماً

لِتَندُبَ في الآفاقِ ما ضاعَ مِن نَثلي؟

2- التراث: تعمق ابن زيدون في التراث وساعده ذلك على استعمال العديد منها في مؤلفاته ومثال عليه:

أنكث فيك المدح من بعد قوةٍ 

ولا أقتدي إلا بنا قضةِ الغزل؟

3- القرآن الكريم: استخدمه في مؤلفاته الكثير من صوره لتوضيح المعنى كقوله:

بِأَبي أَنتَ إِن تَشَأ تَكُ بَرداً

وَسَلاماً كَنارِ إِبراهيمِ

لِلشَفيعِ الثَناءُ وَالحَمدُ في صَوبِ

الحَيا لِلرِياحِ لا لِلغُيومِ

وَزَعيمٌ بِأَن يُذَلِّلَ لي الصَعبَ

مَثابي إِلى الهُمامِ الزَعيمِ

وَوِدادٌ يُغَيِّرُ الدَهرُ ما شاءَ

وَيَبقى بَقاءَ عَهدِ الكَريمِ

4- الشعر المشرقي: لقد استند على الشعر المشرقي من أجل توضيح المعنى ومثال عليه قوله:

يا خير من ركب الجياد

وسار في ظلّ اللواء

واجتال يوم الحرب قدماً

واحتبى يوم الحباء

بشراك عقبى صحّة

تجري إلى غير انتهاء

فهو يرتكز في بيته السابق على قول جرير:

أَلَستُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا

وَأَندى العالَمينَ بُطونَ راحِ

وَقَومٍ قَد سَمَوتَ لَهُم فَدانوا

بِدُهمٍ في مُلَملَمَةٍ رَداحِ

أَبَحتَ حِمى تِهامَةَ بَعدَ نَجدٍ

وَما شَيءٌ حَمَيتَ بِمُستَباحِ

وفي النهاية نستنتج أن الصورة الفنية مأخوذة من كل شيء حول ابن زيدون وتعددت لديه وتنوعت، وكانت مؤلفاته تعج بالمحسنات حيث استطاعت من توضيح مشاعره، وقد استمدها من البيئة والقرآن الكريم وغيره.


شارك المقالة: