الفكاهة في الأدب العربي

اقرأ في هذا المقال


الفكاهة جزء ضروري من الأدب ومهم في حياتنا وله منزلة روحية ومكانة اجتماعية تعمل على دعابة النفس وتعمل بتقاليد الحياة، والأديب البارع يجب أن يتوفر لديه القدرة على الفكاهة والوصول إلى أفئدة المتلقين وتكون بطريقة يتقبلها السامع بمتعة، وفي هذا المقال سنوضح الفكاهة وأنواعها في الأدب العربي.

الفكاهة في الأدب العربي

احتوى الأدب المشرقي على الفكاهة وكان كثير الحضور في الأغراض التقليدية وخصوصًا الهجاء، حيث يتجه الهاجي لذكر المهجو بطريقة تثير السخرية والهزل، واهتم أهل المشرق بها بشكل واضح؛ لأنها متعلقة بظروفهم الاجتماعية، وكانوا يواظبون على المروءة وهي القوة والجود ويستميتون من أجل السمعة الطيبة.

وأدباء المشرق قديمًا كانوا يتوجهون إلى مزج الدعابة بالجد وإدخَالِ الفكاهة بالثقافة وهذا ما قاله ابن قتيبة في مؤلفه عيون الأخبار: “ولم أخل هذا الكتاب من نادرة طريفة، وفطنة لطيفة، وكلمة معجبة، وأخرى مضحكة، لأروّح بذلك عن القارئ من كدّ الجدّ، وإتعاب الحق، فإن الأذن مجّاجة وللنفس حَمْضة، والمزح إذا كان حقًا أو مقاربًا ليس من القبيح ولا من المنكر.”

وكان للشاعر مكانة مرموقة لأن كلامه له وقع في حياة الأشخاص ولأن الأقوام تسخر كل طاقتها من أجل الدفاع عن شرفها وتندفع لنيل من شرف أعدائها، وهناك حروب أدبية مرافقة لحروب السيوف والمقاتلين فيها هم الأدباء الذين ينوبون عن قبائلهم في هجاء أعدائهم ووصفهم بأشكال تستدعي الضحك والتهكم، ومن الأدباء الذين تميزوا في ذلك جرير والفرزدق وكذلك الأخطل وما دار من سخرية في مقطوعاتهم حيث عجت حياة أهل المشرق ضحكًا وسخرية بسببها كقول جرير في الفرزدق محتقرًا إياه وحرفة أهله:

أَعدَدتُ لِلشُعَراءِ سُمّاً ناقِعاً

فَسَقَيتُ آخِرَهُم بِكَأسِ الأَوَّلِ

لَمّا وَضَعتُ عَلى الفَرَزدَقِ مَيسَمي

وَضَغا البَعيثُ جَدَعتُ أَنفَ الأَخطَلِ

أَخزى الَّذي سَمَكَ السَماءَ مُجاشِعاً

وَبَنى بِناءَكَ في الحَضيضِ الأَسفَلِ

بَيتاً يُحَمِّمُ قَينُكُم بِفَنائِهِ

دَنِساً مَقاعِدُهُ خَبيثَ المَدخَلِ

وَلَقَد بَنَيتَ أَخَسَّ بَيتٍ يُبتَنى

فَهَدَمتُ بَيتَكُمُ بِمِثلَي يَذبُلِ

إِنّي بَنى لِيَ في المَكارِمِ أَوَّلي

وَنَفَختَ كيرَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ

خصائص أدباء الفكاهة

تميز أدب الفكاهة ومؤلفيه بالعديد من السمات نذكر منها:

1- على الأديب الدراية كيف يضحك في الوقت الملائم وتوفر الإبداع لديه وانتزاع الضحك من المتلقين.

2- تواجد البديهة وهذا الشكل أساسي ويجب أن يتواجد أيضًا سرعة الاستجابة وتحويلها لموضوع فكاهي.

3- كشف سمات البشر وتناقضاتهم وحسن التبصر للمتلقي والتمكن من توظيفه أدبياً.

4- يجب أن يتمتع الأديب بحسن الوصف واستعمال الحكاية والحوار.

أهم المؤلفات التراثية التي تضمنت أدب الفكاهة

1- مؤلفات الجاحظ: اشتهر بتعلقه بالنوادر والفُكاهات ولم يتغلب عليه أحد حيث كان مرحًا صاحب نكتة مع أسلوبه المتقن وإجادته في النسج فقد كانت الطرافة غريزة فطرية في شخصيته، ومن أبرز مؤلفاته في ذلك: “البخلاء، رسالة التربيع والتدوير، فلسفة الجد والهزل، البرصان والعرجان والعميان والحولان.”

2- مؤلف ابن قتيبة: توجه إلى تقسيمِه لأبوابٍ كثيرة منها باب الفكاهة والدعابة الذي عَمِد إليه من أجل الترويح عن المتلقي بعد المجهود والتعب في كتابه: ” عيون الأخبار.”

3- مؤلف المبرّد: هو كتاب يتميز بأجزائه الأدبية ويتضمن الفكاهات التي وزّعَت على جميع مؤلفه ويظهر فيه تأثره بطريقة الجاحظ وكل ذلك كان من خلال كتابه ” الكامل”.

5- مؤلف ابن عبد ربه: كان أديبًا ملمًا لجميع العلوم وهو عبارة عن موسوعة علمية وجمع أشكال كثيرة من الكلام المنظوم والأدب النثري كالخطب والفكاهات من خلال كتابه ” العقد الفريد”

أمثلة على الفكاهة والهزل في الأدب العرب

1- عن أبي الحسن، قال رجل لجحا: سمعت من داركم صراخًا، قال: سقط قميصي من فوق، قال: وإذا سقط من فوق، قال: يا أحمق لو كنت فيه أليس كنت قد وقعت معه؟

2- مات جار لجحا، فأرسل إلى الحفار ليحفر له، فجرى بينهما لجاج في أجرة الحفر، فمضى جحا إلى السوق واشترى خشبة بدرهمين وجاء بها، فسأل عنها فقال: إن الحفار لا يحفر بأقل من خمسة دراهم، وقد اشترينا هذه الخشبة بدرهمين، لنصلبه عليها ونربح ثلاثة دراهم، ويستريح من ضغطة القبر ومسألة منكر ونكير.

3- جاء غلام إلى خالد بن صفوان بطبق خوخ إمّا أن يكون هدية، وإما أن غلامه جاء به من البستان، فلما وضعه بين يديه قال: لولا أني أعلم أنك أكلت منه لأطعمتك واحدة.

وفي النهاية نستنتج إن أدب الفكاهة عنصر هام في الأدب المشرقي حيث كان يلجأ إليه الأديب الماهر من أجل الترويح عن نفس المتلقي بعد مجهود وعناء، وبرز العديد من المؤلفات التي تضمنت أبواب للفكاهة فيها مثل كتاب الكامل، عيون الأخبار ومؤلفات الجاحظ وغيرها.


شارك المقالة: