تعدّدت فنون النثر العربي في الأندلس، فتناول الأندلسيون ما كان معروفاً في المشرق من خطب ورسائل ومناظرات ومقامات. وزادوا عليها بعض ما أملته ظروف حياتهم وبيئاتهم. وقد شاع فيهم تصنيف كتب برامج العلماء، التي تضمَّنت ذكر شيوخهم ومروياتهم وإجازاتهم. وكان للكتاب مزية الجمع بين النثر والشعر والإجادة فيهما.
الفنون الأدبية في العصر الأندلسي:
الخطابة:
كانت الخطابة وليدة الفتح، فقد استدعت الغزوات التي قام بها العرب المسلمون قيام الخطباء باستنهاض الهمم، أيضاً إذكاء روح الحماسة للجهاد في سبيل الله تعالى.
ولمّا تمزَّقت البلاد واستحالت إلى دويلات كثيرة واستعان بعض أصحابها بالأعداد، كان الخطباء يقفون في المحافل العامة للدعوة إلى لمِّ الشمل وترك التناحر.
ومُنذ عصر المرابطين حتى آخر أيام المسلمين في الأندلس، ظهرت الخُطب المنقمة ومنها التي تتضمن التورية بأسماء القرآن الكريم، كما في خطبة للقاضي عياض التي يقول فيها” الحمد لله الذي افتتح الحمد كلامه وبيّن في سورة البقرة أحكامة، أيضاً مدّ في آل عمران والنساء مائدة الأنعام ليتم أنعامه”.
الرسالة:
كانت الرسالة في القرن الأول من الفتح ذات أغراض محددة أملتها ظروف العصر. وكان لا يلتزم فيها سجع ولا تشويه، ثم حظيت كتابة الرسالة بكتاب معظمهم من فرسان الشعر، استطاعوا بما أوتوا من موهبة شعريّة وذوق أدبي أن يترقوا بأساليب التعبير وأن يعالجوا شتى الموضوعات، فظهرت الرسالة المتنوّعة ومنها الديوانيّة والإخوانيّة.
فمن الرسائل الديوانيّة رسالة أبي حفض أحمد بن برد “المعروف بالأصغر تمييزاً له من جده الأكبر”، من كتاب ديوان الإنشاء في دولة العامريين. وقد وجههالقوم طلبوا الأمان من مولاه واستخدم فيها الأسلوب الذي يخيف بالكلمة المشبعة بالوعيد.
ومن الرسائل الإخوانيّة رسالتا ابن زيدون الهزليّة والجديّة، أيضاً رسالة لسان الدين بن الخطيب إلى صديقه ابن خلدون في الشوق إليه.
وقد شاع استعمال لفظ “كتاب” عوضاً عن الرسالة، كما ورد في رسالة دوابية كتبها ابن عبد البر في “458هـ” إلى أحد إخوانه يعبّر فيها عن مدى إعجابه بأدبه.
المناظرة:
وهي فن يهدف الكاتب فيه إلى إظهار مقدرته البيانيّة وبراعته الأسلوبيّة. وهي نوعان خياليّة وغير خياليّة. فمن المناظرات الخياليّة مناظرة بين السيف والقلم لابن برد الأصغر. وقد رمز بالسيف لرجال الجيش وبالقلم لأرباب الفكر، ثم أجرى الحوار بينهما وانتهى فيه إلى ضرورة العدل في المعاملة بين الطائفتين.
ومن المناظرات غير الخياليّة ما تجري فيه المناظرات بين مدن الأندلس ومدن المغرب، كمفاخرات مالقة ويلا للسان الدين بن الخطيب. وكانت مالقة أيام الدول الإسلاميّة من أعظم الثغور الأندلسيّة، أمّا سلا فهي مدينة رومانيّة قديمة في أقصى المغرب. وقد فضّل الكاتب مالقة.