الفنون الأدبية في عصر الدول المتتابعة:
الشعر:
كثُر عدد الشعراء في هذا العصر كثرة تلفت النظر، لكن هذه الكُثرة العددية لم تكن تواكبها إجادة شعريّة متميزة، فكان الشعراء المجيدون قِلّة. ولم يتوقَّف موكب الشعراء أو ينقطع في الأعصر الأدبيّة كافة على تباين الظروف واختلاف الحُكام، بل ظلَّ يحتفظ بمكانته التقليديّة من الرعاية والعناية. وظلَّ الناس يكرمون الشاعر ويقدرونه، مع أنَّ هذه الظاهرة تبدو جلية في عصر الأيوبيين والمماليك وتغيّب في العصر العثماني، لا سيما في بلاطات الحاكمين.
صحيح أنَّ نور الدين الزنكي كان يميل إلى تقريب رجال الحديث والعلماء، أكثر ممّا كان يميل إلى الشعراء أو يغدق عليهم الأموال، لكنَّ صلاح الدين كان أكثر تذوّقاً للأدب من نور الدين وألين حجاباً. وقد روي عنه أنَّه كان يحفظ “الحماسة” لأبي تمام، كما كان يتمثّل بالشعر ويجيز الشعراء، حتى تقارطوا إلى بلاطه ونظموا فيه قصائد كثيرة واتبع خلفاؤه سنته، كما سار المماليك على النهج عينه.
فنون الشعر في عصر الدول المتتابعة:
لم تختلف الموضوعات الشعريّة في هذا العصر عن موضوعات العصور السابقة، من مدح وهجاء وفخر وغزل ورثاء ووصف وشكوى وما إلى ذلك، كما وجدت في هذا العصر موضوعات جديدة، هي:
أولاً: الموضوعات التقليديّة.
أخذ الشعراء في هذه الحقبة معاني القدماء وصاغوها صياغة جديدة، حيث سكبوها في القوالب التقليديّة المتداولة، فإذا وصف الشاعر القديم ممدوحه بأنَّه بحر، أو غيث، أو أسد، أو شمس، أو قمر، أو متوّج بتيجان الملوك، أو تقي، أو سليل أكارم وأماجد، أو حام للين وأهله، أو مُذل للشرك وقومه. و جاء الشاعر اللاحق فاتبع سنن الشاعر السابق من دون أنْ يحيد عماء جاء به قيد أنملة، كأن يضع نُصب عينيّة مقولة “ما ترك الأول للآخر شيئاً”.
ثانياً: الموضوعات المستحدثة.
إلى جانب هذه الموضوعات التقليديّة، ظهرت موضوعات أخرى تتصل أو بآخر بما سبق من موضوعات. وتتخذ لنفسها في الوقت ذاته، مساراً مختلفاً له حدوده وقيوده؛ ممّا جعل المتأمل فيها يصفها بالجديدة المستحدثة. ومن هذه الموضوعات ما يلي:
- المدائح النبوية والإستغفار.
- الشعر الصوفي.
- التأريح الشعري.
- الشعر التعليمي.
- الأحاجي والألغاز.
- شعر الحشيشة.
- النقد الاجتماعي.
ومن أشهر الشعراء الذين اشتهروا بالنقد : ابن قلاقس، ابن عنين، أبو الحسن الجزّار، البوصري، ابن دانيال، الحلّي، ابن سودون اليشبغاوي وعامر الأنبوطي.