المناظرات النثرية في الأندلس ونماذج عليها

اقرأ في هذا المقال


المناظرات أروع إنتاج فكري ثقافي، وهو من أقوى أسلوب الإقناع وفن الرد، ومعروف عن النفس الإنسان أنه يميل إلى فهم الأفكار عندما يتعرف على ضدها، وفي هذا المقال سندرج أهم المناظرات النثرية الأندلسية.

نماذج من المناظرات النثرية الأندلسية

كثُرت المناظرات في الأندلس وفيما يلي نماذج من المناظرات التي راجت في النثر الأندلسي:

مناظرة السيف والقلم لابن برد الأصغر

يقول ابن برد الأصغر في مناظرة السيف والقلم:

“قال السيف: عدنا من ذكر الطبيعة إلى ذكر الشريعة، ومن وصف الخصلة إلى وصف الملة، لا أسر ولكن أعلن، قيمة كل امرئ ما يحسن، إن عاتقاً حمل نجادي لسعيد، وإن عضداً بات وسادي لسديد، وإن فتى اتخذني دليله لمهدي، وإن امرءً صيرني رسيله لمفدي؛ يشق مني الدجى بمصباح، ويقابل كل باب بمفتاح، أفصح والبطل قد خرس، وأبتسم والأجل قد عبس؛ أقضي فلا أنصف، وأمضي فلا أصرف؛ أزري بالوفاء، وأهتك اللأمة هتك الرداء”.

“فقال القلم:  نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وقبحاً للتحلي بالجور، وتسود ما بيض الصفاء، وتكدر ما أخلص الإخاء، وتوكد أسباب الفتن، وتضرب بقداح الفتن، الحق أبلج، والباطل لجلج، إن فإنها في قدحها لمأمونة الطائر، محسود الباطن والظاهر، أحكُم فأعدِل، وأشهَد فأقبل؛ وترحل عزماتي شرقاً وغرباً ولا أرحل؛ أعدُ فأفي، وأستكفى فأكفي، أحلب الغنى من ضروعه، واجتني الندى من فروعه، وهل أنا إلا قطب تدور عليه الدور، وجواد شأوه يدرك الأمل، شفيع كل ملك إلى مطالبه، ووسيلته إلى مكاسبه؛ وشاهد نجواه قبل كل شاهد، ووارد معناه قبل كل وارد”.

رسالة ابن برد في تفضيل الورد

يقول ابن برد:

“قال النرجس الأصفر: الذي مهد لي حجر الثرى، وأرض عني ثدي الحيا، لقد جئت بها أوضح من لبة الصباح، وأسطع من لسان المصباح، ولقد كنت أسر من التعبد له والشغف به، والأسف على تعاقب الموت دون لقائه، ما أنحل جسمي، ومكن سقمي، وإذ قد أمكن البوح بالشكوى، فقد خف ثقل البلوى، ثم قام البنفسج فقال: على الخبير سقطت، أنا والله المتعبد له، والداعي إليه، المشغوف به، وكفى ما بوجهي من ندوب، ولكن في التأسي بك أنس”.

“ثم قام البهار فقال: لا تنظرن إلى غضارة منبتي، ونضارة ورقي ورقتي، وانظروا إلي وقد صرت حدقة باهتة تشير إليه، وعينًا شاخصة تندى بكاء عليه، ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي ثم قام الخيري فقال: والذي أعطاه الفضل دوني، ومد له بالبيعة يميني، ما اجترأت قط إجلالا له، واستحياء منه، على أن أتنفس نهارا، أو أساعد في لذة صديقا أو جارا، فلذلك جعلت الليل سترا، واتخذت جوانحه كنا”.

مناظرة أبي عمر الباجي على لسان البهار

قال أبو عمر الباجي في رسالة له على لسان البهار:

“أطال الله بقاء المقتدر بالله، مولاي وسيدي، ومعلي حالي ومقيم أودي، وأعِذني من خيبة العناء وعصمني معه من إخفاق الرجاء، ولا أشمت بي عدواً من الرياض يناصبني، وحاسداً من النواوير يراقبني، وقد علم الورد موقع إمارتي، وغنى بلطيف إيمائي عن عبارتي، وإنها تحية الزهر حياك بها، وخبيئة ذخرها لك وأهلك لها، وقد أتيت في أواني، وحضرت وغاب أقراني، ولم أخل من خدمتك رتبتي ومكاني، ولم أعر من الحضور بين يديك نوبتي وزماني”.

“وأنا عبد مطيع مسخر، ومملوك يتصرف مدبر، حقيق بأن يحسن إلي فأدنى، وجدير بأن تهتبل بي ولا أجفى، لأني سابق حلبة النوار، وأول طلائع الأزهار، وأنا ناظر الفضل وعينه، ونضار الروض ولجينه، وقائد الظرف وفارسه، وعاقد مجلس الأنس وحارسه”.

وقد ظهر أدب المناظرات في الأندلس، حيث تعتمد اعتماد كلي على الشعر وهي عبارة عن مبارزات شعرية، كان الهدف الرئيسي منها إبراز قدرة الشاعر على الارتجال في الشعر، ويكون المعنى والقافية مطابقةً تمامًا للخصم.

ويعتبر فن المناظرات أداة قوية لطرح الأفكار متغلبة بشكل قوي على طريق السرد العادية، ويجب توفر شروط بالمناظر ليكون قادر على المناظرة، مثل الربط بين الأحداث، قوة التكلم في الأسلوب واللغة، استغلال الموقف بما يفيد المناظرة.

وفي النهاية نستنتج أن المناظرات أروع نتاج فكري، وأفضل طريقة للإقناع التي تُبنى على الأدلة والبراهين، ازدهر هذا الفن في الأندلس وبرز في مجاله العديد من كّتاب الأندلس.


شارك المقالة: