اقرأ في هذا المقال
- الموسيقى العربية في الأندلس
- معاهد الموسيقى الأندلسية
- دور الموريسكيين في تطوير الموسيقى الأندلسية
- دور الجواري والقينات في تطور الموسيقى الأندلسية
تميزت بلاد الأندلس باهتمامها الكبير بالعلوم والآداب والثقافات، ولم يتوقف ذلك الاهتمام على العلوم، بل توجهوا إلى الفنون الأخرى المتعددة مثل الغناء والموسيقى، أحدثوا نقلة نوعية في مجال الموسيقى وأثّروا بالموسيقى المشرقية، وكذلك الغربية واشتعلت الموسيقى في أوروبا بشكل كبير.
الموسيقى العربية في الأندلس
دخل الإسلام إلى إسبانيا عام 713م وكانت بقيادة الخلافة الأموية التي جعلت من مدينة قرطبة عاصمة لها، وكانت سياسة هذه الخلافة مختلفة تمامًا عن الخلافة التي قامت في بغداد، وبذل المغاربة أقصى الجهود من أجل إقامة المدارس المتعددة الأغراض في الأندلس، وكان هدفهم التفوق على مدارس بغداد، وبذلك أصبحت مدينة قرطبة مركزًا موسيقيًا بامتياز.
ومن أبرز وأشهر أساتذة الموسيقى الذين سطع نجمهم في بلاد الأندلس زرياب، ويعتبر زرياب هو قائد وإمام الغناء والموسيقى العربية في الحضارتين العباسية والتي نشأت في بغداد، الحضارة الأموية التي نشأت في قرطبة، ولقد تعلَّم زرياب في مجالس العلم تحت إشراف إسحاق الموصلي، وتوجه إلى دراسة الموسيقى اليونانية وكذلك الموسيقى العربية، وكان على علم وإطلاع بفن الموسيقى التي مكنته من التفرد اللحني وحصوله على مكانة عالية في مجال الموسيقى لم يصل إليها أحد من قبله.
ولقد امتازت بلاد الأندلس بتنوع الآلات الموسيقية المستعملة في ذلك العصر ولجأوا إلى استعمال العود المتكون من خمس أوتار بدل أربعة، وزرياب هو من قام بتحسين هذه الآلة وزيادة وتر جديد لأوتارها الأربعة، وكما لجأوا إلى استخدام الشهرود والقيثار والكنارة والقانون والكمنجة والمزمار والمزهر والناي والشبابة وغيره من الآلات الموسيقية الكثيرة.
نتيجة لعدة عوامل ظهرت في الأندلس تمّ ظهور فن حديث من فنون الموسيقى وهو الموشح والزجل، عندما أحسَّ أهل الأندلس بحاجتهم في هذه البيئة الحديثة إلى التحرر من قيود الأوزان الشعرية التي التزموا بها أثناء غنائهم، وقد ظهر الموشح كي يتناسب مع الغناء والموسيقى دون الالتزام بعلوم القافية والعروض، ومثال على هذه الموشحات المشهورة والتي تحولت إلى وصلات غنائية ما تزال موجودة ومتداولة حتى يومنا هذا موشحة لسان الدين الخطيب والتي يقول فيها:
جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلمًا
في الكرى أو خلسة المختلس
إذ يقود الدهر أشتات المنى
ننقل الخطو على ما ترسم
زمرا بين فُرادى وثنا
مثلما يدعو الحجيج الموسم
في ليال كتمت سر الهوى
بالدجى لولا شموس الغُرر
ومع ظهور الترجمة الواسعة في الأندلس حيث نُقل من العربية إلى اليونانية أعظم ما كتبه المفكرين والأدباء والعلماء، مثل ابن سينا وابن رشد وكذلك الفارابي، وكما تم نقل وترجمة العديد من المؤلفات اليونانية إلى العربية وخاصة في النظريات والموسيقى، وتم كذلك ترجمة مؤلفات عربية إلى لغات غربية ومنها مؤلفات ثابت بن مرة، وابن باجة وإخوان الصفا وغيرهم الكثير.
وعند انهيار وانتهاء حضارة العرب في بلاد الأندلس توجه الكثير من أهل الأندلس إلى شمال أفريقيا، ونقلوا معهم ثقافاتهم وفنونهم إلى هذه البلاد، وتركت أثر كبير واضح وخصوصًا في مجال الموسيقى في هذه البلاد وما زال أثره قائم حتى الآن.
معاهد الموسيقى الأندلسية
تنوعت المعاهد المتخصصة في تدريس الموسيقى الأندلسية في بلاد الأندلس، وهذه المعاهد هي: معهد إشبيلية الذي تطور بشكل كبير وظهر في البلاد العربية وأطلقوا عليه مسمى المالوف، معهد في مدينة غرناطة الذي تطور في الجزائر، وكذلك المعهد الذي شيد في بلنسية، نمت هذه المعاهد التعليمية في المغرب، وكان لهذه المعاهد الثلاث أثر واضح في ازدهار وتطور الموسيقى في بلاد الأندلس.
دور الموريسكيين في تطوير الموسيقى الأندلسية
يعرف الموريسكيين أنهم مسلمون من أصل عربي أمازيغي جاءوا إلى الأندلس وتمركزوا في العديد من مدن الأندلس مثل قشْتالة وغرناطة ومدينة بلنسية وكذلك أراجون، وكانوا يعانون من الظلم والاضطهاد في الأندلس بعد ضعف الحضارة الإسلامية فيها وبعد سقوط المدن الأندلسية، وكان منهم من تم أخذ أبنائه منه عنوة وتنصيرهم من خلال تربيتهم في الكنائس التي تقوم على محو العقائد الإسلامية المترسخة في عقولهم وزرع مكانها الديانة النصرانية، وتم طردهم من الأندلس بقرار من الملك فيليب، وتوجه أغلبيتهم إلى المغرب، وتوجه جزء منهم إلى بلدان أخرى مثل تونس وليبيا والجزائر.
وتم نقل حضارة الموريسكيين وعلومهم وثقافتهم وفنونهم وخصوصًا فن الموسيقى الأندلسية إلى تلك البلاد، التي كانت تعيش بمراحل من التطور والازدهار حينها، وتعتبر المغرب من أكثر الدول التي قامت على استقبال الموريسكيين على أرضها ونجد إلى الآن مدن أندلسية حقيقية قائمة على أرض المغرب مثل مدينة تطوان وشفشاون.
دور الجواري والقينات في تطور الموسيقى الأندلسية
حظيت الجواري والقينات مرتبة رفيعة وعالية من العلوم والأدب والثقافة، وقد عملن على رفد الشعر في الأندلس والموسيقى بإبداعهن الذي كان له أثر كبير في بلاد الأندلس، ولقد اهتم أمراء وملوك الأندلس في الجواري المغنيات بشكل كبير، كما كانوا يتهافتون على شراء الجواري ذوات الجمال والأدب، واللواتي يتميزن بالصوت الشجي العذب وفي مقدمتهن جارية عبد الرحمن الداخل العجفاء التي تميزت بجمال وقوة شعرها وسعة أدبها وجمال صوتها، وكذلك قمر جارية إبراهيم بن حجاج، وقلم ومتعة وهنَّ من جواري زرياب الذي كان لهن شأن كبير في مجال الموسيقى وغيرهن الكثير.
وكانت الجواري تقوم على تدريب المغنيات وكذلك المغنين على العزف والغناء في مدرسة الموسيقى التي أسسها زرياب في قرطبة، وتخرج من هذا المعهد أشهر المغنيات مثل جارية أبي حفص بن قهليل.
وبرزن الجواري في مجال الشعر والتلحين، حيث عَمِلْن على تلحين المقطوعات الشعرية وغنائها بشكل جميل، واشتملت هذه المقطوعات على الغزل، والمديح وكذلك الحنين والشكوى من لوعة الفراق، ولم يكن غناء الجواري مقتصر على مقطوعات شعراء مشهورين، إنما عَمِلْن على غناء أشعار من تأليفهن، وتميزنَّ بتلحين هذه الأشعار بنفسهن، ومن أشهرهن جواري الحكم، والجارية بهجة التي قامت على تلحين أشعار عروة بن حزم وأشعار أبي تمام.
وفي النهاية نستنتج أن بلاد الأندلس أهتمت بالعلوم والآداب والثقافات وكذلك الفنون، قاموا بنقلة نوعية في مجال الموسيقى التي كان لها أثر واضح على الدول المجاورة لها، وقاموا على إنشاء العديد من المدارس الموسيقية في مدنها، وكان لزرياب دور بارز في ظهور وتطور الموسيقى في بلاد الأندلس من خلال المعاهد التي قام على إنشائها هناك وتدريب الفتيان والفتيات على الموسيقى والغناء.