شعرالغزل الجاهلي

اقرأ في هذا المقال


كان الزمن الجاهلي يعجّ بالأشكال الشعرية ومن أكثرها انتشاراً في ذلك الزمن هو الغزل بكافة أشكاله، واهتَّم به أهل الشعر كثيراً لما له من وقع في نفس المستمع، وفي هذا المقال سنتحدث عن الغزل في الجاهلية ونذكر أروع ما نظم في هذه الفترة.

شعر الغزل الجاهلي

تصدَّر الغزل مكانة رفيعة في هذه الفترة، وكانت تتناول جاذبية الأنثى ومواطن الحسن فيها، وقال عنه ابن سلام: “كان عبيد الله بن قيس الرقيات غزلا، وأغزَل من شعره شعر عمر ابن أبي ربيعة، وكان عمر يصرح بالغزل ولا يهجو ولا يمدح، وكان عبيد الله يشبب ولا يصرح، ولم يكن له معقود شعر وغزل كغزل عمر.”

بواعث الغزل في الجاهلية

1- يتغزل الشاعر ليصف ما يكنّه في نفسه من عشق للمحبوبة التي هام في حبها، ويصف مدى التعلق بجمالها فهو لا يرى غيرها أمامه معبراً عن مشاعره وما يعتريه جراء هذا العشق.

2- يتغزل بسبب ميله إلى وصف ما يختلج في إحساسه من مشاعر الحب، والوسيلة التي يعبر فيها أهل الشعر عن هذه المشاعر هي الكلام المنظوم وهي من أهم الأسباب التي تدفع بالشخص كي يتغزل.

قيمة شعر الغزل الجاهلي الفنية

الغزل ناتج عن أحساس بالحب ووصف نفسية العاشق المتيم حيث يمتاز بالصدق والعفوية لا تصنعَّ فيه، ويظهر فيه التمكن على التحدث وأيضًا يجعل المتلقي يشاركه الأحاسيس فيشعر المتلقي بأن الشاعر يصف مشاعر الناس جميعًا.

وكان المحب لا ينفك عن الغزل وإن طاله الأذى والمكروه من جراء قول فهو مجبر على هذا القول ولا خيار له أو بديل، ومثال على هذا أن الإصبع قد عرف بعشق بن الصمصامة لشقيقته وتدعى جنوب، فحلف أن يقتله تغزل بها أو ذكرها في أبياته، ولاكن بن الصمصامة لم يتمالك نفسه وتغزل بها ومن أبياته:

فما الحلق بعد الأسر شر بقيةً

من الصد والهجران وهي قريب

أحقًا عباد الله أن لست خارجًا

ولا والجًا إلا علىَّ رقيب 

ولا زائرًا وحدى ولا في جماعة 

من الناس إلا قيل أنت مُريب

وهل ريبة في أن تحن بخيبةٌ 

إلا إلفها أو أن يحن بخيب 

وكان أهل المشرق يغارون على نسائهم ويثأرُون لشرفهم إذا تم التغزل بنسائهم ويقتصون من الشاعر العاشق ويحرمونه من محبوبته، ومثال على ذلك قول أبو ليلى معزيًا قيس بن الملوح: “ما علمنا أن الأمر يبلغ كل هذا، ولكني كنت امرأ عربيًا أخاف من العار وقبح الأحدوثة ما يخافه مثلي، فزوجتها وخرجت من يدى، ولو علمت أن أمره يجري على هذا ما أخرجتها عن يده، ولا احتملت ما كان عليَّ في ذلك.”

ونرى أن العشق دفعت الشعراء إلى الغزل في زوجاتهم ولا يوجد هناك عقوبة تفرض على عشق الزوج لزوجته، ومثال على ذلك تغزل امرؤ القيس في زوجته:

حليليَّ مرا بي على أم جندب

لنقضى حاجات الفؤاد المعذب

فإنكما إن تُنظراني ساعة 

من الدهر تنفعني لدى أم جندب 

ألم ترياني كلما جئت طارقًا

وجدت بها طيبًا وأن لم تطبَّ

عقلية أراب لها، لا دميمةٌ

ولا ذات خلقٍ إن تأملت جانب

وتطرق الشاعر الجاهلي إلى ذكر مفاتن محبوبته والتغزل بها في أبياته دون حرج أو خوف، فلقد تعلق بذكر مفاتن جسدها ومثال على ذلك وصف قيس بن الخطيم لمحبوبته حيث أنشد:

ردَّ الخليطُ الجمال فانصرفوا 

ماذا عليهم لو أنهم وقفوا؟

فيهم لعُوبُ العِشاء أنسة الد

ل عَرُوبٌ يسوءها الخلُفُ

بين شُكول النساء خِلقِتُها

قصدٌ فلا جبلت ولا قضف

تغترقُ الطرف وهي لاهيةٌ

كأنما شفَّا وجهها نزف

حوراء جيدا يستضاء بها

كأنها خوط بانةٍ قصِف

ونرى امرؤ القيس أيضًا يصف بياض وجه محبوبته قائلاً:

ومثلك بيضاء العوارض طفلةٍ 

لعوبٍ تنسيني إذا قمتُ سِر بالي

إذا ما استحمت كان فيض حميمها

على متنتيها كالجمان لدى الجالي

كما تغزل الشعراء بجمال عيون محبوبتهم ما تحتويه من جاذبية ومعاني كثيرة تعبر عما يجول في داخل المحبين، ومثال على ذلك ما تحدث به امرؤ القيس مشبهًا عين محبوبته بعين الغزال قائلاً:

تصد وتبدي عن أسيل وتتقي 

بناظرة من وحش وجرة مطفل

وكانت نظرة المحبوبة وخاصة التي يكون فيها نعس فتانة في نظر المحبوب أكثر، وعن ذلك قال عدي العامري:

وكأنها بين النساء أعارها 

عينيه أحورُ من جآذر جاسم

وسنان اقصده النعاس فرنقت 

في عينه سِنَةٌ وليس بنائم

خصائص شعر الغزل في الجاهلية

1- بدء مقطوعاتِهم بالوقوف على الدِمن وذكر منازل المحبوبة والبكاء على أيام الوصل ورؤية المحبوبة، وغلبة هذه السمة على جميع الأنواع الشعرية في ذاك الوقت.

2- استخدام المفردات الفصيحة، ويرجع هذا السبب إلى لغة أهل الجاهلية التي مستمدة من البداوة والفصاحة.

3- تميزوا في الغزل الواضح الذي فيه شجاعة حيث تطرقوا إلى ذكر مفاتن محبوبتهم، كما تميزوا بذكر أكثر من محبوبة في قصائدهم فنجد أسماء عديدة تحتويه القصيدة الواحدة.

4- وصف المحبوبة الراغبة في محبوبة، فهي لا تخفي عشقها له، وغلب على الغزل الصفة القصصية فكأنها تروي الأحداث التي تدور بين العشق والمحبوبة.

غزل المرأة في محبوبها في العصر الجاهلي

تحدثت المرأة عن ما تكنه من مشاعر العشق والهيام لمحبوبها بأجمل المقطوعات، وتكاد تتفوق على الذكور في هذا المجال لما يحتويه شعرها من أحاسيس صادقة ونابعة من الوجدان، ونذكر منهم عُلية ومن أروع أبيتها:

بُني الحبُ على الجور فلو

أنصف المعشوق فيه لِسمج 

ليس يستحسن في الحكم الهوى

عاشق يحسن تأليف الحجج 

نماذج من شعر الغزل في العصر الجاهلي

“وفي الحي بيضاء العوارض ثوبها” لعلقَمة بن قيس شاعر المعروف بغزله وقصيدتُه في الغزل:

وفي الحَيِّ بَيضاءُ العَوارِضِ ثَوبُها

إِذا ما اسبَكرَّت لِلشَّبابِ قَشيبُ

وَعِيسٍ بَرَيناها كأنَّ عُيونَها

قَواريرُ في أذهانِهِنَّ نُضوبُ

ولستَ لإنسيٍّ ولكنْ لِمَلأَكٍ

تَنزَّلَ من جَوِّ السَّماءِ يَصوبُ

وأنتَ أزلتَ الخُنزُوانَة َ عنهمُ

بِضَربٍ له فوقَ الشُّؤونِ وجيبُ

وأنتَ الّذي آثارُهُ في عَدُوِّهِ

منَ البُؤسِ والنُّعمَى لهُنَّ نُدوبُ

“جفون العذارى من خلال البراقع” عنترة معروف بأبياته الرائعة وغزله بعبلة، ومن روائع الغزل لمحبوبته عبلة ما يأتي:

جُفونُ العَذارى مِن خِلالِ البَراقِعِ

أَحَدُّ مِنَ البيضِ الرِقاقِ القَواطِعِ

إِذا جُرِّدَت ذَلَّ الشُجاعُ وَأَصبَحَت

مَحاجِرُهُ قَرحى بِفَيضِ المَدامِعِ

سَقى اللَهُ عَمّي مِن يَدِ المَوتِ جَرعَةً

وَشُلَّت يَداهُ بَعدَ قَطعِ الأَصابِعِ

كَما قادَ مِثلي بِالمُحالِ إِلى الرَدى

وعَلَّقَ آمالي بِذَيلِ المَطامِعِ

لَقَد وَدَّعَتني عَبلَةٌ يَومَ بَينِه

وَداعَ يَقينٍ أَنَّني غَيرُ راجِعِ

وَناحَت وَقالَت كَيفَ تُصبِحُ بَعدَن

إِذا غِبتَ عَنّا في القِفارِ الشَواسِعِ

وَحَقِّكَ لا حاوَلتُ في الدَهرِ سَلوَةً

وَلا غَيَّرَتني عَن هَواك مَطامِعي

فَكُن واثِقاً مِنّي بِحسنِ مَوَدَّةٍ

وَعِش ناعِماً في غِبطَةٍ غَيرِ جازِعِ

وفي النهاية نستنتج أن أهل الشعر الجاهلي قد أبدعوا في مجال الغزل الذي كان يحمل في ثناياه ما يختلج في أفدت أهل الهوى من مشاعر واحاسيس أتجاه المحبوبة، وقد برزت في هذه الفترة العديد من الشعراء وكذلك الشاعرات الذين اجادوا في هذا النوع أمثال امرؤ القيس، وكذلك عُلية وغيرها الكثير.


شارك المقالة: