شعر المرأة في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


برزت الفترة العباسية بازدهار الحياة في جميع المجالات ويرجع سبب ذلك إلى عمليات الفتح واختلاط العجم بالعرب مما فتح الباب على مصراعيه من أجل تبادل الثقافات على اختلافها، وقد طال ذلك الكلام المنظوم والمنثور، وفي غُمرة هذه التطورات برز دور المرأة واضح في هذه الحياة، وسطع نجمها في مجال نظم الكلام، وفي هذا المقال سنوضح دورها في الشعر في تلك الفترة من الزمن.

موضوعات شعر المرأة في العصر العباسي

تنوعت الأشكال التي تناولتها المرأة في ذلك العصر حيث كانت مرافقة لذكور في أغلب المضامين فنراها مادحة وأيضًا مغازلة، ووصلت إلى الهجاء وهجت بلسان سليط، وسطعت في المراثي، كما تضمنت مقطُوعاتها حكمة تنم عن خبرة ودراية.

وتباينت الأنثى في مواضيع الكلام المنظوم، فنرى منهنَ من برع في المدح وأخرى تتميز بالرثاء وهكذا، من هؤلاء الشاعرات البارزات في تلك الفترة نذكر عُلية بنت المهدي ومن الأشكال التي نظمنَ فيها الآتي:

1- الغزل: تمكن الغزل من معظم رائدات الشعر في تلك الفترة وكان منهن القيان اللواتي تميزن في وصف هُيامهن بمحبوبهِن ورسم أجمل اللوحات له معبرات عن مدى عشقهم، نذكر مثال عليهن خديجة بنت المأمون حين أنشدت: 

بـاللَّه قـولنّ لِمَـن ذا الرشـا

المثقلُ الردفِ الهضيمِ الحشا

أَظـرف مـا كـانَ إذا مـا صَـحـا

وَأَمـلحُ النـاسِ إِذا ما اِنتشى

وَقَــد بــنــي بــرجَ حــمــام له

أرســل فــيــه طـائِراً مُـرعّـشـا

يـا لَيـتَـنـي كـنـتُ حـمـاماً لهُ

أَو بـاشِـقـاً يـفعلُ بي ما يشاء

لَو لَبِــس القــوهــيَّ مــن رقّــةٍ

أَوجــعــهُ القــوهــيُّ أو خـدَّشـا

كما تميزت عُريب بهذا أيضًا عندما تغزلت في معشوقها الذي هامت في حبه:

بأبي كل أصهب

أزرق العينين أشقر

وعندما نصل إلى مقطوعات عُلية بنت المهدي نرى مدى التميز والإبداع فيما نظمته في هذا بقولها:

يا ذا الَّذي أَكتَمُ حُبّيهِ

وَلَستُ مِن خَوفٍ أُسَمّيهِ

لَم يَدرِ ما بي مِن هَواهُ وَلَم

يَعلَم بِما قاسَيتُهُ فيهِ

تفصح عُلية بِهيامها لمحبوبها والعذاب والألم الذي تتجرعه جراء هذا الهيام وتقول في هذا الحب:

 بُنَيَ الحُبُّ عَلى الجَورِ فَلَو

أَنصَفَ المَعشوقُ فيهِ لَسَمُج

لَيسَ يُستَحسَنُ في حُكمِ الهَوى

عاشِقٌ يُحسِنُ تَأليفَ الحُجَج

لا تَعيبَن مِن مُحَبٍّ ذِلَّةً

ذِلَّةً العاشِقِ مِفتاحُ الفَرَج

وَقَليلُ الحُبِّ صَرفاً خالِصاً

لَكَ خَيرٌ مِن كَثيرٍ قَد مُزِج

ونرى فضل قد أفصحت عن المرحلة التي وصلت إليها في حبها لمحبوبها وأنها باقية على الوعد تبدله الأحاسيس والمشاعر وعن ذلك تقول:

نـعــم إلهــي إنــنــي بــك صــبــا

فـهـل أنـت يـا من لا عدمت مثيبُ

لمـن أنـت مـنـه فـي الفـؤاد مصور

وفـي العـين نصب العين حين تغيبُ

فــثــق بــوداد أنــت مــظـهـر مـثـل

عــلى أن بـي سـقـمـاً وأنـت طـبـيـبُ

2- الرثاء: أبدعت المرأة في هذا وخصوصًا أنه صادر عن عاطفة وحرقة اتجاه المتوفى وبرعت الأنثى في هذا أكثر من الرجال، حيث كان بكائها صادق نابع عن حرقة لها وقع في قلب المتلقي، ومثال على هذا بكاء ليلى بنت طريف على شقيقها:

تل نهائي رسمُ قبر كأنه

 على جبلٍ فوق الجبال مُنيفِ

تضمنَ مجداً عُدمُليّاً وسؤدداً 

وهمةَ مقدام ورأيَ حصيف

فيا شجرَ الخابُور مالك مورقاً

 كأنّك لم تجزع على ابنِ طريفِ

فتىً لا يحب الزّادَ إلاّ من تقى 

ولا المالَ إلاّ من قنا وسيوفِ

ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم

 معاودةٍ للكراتين صفو 

فكأنك لم تشهد هناك ولم تقم

 مقاماً على الأعداء غير خفيف

ونرى الرثاء في مقطوعات الجواري ونذكر منهن عنان وبكائها على سيدها وتقول:

نـفـسـي عـلى حـسـراتـهـا موقوفةٌ

فـوددتُ لو خـرجـت مـع الحـسـراتِ

لو فـي يـديَّ حـسـاب أيّـامـي إذن

لصَــرَفــتُهُــنّ تــعــجّــلاً لوفـاتـي

لا خير بعدك في الحياةِ وإنّما

أبـكـي مـخـافـةَ أن تطول حياتي

أما أبيات زهرة الكلابية فكان له وقع في نفس المستمع عندما بكت بعلها وقالت:

تأوَّهتً مِن ذِكرى اِبن عمّي ودونه

نقاً هائلٌ جعد الثرى وصفيحُ

وَكنتُ أَنامُ اللّيلَ مِن ثِقتي بهِ

وَأَعلمُ أَن لا ضيمَ وهو صحيحُ

فَأَصبحتُ سالمتُ العدوّ ولم أجد

منَ السلمِ بدّاً والفؤاد جريحُ

كما ظهرت حرقة وألم زبيدة بنت المنصور جراء فقدها لولدِها وتبكيه قائلة:

لخيرُ إمامٍ قامَ من خير عُنصُرِ

وأفضل راقٍ فوق أعوادِ منبرِ

ووارثُ علمِ الأولينَ ومُلكِهم

وذاك هم المأمونُ من أمٍّ جعفرِ

كتبتُ وعيني تستهلُّ دموعُها

إليك ابن عمي من جُفوني محجري

أُصبتُ بأدنى الناس منك قرابة

ومَن هوَ لي روحي فعيل تصبّري

أتى طاهرٌ لا طهّر الله طاهراً

فما طاهرٌ في فعله بمطهَّر

فأبرزني مكشوفة الوجه حاسراً

وأنهبَ أموالي وخرّب أدوُري

يعزّ على هارون ما قد لقيتُه

وما مرّ لي من ناقص الخلق أعور

تذكّر أمير المؤمنين قرابتي

فديتُك من ذي قرابة متذكّر

3- المدح: كان لرائدات الشعر بصمةٌ واضحة في هذا المجال، وكانت صادقة في مدحها لأنها لم يكن لديها مطامع مادية، ومدحنَّ ولاة الأمر من أجل نيل الرضا والتقرب، ومثال على هذا ما خطته ريشة عُلية في الأمين:

يا اِبنَ الخَلائِفَ وَالجَحاحِجَةِ العُلى

وَالأَكرَمينَ مَناسِباً وَأُصولا

وَالأَعظَمينَ إِذا العِظامُ تَنافَسوا

بِالمَكرُماتِ وَحَصَّلوا تَحصيلا

وَالقائِدينَ إِلى العَزيزِ بِأَرضِهِ

حَتّى يَذِلَّ عَساكِراً وَخُيولا

وفي أبيات الجواري نرى مدح ولاة الأمر بهدف نيل الرضا مثال على ذلك ما رسمته سَكن في الخليفة المعتصم قائله:

إن الإمام إذا أرقا إلى بلدٍ

أرفأ إليه بعمران وإيناس

أما ترى الغيث قد جاءت أوائلهُ

والعود نظر الذرى مستورق كاس

وأصبحت سر من رأى دارًا المملكة 

مختلطة بين أنهار واغرس

يا غارس الآس والورد الجني بها

غرس الأمام خلاف الورد والآس

ونرى الحجناء بنت نصيب تبرع في هذا وتمدح بنت المهدي قائله:

أَتيناكِ يا عبّاسة الخيرِ لي حمى

وَقَــد عـجـفـت أمّ المـهـاري وَكـلّتِ

وَمـا تَـرَكـت مـنّـا السـنـونُ بـقيّةً

سِـوى رمّـةٍ مـنّـا مـن العهـد رمّـتِ

فَـقـالَ لَنا مَن ينصحُ الرأي نفسه

وَقَــد وَلّتِ الأمــوالُ عـنّـا فـقـلّتِ

عَليك اِبنة المهديّ عادي بِبابها

فَـإنّ مـحـلّ الخـيـرِ فـي حـيـثُ حلّتِ

أما بدعة نراها دمجت بين المدح والغزل في مدحها المعتصم.

ما ضَـرَّكَ الشيبُ شيئاً

بلْ زِدتَ فيهِ جَمـــــالا

قــد هذَّبـَـتـكَ اللـيالي

وزدتَ فـيـهــا كَــمــالا

فــعِشْ لــنا في سُرورٍ

وانْــعَمْ بعيشِكَ بــ إلا

فــي نعــمةٍ وسُرورٍ

ودَوْلـــةٍ تــتعــالَـــى

4- العتاب: أبدعت الشاعرة في المعاتبة وخاصة عتاب من تحب، ومثال عليه عتاب عنان للرشيد قائله:

كُـنـتُ فـي ظِـلِّ نِـعـمَةٍ بهواكا

آمِـنـاً مِـنـكَ لا أَخافُ جفاكا

فَـسَـعَى بَينَنا الوشاةُ فأَقررتَ

 عـيـونَ الوشاةِ بي فَهناكا

ولعمري لغيرِ إذا كان أَولى

بِكَ في الحقِّ يا جُعِلتُ فِداكا

وفي النهاية نستنتج أن الشواعر في الزمن العباسي قد واكبنَّ التطور الأدبي الذي برز في ذاك الزمن وسطع نجمهنَّ في مجال نظم الكلام وبرزن في أشكاله، وكانت منافسة للشعراء في أغلبها ومن الشواعر البارزات في تلك الفترة نذكر الجارية سَكن وعُلية.


شارك المقالة: