اقرأ في هذا المقال
إن مواطن الجمال في هذه الحياة كثيرة ومتعددة، وهي تلفت انتباه الأدباء والشعراء وغيرهم، ولكن تصوير هذا الجمال والتعبير عنه مقتصر على الكتابة سواء أكان بطريقة نثرية أو شعرية، فالشاعر والكاتب يستطيع وصف هذا الجمال في مؤلفاتهم بطريقة رائعة، ومن مواطن الجمال في هذه الحياة التي تطرق إلى ذكرها الأدباء والشعراء هو الجمال الأنثوي الذي سيطر على الشعراء العرب وتمكن منهم وأخذوا يتغنون بهذا الجمال.
صورة المرأة في الأدب العربي
قال الفلاسفة القدامى عن الجمال: “إن النفس البشرية خلقت من عنصر الحسن وَجبلت من فن الجمال، وفي هذا الكلام شيء من الحق غير قليل، وإلا فَبماذا تفسرون هذه اللذة السامية التي تشعر بها النفوس جميعاً كلما شاهدت مرأى جميلاً من مرائي هذا الكون البهيج”. وأيضاً أكد ابن قتيبة أن الله زرع في تركيب الإنسان محبة للنساء في قوله:
“وسمعت بعض أهل الأدب يذكر أن مقصد القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار، فبكى وشكا وخاطب الربع واستوقف الرفيق ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها، ثم وصل ذلك بالنسيب فشكا شدة الوجد وألم الفراق وفرط الصبابة والشوق ليميل نحوه القلوب، ويصرف إليه الوجوه ولِيستدعي به إصغاء الأسماع إليه، لأن التشبيب قريب من النفوس لائط بالقلوب لما قد جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء، فليس يكاد يخلو أحد منه من أن يكون متعلقاً منه بسبب وضارباً فيه بسهم حلالاً أو حرام.”
ومن كلام ابن قتيبة يَتوضح لنا أن الغزل يسيطر على النفس البشرية وهو يدخل في تركيب البشر التي زرعها الخالق في نفوس العباد، فنرى أن الجميع تطرق إلى الغزل سواء أكان في القديم أو حديثاً، وكذلك ظهر الغزل في القصائد ولكن النظرة لأغراض الغزل قد اختلفت في النظم القديم والنظم الحديث ولكل فترة منهم طريقة وأسلوب للتعبير عن صورة المرأة المتمثل بملامح الجمال الجسدي والمعنوي فيها.
صورة المرأة في الموروث الشعري القديم
1- الصورة المادية: إن التطرق للكلام عن الجسد يقودنا إلى مواضع الجمال فيه، والجمال هو قديم وجد منذ وجود البشر على هذه الأرض فهو ليس حديثاً، وتطرق إليه الإنسان بشتى الطرق من أجل إدراكه، وقال أفلاطون أن فهم الجمال يكون على مرحلتين مرحلة الحس ومرحلة الإدراك:
أ- مرحلة الحس: يبلغ المعجبون هذه المرحلة بالنظر أو السمع، وهذه الطريقة هي المسيطرة على الأمم، فهم يرون مواطن الجمال من خلال الأشكال والأصوات.
ب- المرحلة الثانية مرحلة الإدراك: مرحلة وصل فيها المعجب إلى مرحلة فهم الحقائق، ويدل ذلك إلى أن الناس تتفق في الارتباط بالجمال من حيث المبدأ.
ولقد نظم الشاعر القديم في جمال المرأة على الرغم من محاولتها في القديم من إخفاء مفاتنها ومواطن الجمال فيها، ولكنها لم تقدر على إخفاء ذلك في قوامها وقدّها الممشوق لكن الشعراء نظروا لها ناظرة سامية ومقدسة.
ولكن هناك من أهل الشعر من تكلم عن مفاتن المرأة وأماكن الجمال فيها قاصدًا بذلك التفاخر أمام رفاقه وأنه قادر على الوصول لقلوب النساء وذكر مواطن الجمال فيها في أشعاره، من الشعراء القدامى الذين تغنوا بجمال المرأة امرؤ القيس حيث قال:
مهفهفة بيضاء غير مفاضةٍ
ترائبها مصقولةٌ كالسجنجل
تصلُّو تبُدي عن أسيلٍ وتتَّقي
بناظرةٍ من وحشٍ جزيرة مطفْل
وجيدٍ كجيد الريم ليس بفاحش
إذا نصّته ولا بمعُطل
وفرعٍ يزين المتن أسود فاحم
أثيثٍ كقنو النخلة المتعثكل
2- الصورة المعنوية: كما تناول الشعراء القدامى مواطن الجمال الجسدي في المرأة فلقد تطرقوا إلى ذكر الجمال المعنوي فالمرأة تتصف بصفات خلقية وجمال الروح، كانت المرأة المشرقية تمتاز بالعفة والحياء وهذه الصفات يعشقها الشعراء وتعلقوا بالمرأة التي تتصف بها.
ونجد الشاعر يتجه إلى وصف المرأة وصفًا معنويًا في أجمل وأبهى الصور الشعرية، ومنهم من تحدث في أشعاره عن عفة زوجته وحيائها أمثال الشنفري حيث قال:
لقد أعجبتني لا سقوط قناعها
إذا مشت ولا بذلت تلفُّت
تحِلُّ بمنجاةٍ عن اللوم بيتها
إذا ما بيوت بالمذمة حلّت
كأن لها في الأرض نْسياً تقُصُّه
على أُمها وإن تُحدِّثك تبلت
أميمة لا يخزي نثاها حليلُها
صورة المرأة في الشعر العربي الحديث
ظهرت أحداث التحرر المشرقي لترسم طريقها بشكل ملحوظ بسبب الوعي والإدراك والاحتياج المُلح إلى التغيير، وفي وسط حركات التحرر كان للمرأة موقعًا مهماً، حيث أصبح لها دور ومساحة في المجتمع، وأخذت المرأة تظهر بشكل جديد مغاير لتلك الصورة القديمة التقليدية التي برزت في الأدب المشرقي القديم حيث ظهرت في العصور المعاصرة الحديثة صورة المرأة المليئة بالحرية.
ومن أبرز الشعراء المحدثين الذين دافعوا عن المرأة وحقها في توضيح مشاعرها ومتطلباتها وكسر قيود التي فرضت على المرأة هو الشاعر نزار قباني ويقول نزار في أحد أحاديثه: “قد تكون قصائدي غيرت شيئاً في بنية المجتمع العربي ونسيجه، وقد تكون ساعدت المرأة في التخلص من ضعفها ودونتها، ودكتاتورية الذكور فإذا اعترفت المرأة بما فعلته من أجلها فشكراً لها، وإذا لم تعترف فشكراً لها أيضاً.”
وكانت الأنثى لها حضور كبير في قصائد نزار قباني نراه يتحدث عن الأنثى الأم وكذلك الأخت والحبيبة فهي بمثابة دم يسري في عروقه، ونراه في قصائد كثيرة يتحدث عن أمه ويسمو بحب أمه:
كل النساء اللواتي عرفتهن
أحببتني وهن صاحبات
وحدها أمي
أحببتني وهي سكرى
فالحب الحقيقي هو أن تسكر
ولا تعرف لماذا تسكر
ثم يتطرق في أشعره موضحاً دور أمه في تنمية لغته وإحساسه الشعري حيث يقول:
أمي متفشية في لغتي
كلما نسيت ورقة من أوراق في صحن الدار
رشتها أمي بالماء مع بقية أحواض الزرع
فتحولت الألف إلى امرأة
والباء بنفسجية
والدال إلى دالية
والسين إلى سوسنة، والسمكة، وَسنونوة
ونرى نزار قباني ذكر المرأة الحبيبة في أبياته فهي حواء التي تنبض بالحياة والحب والعطف والحنان، فهو عاشق للأنثى بقي يتغنى فيها في أشعاره فهي قضاء وقدر في حياته لا يستطيع التخلص منها، وفي حب المرأة يقول نزار في قصيدة أحبك:
أريد أن أحبك سيدتي
كي استعيد عافيتي
وعافيتي كلماتي
وأخرج من حرم التلوث
الذي يلف قلبي
فالأرض بدونك كذبة كبيرة
وَتفاحة فاسدة
ونرى أن المرأة عند محمود درويش لها مكانة مختلفة في أبياته إذ كان حيث نراه يدمج بين المرأة والبلاد، فيكون الظاهرة في أبياته أنه يقصد المرأة، لكن المتعمق في دلالات أبياته يتجلى له الحديث عن البلاد، ومن أبيات محمود دروبش:
وطني ليس حقيبةً
وأنا لست مسافرا
إنني العاشق والأرض حبيبة
ومن أشعاره أيضاً:
الأرض أم أنت عندي، أم أنتما توأمان
سيان سيان عندي
إذا خسرت الصديقة فقدت طعم السنابل
وإن فقدتُ حلم الحديقة ضيَّعتُ عٍِطر الجدائل
وضاع حلم الحقيقة
وفي النهاية نستنتج أن المرأة كان لها ظهور متعدد في المؤلفات المشرقية القديمة والحديثة وتطور ظهورها في الشعر الحديث وخرجت عن المشاهد التقليدية، وبرزت حركات التحرر التي أظهرت صورة الأنثى التي تعج بالحرية أمثال نزار قباني ومحمود درويش.