عوامل تطور الأدب العربي في العصر الحديث

اقرأ في هذا المقال


تراجع الأدب المشرقي على مدى العهود المتعاقبة وخفّت أضواءه، إلا القليل منه الذي كان يُطل علينا من وقت لآخر محاربًا الركود الذي سيطر على الأدب بجميع أشكاله، لكن لم يستمر هذا الوضع فلقد تنبّه رواد الأدب لذلك ونهضوا من غفوتهم محاولين إيجاد الحلول لهذه المعضلة التي أصابت الأدب، فبرزت أسباب أدت إلى النهوض وإحياء الأدب المشرقي من جديد مبتكرين ومستفيدين من الثقافات الأجنبية، وفي هذا المقال سنوضح أهم أسباب نهوض وتطور الأدب المشرقي في العصر الحديث.

لمحة أدبية عن العصر الحديث

يطرأ على حياة الشعوب تغييرات تتبدل بها الأحوال، وإذا كان هذا التبدل من الوهن إلى القوة كان ذلك التبدل يسمى نهضة أما عكس ذلك يُعتبر انحطاط وتراجع، وهذا ما حلَّ بأهل المشرق من تراجع أرهق كاهلها وأوهن منابع الفكر والثقافة فيها.

إن تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية كانت سبب رئيسي لتراجع الأدب، فلا يوجد هناك ولاة أمرٍ مهتمين بالأدب، ولا مولعين بالكلام الموزون وسماعه ولا يحثّون عليه كالعُصور القديمة، وكل هذا جعل رواد الأدب يتوجهون إلى أعمال أخرى توفر لهم أسباب العيش الكريم.

وكان رواد الكلام المنظوم قليلون في ذلك الوقت وكانوا يتعاملون مع الرعية وليس مع الملوك، فانتشرت المفردات الغريبة والعامية في ثنايا الأدب، مما أضعَفه وعملت على تراجعه وأصبح يخلو من القيم الفنية المتعارف عليها.

وبشكل عام نستطيع الجزم بأن الأدب في ذلك الوقت اتصف بالهوان والتراجع، إلا القليل منها مثل أدب رواد المعهدين المشهورين، وهما المدرسة العلوية نسبة لعلي بن أبي طالب والبكرية نسبة إلى أبو بكر الصديق، وتميزت بالزُهد والمديح النبوي والتفاخر، والمتمعن في الأدب يجده يتمركز حول وصف البيئة والحالة المتردية التي أدت إلى تخلف فكري دفع إلى الخمول في الحركة الأدبية.

مصادر النهضة الأدبية العربية

1- احتكاك واندماج مع الغرب: برزت نتيجة احتكاك البعثات الأوروبية إلى المشرق وعمدوا إلى إنشاء مدارس مطورة مضافة إلى المدارس القديمة، وأيضًا كان للحملات السياسية دور في نهضة الأدب المشرقي واستِفاقته من السبات.

ومثال على تلك الحملات الأجنبية حملة نابليون فقد جمع في حملته العديد من العلماء وأهل الفكر الذين عملوا على تأسيس المعاهد لتعليم أبنائهم الذين ولدوا في الدول المشرقية، واستفاد من ذلك الأدب المشرقي وبدأ بالنهوض من جديد.

2- الاستشراق: والمستشرقون هم مجموعة من الأدباء العجم قاموا بتناول أدب العرب وعلومهم وتاريخهم، وكانت الغاية الرئيسية من هذه الدراسة هي استيعاب عقلية أهل البلاد كي يتمكنوا من احتلالها، وتنبه أهل المشرق لهذه الأغراض وتصدى لها علماء المشرق وحولوا ذلك إلى ما فيه مصلحة البلاد والأدب والتاريخ، ووجدوا الفرصة مناسبة لنشر بحوثهم وإنتاجهم الأدبي والعلمي.

عوامل النهضة الأدبية في العصر الحديث

1- المدارس والمعاهد: التعليم المشرقي في بداية الأمر كان يقوم على المجالس البدائية التي تُنشأ من أجل تحفيظ كلام الله وبعض أمور اللغة، وبعد ذلك أصبحت مجالس يلتقي فيها العلماء وتلاميذهم في بيوت الله أو دور العلم، وأبرزها التي تقام في الأزهر ثم ازدهرت الحياة في المشرق وظهرت المدارس والجامعات التي ساهمت بشكل كبير في نهضة الأدب.

2- الصحافة: تعتبر من أبرز الأسباب التي دفعت لتطور الأدب وعلو شأنه من جديد، حيث فتحت المجال لأصحاب الأقلام ليمارسوا إبداعهم، وكذلك انتشارها بسبب رخصها وكانت الصحف في بداية الأمر مهتمة بأمور المجتمع وأدبه، ومن أبرز الصحف التي اهتمت بالأدب في ذاك الزمن الرسالة وأيضاً صحيفة الهلال.  

3- المطابع: لم تكن موجودة في المشرق إلا بعد حملة نابليون، حيث جلب للمشرق مطبعة بدائية الصنع، وتنبه القائد العثماني محمد علي باشا إلى أهميتها وقام بشرائها وحدثها واعتنى بها وكانت تسمى “بالمطبعة الأميرية ” ووظف لها أمهر العلماء يشرفون عليها وعلى عملها.

وبهذه المطبعة تمت طباعة العديد من أمهات الكتب المشرقية مثل كتاب: “الأغاني للأصفهاني، العقد الفريد لابن عبد ربه، مقدمة ابن خلدون،” وغيرها الكثير من الكتب.

4- الكتب: حلَّ العصر الحديث والمؤلفات المشرقية منتشرة في مجالس العلم حيث أمر الخديوي في هذا الوقت بجمع شتات الكتب وكوَّن منها مكتبة مرموقة في بيته، وتوجه الكثير من أهل المشرق لجمع المؤلفات والكتب مما أدى إلى ازدهار ونهضة الأدب العربي.

5- الترجمة: ظهرت الترجمة بشكل كبير في زمن القائد العثماني محمد علي الذي حرص على نقل الآداب والثقافات الغربية إلى فكر أبناء بلده، ولقد تمت ترجمة الكثير من مؤلفات الهندسة والطب وغيرها.

أغراض الشعر العربي الحديثة والقديمة وتطورها

1- المدح: سلك رواده نهج القدامى في الثناء وذكر سمات وبطولات الممدوح، لكن نلاحظ أن مدح الملوك قد قلَّ بشكل كبير.

2- الرثاء: ازدهر الرثاء ولم يعد حكراً على أصحاب الجاه، بل وصل إلى بكاء شخصيات بارزة دينية ووطنية، كما توسع الرثاء فبكوا المدن المكتوبة.

3- الوصف: تعدَّى الشعر في هذه المرحلة من وصف الطبيعة والمشاهد التي يراها إلى بث الروح والحركة في الجمادات، واتجه إلى تصوير نِزالات التحرير وشهدائها وأبطالها.

4- الشعر التاريخي: وهو من المواضيع الجديدة التي اتجه إليها أهل المشرق في هذا الوقت؛ لحاجتهم إلى إشعال ذكر أمجادهم وتعلقهِم بالماضي العريق الذي أيقظ في داخلهم الهمم وعزز ثقتهم بذاتهم.

5- الأدب الوطني: برز هذا الشكل نتيجة الاحتلال والإحساس بالظلم والاستبداد ومن رواده أحمد شوقي.

وفي النهاية نستنتج أن الأدب المشرقي قد عاش في انحطاط وتراجع بعد ما كان متألق ويعود ذلك إلى أسباب سياسية واجتماعية، ولكن رواد الأدب لم يتجاهلون هذا التراجع بل استفاقوا وعملوا على تطوير الأدب وساعدهم على ذلك عدة عوامل. 


شارك المقالة: