غزل النساء في الأدب العربي

اقرأ في هذا المقال


يُعَدّ الغزل من الأغراض التقليدية ، لكنه قد طرأ عليه تطور وتغيير وخرج منه أجزاء جديدة، ولم يكن الشعر حكراً على الرجل فقد شاركته المرأة في ذلك، ونظمت أروع الأشعار في جميع أبواب الشعر سواء مدح أو رثاء أو غزل، وفي هذا المقال سنتناول غزل النساء في الأدب بالتوضيح.

ماهية الغزل في الأدب

اختلف الأدباء على تعريف الغزل منهم من شبههُ بِالنسيب، والبعض الآخر مال إلى الاختلاف في ذلك، وذهب البعض إلى أنها كلها نفس المعنى ولا يوجد تفريق بينها، وقد توجهت مجموعة إلى اعتبار الغزل بتوضيح الأشياء المادية للمحبوب، مثل ذكر الأعضاء الظاهرة من الجسم والتغني بها وأما النسيب هو ذكر الشوق والحنين إلى الأيام التي مضت.

غزل الشاعرات العربيات في الأدب العربي

جاهرت المرأة عن مشاعرها وأحاسيسها وقالت الكثير من الأشعار والقصائد تُضاهي شعر الرجال، وربما تغلبت على شعر الرجال أيضاً في هذا المجال؛ لما يتضمنه شعر المرأة وغزلها من مشاعر ووله وهيام في المحبوب، أمثال العامرية التي هام قيس بن الملوح فيها، وعُلية بنت المهدي ومن أجمل أشعارها:

بُني الحبُ على الجور فلو

أنصف المعشوق فيه لِسمج 

ليس يستحسن في الحكم الهوى

عاشق يحسن تأليف الحجج

ونرى ذلك بأجمل صورة في شعر ليلى الأخيلية التي أحبت توبة وهو كذلك أحبها حيث تقول في أشعارها:

أتته المنايا حين تم تمامه

وأقصر عن كل قرن يطاوله

وكان كليث الغاب يحمي عرينه

وترضى به أشباله وحلائل

غصوب، حليم حين يطلب حلمه

وسم زعاف لا تصاب مقاتله

وفي شعر غزل المرأة العربية ما لا يجب التغاضي عن أشعار بثينة العذرية التي هامت بحب جميل، وحين توفي قامت على رثائه بأجمل الأشعار، ومما نظمته بثينة من أشعار في جميل قولها:

توعدني قومي بقتلي وَقتله

فقلت: اقتلوني وأخرجوه من الذنب

ولا تتبعوه بعد قتلي أذية

كفى بالذي يلقاه من شدة الحب

أيضًا من أشهر شاعرات الغزل لن ننسى ذكر أم الكرام التي شغفت بحب فتى يعمل في قصر والدها حيث قالت فيه:

ألا ليت شعري هل من سبيل لخلة

ينزه عنها سمع كل مراقب

ويا عجباً أشتاق خلوة من غدا

ومثواه ما بين الحشا والترائب

ونذكر أيضاً من أشعار ليلى العامرية في محبوبها قيس حيث تقول:

لم يكن المجنون في حالة

إلا وقد كنت كما كانا

لكنه باح بسر الهوى

وإنني قد ذبت كتمانا

ومن أروع أبياتها أيضاً لِقيس حيث تقول:

باح مجنون عامر بهواه

وكتمت الهوى فَمت بَوجدى

فإذا كان في القيامة نووي

من قتيل الهوى تقدمت وحدي

وفي الفترة العباسية تميزت المرأة في شعر الغزل وأبدعت فيه وبرز في هذه الفترة العديد من الشاعرات اللواتي تَغزلن في أشعارهن بمن أحببن ومنهن من تغزلت بزوجها أيضاً، ونذكر منهن أم الضحاك التي أغرمت بحب زوجها ولكنه انفصل عنها وطلقها وزاد ذلك من تعلقها به وتقول:

سألت المحبين الذين تحملوا

بتاريخ هذا الحب في سالف الدهر

فقالوا: شفاء الحب حب يزيله

لآخر أو نأي طويل على هجر

نصل في حديثنا إلى الخنساء بنت التيجان التي عشقت الخفاجي وقالت فيه:

إن لنا الشام لو نستطيعه

خليلاً لنا يا تجان مصافيا

نعدله الأيام من حب ذكره

ونحصي له يا تجان اللياليا

فليت المنايا قدر فعنك مصعداً

تجوب بأيديها الحزون الفيافيا

ومن الغزل المرهف الذي يعج بالمشاعر والأحاسيس نذكر غزل ضاحية الهلالية حيث تقول:

وإني لأِنوي القصد ثم يردني 

عن القصد ميلان الهوى فأميل

وما وجد مسجون بصنعاء موثق

ساقية من حبس الأمير كبول

وما ليل مولى مسلم بجريرة

له بعدما نام العيون عويل

بأكثر مني لوعةً يوم راعني 

فراق حبيب ما إليه سبيل

كذلك الأشعار التي كتبتها خيرة البلوية للتعبير عن مدى تعلقها بابن عمها، والتي أُبعدت عنه بسبب أهلها بعد أن كشفوا أمرها معه فكتبت أجمل الأشعار التي تصور فيه مرارة الهجر والبعد حيث تقول:

وبتنا خلاف الحي لا نحن منهم

نرِجي يقيناً ساقط الطل والندى

من الليل براد ليلةٍ عطران 

نلوذ بذكر الله عنا من الصبا

إذا كان قَلبانا به يجفان

ونصدر عن أمر العفاف وربما

نقعنا غليل النفس بِالرشفان

وتميزت نساء البادية بشعر الغزل حيث أبدعن في نظمه وذكرت اسم مَحبوبهن في قصائدهن دون خوف أو حرج، من أبرزهن نذكر قمر الدعجانيه التي نظمت شعر الغزل في محبوبها، وقامت على ذكر اسمه في هذه الأشعار دون تردد حيث تقول:

يأمل قلبٍ من هوى زيد مطروقُ

طرق الحديد ملينٍ بَالضويا

يفدى عشيري كل برقا على روق

واللي بعيد الدار واللي هنيّا

ويفداه من يمشي على الأرض من فوق

واللي يشوفون القمر والثريّا

ونذكر أيضاً شعر برّة العدوية التي نظمته في محبوبها يحيى وذكرت اسمه في أشعارها تقول:

فقد شَفّ قلبي بعد طول تجلّدي

أحاديث من يحيى تُشيب النواصيا

سأرعى ليحيى الوُدّ ما هبّت الصَّبا 

وإن قطعوا في ذاك عمداً لسانِيا

وعرف من عادات العرب أنه لا تزوج المرأة من شخص أحبها وشبب بها، ومن هنا برزت العديد من أشعار النساء تتحدث عن مرارة هذا الفعل ومدى المعاناة جراء الفراق والبعد، ونذكر منهن شاعرة من بني دهمان قد تعلق بحبها بن مصعب وكان يَذكرها في أشعاره و يشبب بها، وعندما تقدم في طلبها رفض أهلها ذلك فقالت في ذلك بعد أن تملك اليأس منها:

إذا خدرت رجلي دعوت ابن مصعب 

فإن قلت عبدالله أجلي فتورها

ألا ليتني صاحبت ركب ابن مصعب 

إذا ما مطاياه اتلأبَّ صدورها

لقُد كنت أبكي واليمامة دونه

فكيف إذا التفَّت عليه قصورها

ونذكر أن رجلاً قام بجلد زوجته عندما علم بتعلقها برجل آخر ونظمت في ذلك:

أقول لعّمْدٍ والسياط تلفُّني

لهن على متني شرُّ دليل

فاشهد يا غيران أني أحبُّه

فَسوطك لا يُقلع وأنت دليل

وعن غزل المرأة يجب أن نذكر ولادة بنت المستكفي حيث كان لها العديد من الأشعار في هذا المجال وكانت ولادة مُنفتحة الفكر ماهره في إنتاج الشعر والإبداع فيه، ونذكر من أشعاره في الغزل:

ألا هل لنا من بعد هذا التفرّقِ

سبيل فيشكو كل صبٍ بما لقي

وقد كنت أوقات التزاور في الشتا

ابيتُ على جمرٍ من الشوق محرق

فكيف وقد أمسيتُ في حال قطعة 

لقد عجّل المقدور ما كنت أتقي

تمرُّ الليالي لا أرى البين ينقضي

ولا الصبر من رق التشوّق مُعتقي

سقى الله أرضاً قد غدت لك منزلاً

بكل سكوبٍ هاطل الوبل مُغدقِ

ولن ننسى ذكر حفصة بنت حمدون وما تميزت به من أشعار الحب والغزل ونذكر من أشعارها:

لي حبيبٌ لا ينثني لعتابِ

وإذا ما تركته زادتها

قال لي: هل رأيت لي من شبيه

قلت أيضاً وهل ترى شبيها؟

وفي النهاية نستنتج أن المرأة تشارك الرجال في نظم الأشعار التي تعبر فيها عن مكنون نفسها، حيث نظمت في شعر الغزل وجاهرت به وتَطرقت إلى ذكر اسم محبوبها في أغلب الأشعار دون تردد.


شارك المقالة: