اقرأ في هذا المقال
- فن الرسائل في العصر العباسي
- أنواع الرسائل في العصر العباسي
- الفرق بين الرسائل الديوانية والرسائل الإخوانية
- الخصائص الأسلوبية للرسائل في العصر العباسي
- نماذج على الرسائل في العصر العباسي
إن الرسائل نوع من أنواع النثر البارزة في الفترة العباسية، فقد خطت أقلام الكتّاب والأدباء أروع الرسائل التي واكبت مجريات تلك الفترة، وتنوعت الرسائل فكان منها ما هو مختص بالسياسة ومنها ما هو ديني وأخرى اجتماعية، وفي هذا المقال سنوضح هذا النوع في هذه الفترة.
فن الرسائل في العصر العباسي
ازدهرت الرسائل في الفترة العباسية وشهدت تلك الفترة ازدهارًا علميًّا وأيضًا أدبيًّا وكان لها انعكاس على ذلك النوع في ذلك الوقت، وكان الازدهار في موضوعاتها وأغراضها وتجب الإشارة إلى أن الرسائل يقصد بها أنها مقطوعات نثرية توجّه لشخص معين، وقد تشمل خطابًا عامًا في أغلب الأحيان، وتصاغ بنمط وجدانيّ.
مما أوحى بازدهار الرسائل في الفترة العباسية حيث كانت رسائل حاكمة تنبثق من الديوان العالي للدولة، وكان رأي أبو الخشب في الرسائل في الفترة العباسية ما يلي: “هي مثار الخيال، ومناط الدهشة، وموضع الأناقة والافتتان، ومنها رسائل الخميس التي كان يكتبها بلغاء الدولة ورسائل الأدب الصغير والأدب الكبير لابن المقفّع، ورسائل الجاحظ”.
أنواع الرسائل في العصر العباسي
بالرغم من تنوّع أغراض الرسائل في الفترة العباسية وتنوع أشكالها نجد الرسائل الشخصية والسياسية وغيرها، ويمكننا حصر الرسائل في تلك الفترة ضمن شكلين هما:
1- الرسائل الديوانيّة: هي الرسائل المنبثقة عن السلطة وهي رسائل رسمية، وجاء في طيات هذه الرسائل قواعد مهمة عن أنماط الكتابة الإنشائية وآداب مكاتبة الحكام، تضمنت الرسالة على رؤية العباسيين لمشروعِية سلطتهم وقواعدها المأخوذة من السنة النبوية الشريفة، ومظاهِر سيادة الحكم كما تضمنت على الألقاب وطريقة تحديثُها وأسباب إطلاقها وغيرها من المضامين.
وكانت هذه الرسائل ضرورية فَهي كتابات رسمية تحتوي معلومات تتعلق بالمجرَيات السياسية، وتتضمَن في ثناياها لغة سياسية لا تظهر سوء التعامل بين ولاة الأمر والمرسَل إليهم، وتوضح الهيئة التي تكون عليها الأمور فيما بينهم.
2- الرسائل الإخوانية: هي متداولة بين الناس بعيدة عن أمور الدولة ولا تحمل طابع رسمي، وهي تتضمن الشخصية أو العلمية أو تتعلق بأمور المجتمع ومنها التهنئة والشكوى وغيرها.
الفرق بين الرسائل الديوانية والرسائل الإخوانية
يتمركز الاختلاف بين الرسائل الديوانية والإخوانية فيما يأتي: المسؤول في الإخوانية له الحريّة فيما يخط ولا توجد أحكام أساسية ولا مفردات مختارة كما في الرسائل الديوانية.
ومحتوى الرسائل الديوانية يتعلق بأمور السلطة والخلفاء وأخبار المدن والمعارك وغير ذلك، أمّا الإخوانية فمحتواها متعدد وتختلف حسب الروابط والعلاقات بين الناس.
الخصائص الأسلوبية للرسائل في العصر العباسي
تنوعت الأنماط في الرسائل خاصة باختلاف طريقة الكاتب في الوصف، ويمكن حصر تلك الأنماط في الرسائل في تلك الفترة من خلال السمات الآتية:
1- المفردات والمعاني: يعرف نمط الرسائل في تلك الفترة بانتقاء المفردات التي تعبر عن المعنى المطلوب دون تعقيد وبطريقة واضحة بما يتلاءم وغرض الرسالة، كما عرف بالاهتمام بترتيب المفردات والتراكيب لتكون معبرة عن المعاني كما اتصفت الرسائل بقوة المفردات ووضوح المعنى.
2- الاقتباس: يتوجه مؤلف الرسائل في الزمن العباسي إلى الاقتباس، فجملوا رسائلهم بالآيات القرآنية مما جعلها ذات جمال وبلاغة، وعلى عكس ذلك نلاحظ قلة استعمال الاقتباس في الرسائل الاجتماعية.
3- السجع والتوازن: لم يعاني مؤلفو الرسائل من الإتيان بالسجع، إنما كان سلسًا جاء عن سجية فكان له أثر في نفس المتلقي، إلا أن أغلب المؤلفون تقيدوا به في جميع رسائلهم الطويلة منها والقصيرة، وانتشر السجع في الإخوانية.
4- التخييل والتصوير: والرسائل تشبه الكلام الموزون في ذلك الوقت حيث كانت تظهر فكرتها في أسلوب خيالي، فكان للمحسنات البديعية يدًا في توضيح الصورة الفنية لنَمط الرسالة فعجَّت بالاستعارات وكذلك الكنايات، وظهر جمال التصوير فيها، فكانت الرسائل واضحة ذات بلاغة عالية.
5- الاستشهاد بالقصة: كان يظهر على الرسائل السمة القصصية، يتوجه إليها المؤلف لما يرى في تلك الحكاية من مساعدة على إفهام المتلقي.
6- الاستشهاد بالشعر: يكثر المؤلف من إدراج الأشعار في رسائلهم، وهو أسلوب يعطي المعنى روعةً وقوةً، إلا أن المؤلفين بالغوا في إدراج الشعر حتى غلب على النثر.
نماذج على الرسائل في العصر العباسي
رسالة يحيى البرمكي إلى الرشيد عندما قام بأسره كتب فيها: “من شخصٍ أسلمتْه ذنوبُه وأوثقتْه عيوبُه، وخذلَه شقيقُه، ورفضَه صديقُه، ومالَ به الزّمانُ، ونزلَ به الحدثانُ، فحلّ في الضّيقِ بعد السّعةِ، وعالجَ البؤسَ بعد الدّعةِ، وافترشَ السّخطَ بعد الرّضا، واكتحلَ السّهاد بعد الهجودِ، ساعتُه شهرٌ، وليلتُه دهرٌ، قد عاينَ الموتَ، وشارفَ الفوتَ، جزعًا لموجدتِك يا أميرَ المؤمنينَ وأسفا على ما فاتَ من قربِك.”
هي اعتذار من عبد الله إلى يوسف بن علي يعتذر عن تقديم المال له في مطلع الشهر، وهو بارًا به فانشغل عنه شهرين فبعث إليه معتذرًا: “لم يكنْ تأخير بِرّنا عنك لبُخلٍ وضنّ، ولا إهمال وتناسٍ، لكنّها غفلةٌ من موجبٍ لحقّكَ عارف، شغلَهُ عنك ما يُقسِّمُ قلبه، ومتَّكِلًا على معرفتك به، وبسطِ عُذركَ لهُ.”
تعزية من أبن الخطاب إلى الهزبر ودعَاه إلى الإيمان بقضاء الله فيقول: “وهذا أوان اختيارِ اللهِ إيّاك بشكر ذلك، وإقراركَ بالحجّة عليه فيما كنت به محتجًّا على غيرِك ودليلًا عليه ممّا ذخَرَ الله لأهلِ الفضلِ، ووعدهم إيّاه على ما رضي من القول عند وقوع قضائه وقدَرِه، وما أخبَرَ بهِ خلقَهُ وبلاهم بحَسَنه وسيِّئهِ، وحلوه ومرّه.”
رسالة السفاح لعامر بن إسماعيل عندما قطع رأس مروان في مصر ووضع رأسه في أحضان ابنته: “ويلك، أَمَا كان لك في أدب الله U ما يزجُرُك عن أن تأكل من طعام مروان وتقعد على مهاده، وتتمكَّن من وساده، أما واللّه لولا أنَّ أمير المؤمنين تأوَّل ما فعلت على غير اعتقاد منك لذلك ولا شهوة لمَسَّك من غضبه وأليم أدبه ما يكون لك زجرًا، ولغيرك واعظًا، فإذا أتاك كِتَابُ أمير المؤمنين فتقرَّب إلى اللَّه تعالى بصدقة تُطفئ بها غَضَبه، وصلاةٍ تُظْهِر بها الاستكانة، وصُمْ ثلاثة أيام، ومُرْ جميع أصحابك أن يصوموا مثل صيامك.”
رسالة ابن السمَّاك إلى الرشيد يعزي بابن له: ” أمَّا بَعْدُ؛ فإن استطعت أن يكون شكرك لله حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه فإنَّه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سَلِمَ لم تَسْلَمْ من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهُّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمَّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلَّقًا بالخطر، واعلم أن المصيبة مصيبتان إنْ جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك.”
وفي النهاية نستنتج أن الرسائل ازدهرت في الفترة العباسية وكانت مواكبة لمجريات العصر وتنوعت أعراضها، ومنها الديواني التي تهتم بأمور السلطة ومنها الإخوانية التي تخص المجتمع بشكل عام، وقد برز في هذا العهد العديد من مؤلفي الرسائل.