قصة اكتشاف الاكتشافات

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأعمال الأدبية التي صدرت عن الأديب الإيطالي ألبيرتو مورافيا، وقد تمحور الحديث فيها حول الاكتشافات التي يقوم الإنسان باكتشافها يوم بعد يوم، فكل يمر في حياته يكتشف أمر جديد، ولا يقتصر أمر الاكتشاف على الاختراعات، وإنما يتسع مفهوم الاكتشاف ليشمل الطباع والسلوكيات

قصة اكتشاف الاكتشافات

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول فتاة في الثامنة عشر من عمرها، وقد كانت تلك الفتاة قد تلقت تربية قاسية، وهذا ما جعلها تكون جدية في تصرفاتها وسلوكياتها، كانت تلك الفتاة جميلة جداً، ولكنها لم تدرك في يوم من الأيام لذلك الجمال الذي تتحلى به، كما أنها كانت باستمرار تلبس ثياب واسعة وتشير إلى أنها تبعث بها الشعور بالحرية والسعادة، ولكنها كانت في الحقيقة تشعر بالخجل عند مقارنتها بملابس الفتيات الأخريات.

وذات يوم توقفت أمام أحد المحلات، حيث كانت معروضة تنورة قد أعجبتها كثيرًا، وفي تلك اللحظة توقف أحد الشباب خلفها ونظر إليها نظرة مفتونة بذلك الجمال البديع، وعلى الرغم من أنها كانت تدرك نظرات الشاب، إلا أنها استمرت في توجيه نظرها نحو التنورة، وهنا بادرت إلى ذهنها فكره، وتلك الفكرة هي بما أنها ترغب هذه التنورة، والشاب الواقف خلفها يرغب بها، فلا بد أن يقوم بشرائها لكي تشتري التنورة.

وبينما كانت الفكرة تدور بذهنها اقترب منها ذلك الشاب وتحدث معها بحديث عادي، فقال لها: إنها جميلة للغاية أقصد التنورة، إن كانت تعجبك إلى هذا الحد تعالي برفقتي وسوف أقوم بشرائها واقدمها لك كهدية، وفي تلك اللحظة التفتت للوراء وإذ بها ترى ذلك الشاب فهو صاحب جسد نحيل ويبدو أنه إنسان ماكر، فردت عليه دون أي تفكير وبصوت عالي؛ إذ رغبت في أن يسمعها الجميع من حولها وقالت له: موافقة.


وهنا دخلا كلاهما إلى محل الملابس وأخذت التنورة وذهب الشاب لدفع الفاتورة، ثم بعد ذلك توجها نحو مكتب الشاب الذي لم يكن بعيد عن المحل، وقد كانت تصرفاته مع الفتاة كصديق قديم، وأول ما وصلت إلى مكتب الشاب قامت بوضع الحقيبة التي تحتوي التنورة على سطح المكتب، وهمت بتغيير ملابسها، بينما الشاب قد خرج للخارج.

وبعد أن انتهت من ارتداء التنورة ونظرت إلى نفسها في المرآة اكتشفت أنها قد أضاعت وقتها في الدراسة وإعانة أسرتها، وأنها لم تدرك قيمة ذلك الجمال الذي تتحلى به وأنها ينبغي عليها أن تستغله، وهنا بدأت تطغو عليها سعادة عارمة، وعادت وارتدت ثيابها القديمة، وبدأت بالرقص في وسط الغرفة، وحينما دخل الشاب لم يدرك ما السبب خلف تلك السعادة، ومن ثم عانقته وغادرت.

وقد كان ذلك العناق أول خطوة في الطريق التي رسمتها لحياتها الجديدة، وتمكنت شيئًا فشيئاً من استغلالها لجمالها وفتن الشباب به مقابل النقود أن تشتري كافة الفساتين التي ترغب بها، وكل الأشياء التي كانت تتمنى أن تمتلكها، وقد كان ذلك السبب الذي دفعها للسير في هذه الطريق.

وفي يوم من الأيام التقت بشاب في الجامعة وقد نشأت بينهم علاقة حب قوية جداً وتم عقد قرانهم، وقد تابت عن مهنة بيع جمالها، ولكنها ذات يوم اكتشفت أنها حامل دون قصد عن طريق الخطأ، فعزمت هي وخطيبها أن يقربا موعد حفل الزفاف، وبينما كانت تنتظر أن يحين ذلك الموعد ذات  يوم شاهدت في أحد المحلات في مركز المدينة سترة مصنوعة من الصوف الطبيعي لها جيبان كبيران وأزرار معدنية، ولكن لم تتمكن من شرائها وأخذت تفكر فيها طوال النهار وتحلم بها حينما يحل الليل.

وكمية التفكير التي كانت تقضيها بالسترة أوصلتها إلى درجة أنها خشيت أن يولد طفلها وعلى جسده قطعة من الصوف الطبيعي، ومنذ تلك اللحظة وفكرت أن تعود لبيع جمالها، وأشارت أنها سوف تكف عن ذلك الأمر بعد الزواج، فبعد الزواج سوف تذهب إلى المناطق الريفية مع زوجها حيث مسقط رأسه وتقيم هناك.

وذات يوم  أثناء تواجدها في أحد محلات الصاغة من أجل اختيار خاتم الزواج، كان المحل ضيق وتعود ملكيته لأسرة مكونة من امرأة عجوز والتي كانت جالسة في المحل ومعها فتاة شابة في مثل سنها وتشبه المرأة العجوز إلى حد كبير، ومن الواضح أنها ابنتها، وهنا كانت ابنة العجوز مشغولة مع زبونة أخرى، فطلبت الفتاة من العجوز أن تريها بعض الخواتم، وهنا حينما نظرت إلى جمال تلك الخواتم فكرت في اكتشاف آخر ألا وهو السرقة، إذ فكرت في أن واحد من بين تلك الخواتم حتى لو تم بيعه بخسارة، سوف يغنيها عن بيع جمالها للأبد، وقد لمعت تلك الفكرة في رأسها.

وفي تلك اللحظات خرجت الزبونة الأخرى دون شراء شيء، وفي ذات اللحظة استدارت العجوز وأعطتها ظهرها؛ وذلك حتى تفتح الدرج، وهنا بسرعة خاطفة سرقت الفتاة أحد الخواتم ذو الياقوت الأحمر من على الطبق، ووضعت بدلاً منه الخاتم الصغير الرخيص الذي كانت قد خلعته من يدها لتجربة الخاتم الآخر، ثم بعد ذلك أدخلت خاتم الياقوت في اصبعها وأخفته من خلال ارتداء القفاز من فوقه، ثم قالت للعجوز: لم أجد ما أبحث عنه وخرجت إلى الطريق، وأول ما خرجت من المحل نزعت الخاتم وحشرته في جيب بنطالها الضيق، وهنا كانت تمتلك ثقة تامة بنجاح تجربتها الأولى في هذا الاكتشاف الجديد.

وفي تلك الأثناء شعرت بأن هناك من يمسك بها من كتفها، وحين التفتت وجدت تلك العجوز وقد بدت أنها في حالة غضب شديد، وقالت لها: اخرجي خاتم الياقوت ذو اللون الأحمر، ودون أن تبدي تلك الفتاة رجعت معها إلى داخل المحل، وفي الداخل بدأت الفتاة بالصراخ على العجوز معترضة على ذلك الاتهام التي وجه إليها، وقد بدأت تلوح بأصابع يديها وقلبت حقيبتها ولم يكن بها أي خواتم، وهنا رددت العجوز وقالت: كل ما أعرفه أنني فقدت الخاتم الذي كان هنا، وأنتِ من قمتي بسرقته؛ وذلك لأنني وجدت مكانه ذلك الخاتم الذي كنتي تجربيه، كما أن خاتمك كانت فيه تقليد رخيص للحجر الكريم، والآن فإن خاتمك في العلبة مكان خاتمي.

وفي تلك الأثناء كانت ابنة العجوز تنظر إليها ولم تنطق بكلمة، وكانت تلك النظرات حادة ومثبتة عليها بشكل غريب، وفجأة قالت ابنة العجوز: لدي اقتراح سأقوله للفتاة، ولكن على انفراد تعالي برفقتي، وقد أشارت بيدها نحو جهة مستودع للمحل موجود في الخلف، وحين دخلت إلى المستودع وأغلقت الباب خلفها، وقالت لها: لقد شاهدتك وأنت تأخذين الخاتم بعد أن خرجت زبونتي، التفت فرأيتك ولم أخبر والدتي، فهي التي اكتشفت السرقة.

وهنا اندهشت الفتاة مما سمعت وردت عليها: لماذا تقولين ذلك؟ فابتسمت ابنة وقالت: إذ اكتشفت أنه ليس المهم في الحياة هو الأموال والأحجار الثمينة، وإنما ذلك الاكتشاف الجديد الذي نصادفه في كل يوم من أيام حياتنا، والآن اخرجي ما قمتي بسرقته ولن أخبر والدتي بالأمر، بل سوف أخترع قصة تخرجك من ذلك الموقف المحرج، وبالفعل أخرجت الفتاة الخاتم من البنطال الضيق وأعطتها إياه.

وحينما رجعت ابنة العجوز للمحل قامت بحركة انحناء نحو الأرض وكأنها تلتقط شيء من عليها، ثم قالت: هذا هو الخاتم يا والدتي إنه كان قد سقط على الأرض، فشعرت العجوز بالراحة والاطمئنان وهنا أثناء عودة الفتاة ظلت تفكر أنه في كم الاكتشافات نمر بها في يوم واحد، فهي اكتشفت اكتشاف، والشابة في المحل اكتشاف آخر.


شارك المقالة: