أكثر القصص تتحدّث عن الطمع والطماعين، والطمع صفة مرتبطة بالبخل، سنحكي في قصة اليوم عن تاجر على الرغم من ثرائه إلّا أنّه كان شديد البخل، وعندما فقد نقوده ووعد صاحبها بمكافأة كبيرة، دفعه طمعه وشحّه لحرمان الشخص الذي وجد النقود، وحاول أن يحتال عليه، ولكن عندما كشفه القاضي الذكي لقّنه درساً لن ينساه، وجعله يخسر نقوده كلّها ولم يأخذ منها أي شيء.
قصة التاجر وكيس النقود
في إحدى القرى القديمة في أوروبا كان هنالك تاجر ثري جدّاً، كان هذا التاجر يعمل بتجارة الذهب والفضة، وكان هذا التاجر كثير السفر والترحال بسبب هذه التجارة، وغالباً ما تكون صفقاته ناجحة ويكسب من خلالها الكثير من المال، وفي إحدى المرّات التي سافر بها هذا التاجر كان يحمل في جيبه كيساً بداخله أربعمائة دولار، وبينما كان يسير في طريق العودة وكان يريد تفقّد هذا الكيس، لم يجده وعلم أنّه قد ضاع، حزن التاجر لذلك كثيراً.
عندما علم التاجر بذلك أسرع لرجل منادي في السوق، وطلب منه أن ينادي بين الناس ويبلّغ عن فقدان الكيس الذي يوجد بداخله أربعمائة دولار، وأخبره ما هي أوصاف هذا الكيس وأخبره أن من يجده له مكافأة كبيرة، ذهب المنادي وبدأ ينادي بين الناس ويقول: هنالك كيس مفقود يوجد به أربعمائة دولار، وبدأ يصف بشكل الكيس ثم قال: من يجد هذا الكيس فله نصف ما بداخله وسيكون حلالاً عليه.
في ذلك الوقت كان قد وجد الكيس ملّاح بسيط وفقير الحال؛ وعلى الرغم من فقره إلّا أنّه كان يتصّف بالأمانة والإخلاص؛ فقرّر أن يذهب ويسلّم الكيس لصاحبه، ذهب الملاح وأخبر المنادي بأنّه وجد الكيس، أخبر المنادي التاجر بأن الملاح قد وجده، والآن حان موعد تسليم المكافأة.
لكن هذا التاجر على الرغم من ثرائه إلّا أنّه كان يتصّف بالطمع والشح؛ لذلك لم يكن يرغب بأن يكافئ هذا الملاح الأمين، بل صار يفكّر بحيلة كي يحرمه المكافأة؛ فعندما أخذ الكيس وبدأ بعدّ النقود وجدها كما هي، وسأل الملّاح: لقد كان يوجد بداخل هذا الكيس زمردة كنت قد أحضرتها معي من بلاد بعيدة فأين هي؟ قال له الملّاح متعجبّاً: أنا لم أجد سوى هذا المبلغ.
ظلّ التاجر مصممّاً على وجود زمرّدة باهظة الثمن بداخل الكيس، فعلم وقتها الملاح أن هذا التاجر يريد أن يحرمه المكافأة؛ لذلك قرّر أن يذهب هو والتاجر إلى القاضي ليحكم بينهما، ذهب التاجر والملاح وأخبره بالقصة؛ فتوجّه القاضي بسؤال الملّاح أوّلاً عن الزمرّدة وقال: هل وجدت في الكيس زمرّدة ثمينة كما يدّعي التاجر؟ فردّ الملّاح: أقسم لك يا سيدي لم أجد سوى المبلغ الذي أخبر به المنادي، وهو الأربعمائة دولار.
وحان موعد سؤال التاجر، فنظر له القاضي وسأله: أخبرني أيّها التاجر ما هي أوصاف تلك الزمرّدة الثمينة؟ لم يكن التاجر يتوقّع أن يسأله القاضي سؤالاً كهذا؛ لذلك تلعثم بالكلام وشعر بالارتباك، في ذلك الوقت كان القاضي الذي يتصّف بذكائه قد لاحظ علامات الارتباك على هذا التاجر المخادع، وعلم أن هدفه هو حرمان الملّاح من المكافأة.
أصرّ القاضي على معرفة صفات الزمرّدة؛ فقال للتاجر: هيا أنا أنتظر الإجابة يجب أن أعرف صفات الزمرّدة حتّى أستطيع البحث عنها وإيجادها، في ذلك الوقت اضطرّ التاجر أن يخبره بمواصفات كاذبة، وقام بعمل حيلة سريعة وطلب من حارسه الشخصي أن يحضر زمرّدة بسيطة ووضعها بداخل الكيس، ثم تظاهر بأنّه يبحث عنها داخل الكيس وأخرجها أمام التاجر وقال له: لسوء حظّك هذه الزمرّدة ليست بواصفات الزمرّدة المفقودة؛ لذلك يبدو أن هذا ليس الكيس الذي تبحث عنه.
أكمل القاضي قوله: سأخبر المنادي بأن ينادي عن صاحب هذا الكيس ليجده، وسأحتفظ به عندي لمدّة سنة كاملة؛ وإذا لم أجد صاحبه فسأقوم بضمّه لخزينة أموال البلاد، في ذلك الوقت كان التاجر يريد الاعتراف بأنّه صاحب الكيس، ولكنّه شعر بالحرج من أن يظهر بمظهر الكاذب والطمّاع أمام الجميع، لذلك فضّل الصمت على الكلام.
خرج التاجر من عند القاضي وهو يجرّ بأذيال الخيبة لأنّه خسر بطمعه نقوده التي جمعها في فترة سفره، أمّا الملاح الأمين فأخذ نصيبه من هذا المال بسبب أمانته وإخلاصه.