قصة غرفة الانتظار

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الكاتب المسرحي والأديب أوتكير خاشيموف وهو من مواليد دولة أوزبكستان من أبرز الكُتاب في القرن التاسع عشر، وقد اشتهر بكتابة القصص القصيرة والروايات على مستوى العالم، وهذا ما جعل الكثير من المؤرخين يترجمون مؤلفاته إلى اللغة الأوزبكية، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها هي قصة في غرفة الانتظار وهي عبارة عن قصتين لنفس العنوان.

قصة في غرفة الانتظار

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة بالحديث حول شخص قام بجريمة قتل لشخص آخر من مبدأ الانتقام إلى شقيقته، وهنا يبدأ الحوار بين شخص يدعى كريستيان وشخص أخر يدعى أريان، وأول من بدأ بالحديث أريان إذ قال: سوف يتم الحكم عليه بالنفي مدى الحياة، لماذا كل هذا؟ فكل ما قام به هو الانتقام من أجل تحقيق المساواة في الحياة من وجهة نظره؟ فسأل كريستيان: ماذا تقصد؟ رد أريان: أقصد أن كل ما قام بفعله هو أنه قتل انتقام لشقيقته التي تم قتلها بشكل متعمد على يد أحد الأشخاص الفاقدين للوعي في تلك اللحظة، فقال كريستيان: ما تعنيه هو أنه عالج القضية بعدالته واستغنى عن عدالة السماء.

قال أريان مندهشاً: عدالة السماء؟ ماذا تعني؟ ونظر إليه وهو في حيرة من أمره، بينما كان كريستيان يحتسي قهوته شديدة المرارة قال: أعني أنّنا نحن البشر لا نفكر عندما نخسر أحد الأشخاص، فمن الصعب أن تستيقظ في اليوم التالي ولا تجد من يملك ذلك الجزء فتطوف بنا الذكريات وكأنه شيئًا لم يكن.

وفي لحظة ما توقف كلاهما عن الحديث، وأخذ أدريان يحدق بالغيوم الرمادية التي تغطي السماء، ثم توجه بنظره إلى القهوة الموجودة أمام كريستيان، وبأسلوب يشبه أساليب النبلاء في الحديث قال أدريان: هل تعرف ماهية شعور بالانتظار، الذي لا ينتهي إلا بنهايتك وأنت تنتظر شيء ما، مع أنك تكون على معرفة مسبقة أنه لن يأتي، قال كريستيان:  وهل هذا يسمح لبعض الأشخاص أن يقوموا بارتكاب الجرائم من إرضاء الانتقام في داخلهم؟.

وفي ذلك الوقت قال أدريان: من أجل التنفيس عن النفس أو ربما من أجل إرضاء غريزة الانتقام من الفراغ الذي يعقب رحيل أحدهم، وفي تلك اللحظة أخذ أدريان في شرب قهوته وسيطر عليه صمت مرعب، وفي تلك الأثناء كانت السماء تمطر، فقال أدريان بنبرة مكللة بالألم: من الصعب جداً أن تبقى ننتظر في غرفة الانتظار؟ هز كريستيان برأسه كموافقة منه على ذات الكلام، ثم همس لنفسه: نعم غرفة الانتظار، وأخذ يكرر بتلك الكلمة.

إيهاب وغرفة الانتظار

في أحد الأيام بعد أن وصل شخص يدعى إيهاب إلى مدينة فرنسان علم أن والده قد توفي منذ ثلاثة أيام مضت، ومنذ تلك اللحظة بقي في حالة عزلة ووحدة يتذكر بها كافة ذكرياته مع والده وأنه كيف له أنه لم يقوم بوداعه على الأقل، وبعد مرور بضعة شهور حاول الخروج من المنزل باتجاه أحد المقاهي للتفريج عن نفسه بعض الشيء.

وفي أثناء طريقه إلى ذلك المقهى اضطربت بقلبه وعقله الأفكار كما تلاعبت بعقله الهواجس، ولكن شيء ما قاده للتوجه في طريق آخر، وهناك قابل أحد أصدقائه الذي يدعى علي، وهو من أصول مغربية، وبعد أن القيا التحية على بعضهم البعض جلسا على أحد المقاعد الخشبية في إحدى الحدائق، وهنا بدأ إيهاب بسؤال صديقه: هل الحياة دائماً تزج بنا في غرفة الانتظار، وهنا نظر إليه باهتمام بالغ وامتلأت ملامحه بالحيرة ثم قال: ماذا تعني بقولك هذا؟

وهنا أخبر إيهاب صديقه أنه توفي والده، وفي تلك اللحظة تساقطت الدموع منه وابتل وجهه بها، كما تقابلا حاجباه في زحام ضيق يطغو عليه الحزن والألم، ثم أكمل حديثه بقوله: أترى هذه الساعة التي في يدي، فابتسم علي ابتسامة باهته وحزينة، ثم دنا منه وحرك رأسه بنوع من الأسى ثم قال: نعم إنها جميلة للغاية وعلى درجة عالية من الذوق الرفيع، هنا ابتسم إيهاب ابتسامة مبللة وقال: لقد قدمها لي والدي كهدية قبل قدومي إلى المدينة بسبعة أيام، كان يردد والدي بشكل دائم أنّ الهدايا دوماً تذكرنا بمن ذهبوا ولن يعودوا على الاطلاق، إذ ثمة هناك بعض الأشياء المرتبطة بما نملك من الأصدقاء والأقرباء من حولنا.

وفي تلك اللحظة ابتسم ابتسامة عريضة ثم أكمل حديثه بقوله: والآن حينما وجهة نظري إليها سار أمام عيناي سجل الذكريات مفتوحًا على مصرعيه على الأيام التي كنا نعيش بها سوياً قبل الشروع بالسفر إلى مدينة أخرى للعمل، وتلك الذكريات لن أنساها مهما طال بي الزمن، وهنا فكر علي بمواساته بأي طريقة وقال: هون عليك يا إيهاب، وهنا ابتسم إيهاب وأدار ظهره لعلي وقال: هل تعلم أن غرفة الانتظار كل يوم تزيد من أعدادها يومًا بعد يوم، ولن ينتهي على الاطلاق القادمون إليها، ولنتقوم بإغلاق أبوابها يومًا ما، فكلنا نتجمع فيها من دون سابق إنذار، حيث لا تفرقنا الصفات ولا المعالم ولا الجنسيات ولا الأعراق ولكن يجمعنا الانتظار.

وهنا أومأ علي برأسه كموافقة منه على نظرية إيهاب بينما بقي كل منهم في تلك الأثناء يحدق في السماء، كنوع من التأمل والتفكر في طبيعة الحياة، ثم قال إيهاب بنبرة صوت هادئة: غرفة الانتظار، وهنا جاءت أخت إيهاب التي تدعى سمر، فطلب منها إيهاب المجيء معهم إلى المقهى، لكن سمر فضلت الجلوس وانتظار أختها التي تدعى سحر، فهي كانت مسافرة إلى دولة إيطاليا منذ ثلاثة سنوات ولم تراها منذ ذلك الوقت، وفجأة يدق جرس الهاتف وإذ بأختها تخبرها أنها لم تتمكن من الحضور اليوم، ولكنها تحاول الحصول على إجازة خلال الشهر القادم.

وفي تلك الأثناء جحظت سمر بعينها وحشرت الكلمات بداخلها ثم سكتت للحظة من الوقت، وهنا قالت سحر: إنني أعتذر منكِ، ولكن ظروف العمل منعتني من القدوم اليوم، ابتسمت سمر على مسمع سحر ولكن كان يعتريها الحزن الشديد ثم قالت: لا عليك سوف أبقى في انتظارك في هذا المكان، قالت إن شاء الله سأحاول أن أتدبر أمري وأستطيع القدوم خلال الشهر القادم، سكتت سمر مرة أخرى محاولة في ذلك أن تستجمع بقاياها وقالت: اهتمي لنفسك وابقي راسليني على الدوام، فوعدتها سحر بذلك.

وهنا أخذت سحر بالتفكر أنها إلى متى سوف تبقى معلقة في غرفة الانتظار؟ وأشارت إلى أنها نوع من أنواع العذاب النفسي الذي يسبب الصداع الدائم للشخص الذي يبقى فيها، وأنها من نوع الأشخاص الذين يقتلهم الملل والضيق والخوف، وقالت: يا لها من غرفة الانتظار فيها يستحيل البقاء، ولكننا فيها نتخطى المستحيل، فلا يوجد شيء أمامنا سوى تلبية أوامر ورغبات الانتظار المهين.

وعلى ذلك المقعد جلست سحر وهو يملأها السكون المؤلم تنظر للقادمين والراحلين، حيث أن بدأت دقات انتظارهم الراحلين وممن انتهت دقات قلبهم في انتظارهم للقادمين هامسة بكل حزن وأسى أي غرفة الانتظار تلك، إذ أن قليلًا من هم يخرجون منها وكثيرًا من هم يدخلون إليها.


شارك المقالة: