تُعتبر هذه القصة من القصص التي صدرت عن الكاتب والأديب غي دي موباسان، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول تحذير رجل كبير في السن لشاب في مقتبل العمر من الخوض في الحب؛ وذلك بسبب تجربته القديمة معه والمآسي التي سببها له.
قصة في فصل الربيع
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في صباح أحد الأيام من فصل الربيع، حيث بدأت الشخصية الرئيسية في القصة بوصف ذلك اليوم وقال: استيقظت من نومي ونظرت عبر النافذة فرأيت السماء صافية وتلهبها أشعة الشمس الحارقة، والعصافير تغرد في كل مكان، وصوت الخادمات يرتفع في كافة أرجاء المنزل، والضوضاء والمرح يرتفعان في الشوارع، وفي تلك اللحظة خرجت من المنزل وبدأت روحي وكأنها في عيد، وتوجهت حيث لا أدري.
وحين سرت في الشوارع شاهدت الناس من حولي تعتريهم الابتسامة، وكأنها بداخلهم نفحة من السعادة والتي كانت تبدو أنها تهيم في كل مكان، كما كان يسطع نور الربيع وقد عاد من جديد، وكل تلك الأجواء كانت تشعر المرء أن هناك رعشة حب تغمر الكون.
وفي ذلك الوقت دون أن أدرك لماذا وكيف وصلت بي الطريق إلى ضفة نهر السين، حيث أن المراكب البخارية كانت في طريقها إلى مدينة سوريسين، وهنا كانت تمتلكني الرغبة لأن أركض عبر الغابة، وقد كانت القوارب المخصصة للنزهة على ضفة النهر تعج بالركاب، وفي تلك اللحظة وقفت إلى جانبي عاملة وقد كانت فتاة تتميز جمال فائق وكأنها من مدينة باريس، حيث أنها لطيفة المظهر ذات شعر أشقر مجعد، وبينما أخنا كلانا بتبادل النظرات لبعضنا البعض تمنيت لو أنني أهمس في أذنها أعذب كلمات الحب.
وفي لحظة ما كنت على وشك أن أكلمها، ولكن لمس أحدهم كتفي وما إن استدرت حتى لمحت رجل ذا مظهر عادي في منتصف العمر، وقد نظر إليّ حينها بنظرة حزن، وقال: أود الحديث معك في أمر هام، وهنا اعتقدت أنه لاحظ نظراتي لتلك الفتاة، وفي ذلك الحين نهضت وتبعته إلى نهاية القارب، وهنا بدأ بالكلام فقال: حين يقترب فصل الشتاء يقول لنا الطبيب: أبق قدميك في الدفء باستمرار.
ولكن حينما تصاب بالزكام والتهاب القصبات، حينها لو اتخذت ألف احتياط، فإن هذا لن يحميك من ملازمة السرير لمدة تقارب على الشهرين، وكنا حينما يعود فصل الربيع من جديد على الرغم من أوراقه الخضراء اليانعة، إلا أنه يحمل معه الاضطرابات الغامضة، ولن تجد شخص يقول لك: خذ حذرك من الحب، فأسلحته فتاكة وماكرة وهو أشد خطراً من الزكام والتهاب المفاصل، وبما أنه لن تجد أحد يحذرك فأنا بالنيابة عن الجميع أقول: احذر الحب.
وهنا قال بطل القصة: وقفت أمام هذا الشخص الغامض وأنا تعتريني الدهشة، وقلت له إنك تتدخل في شأن لا يعنيك على الاطلاق، وقام حينها بحركة فجائية ورد علي: ولكن عليك في حال لاحظت أن شخص سوف يغرق في مكان خطر، هل ينبغي عليّ أن أتركه يغرق؟ تفضل استمع إلي قصة حدثت معي وسوف تدرك السبب خلف جرأتي في الحديث إليك بهذه الطريقة.
فما حدث معي في يوم من الأيام وفي ذات الفترة كنت أعمل كموظف تابع إلى وزارة البحرية وقد كان الرؤساء والمفوضون يأخذون على محمل الجد العديد من الشارات من مراكزهم كموظفين بيروقراطيين؛ وذلك حتى يعاملونا كبحارة، وفي ذلك الوقت كنت أشاهد من مكتبي الخاص طرفاً من السماء والتي تنعكس عليها زرقة البحر حيث كانت تحلق طيور السنونو.
وفي تلك الأثناء كنت أتوق إلى الحرية وعلى الرغم من نفوري ذهبت من أجل مقابلة رئيسي وقد كان رجل صغير القامة وسيء الأخلاق وعلى الدوام يبقى في حالة غضب، أخبرته بأنني مريض، وفي تلك اللحظة نظر إليّ وصاح بي قائلاً: لا أصدق أي شيء مما قلت هيا اغرب عن وجهي، هل تعتقد بأن مكتباً يمكنه أن يسير العمل به مثل موظفين على شاكلتك؟ وهنا تسللت وتوجهت إلى نهر السين وكان الطقس يومها كهذا اليوم تماماً، وهناك ركبت الزورق حتى أقوم بجولة حول سان كلو، ولكن في تلك اللحظة تمنيت أن يكون رئيسي قد شدد عليّ الخناق ومنعني حينها من الخروج.
حيث أن حينها التقيت مع فتاة شابة وبدأت بنظرات متبادلة طويلة، وهنا مشيت بالقرب منها وبدأ بيننا حديث طريف، ومن ثم بدأنا بجولة سوياً وحدث بيننا شيء من الإعجاب والارتياح، وحينها قامت بالغناء، وكان صوتها عذب وجميل كما أنها قامت بالرقص، ولكن بعدها شعرت بشيء من التعب فجلست على منحدر أخضر، أما أنا فقد جلست عند قدميها ووضعت يديها اللتان كانتا متأثرتان بإبرة الخياطة بين يدي وهذا الأمر أثر بي لدرجة كبيرة، وهنا حدثت نفسي قائلًا: ها هي ذي علامات العمل المقدسة؟، ثم بعد ذلك حدق كل منا بالآخر، وهنا رأيت تلك العيون كم تمتلك من قوة، وأن أي شخص ينظر إليها يشعر بالاضطراب وتسيطر عليك، وهنا تحمست بجنون، وركعت قربها وفتحت قلبي لها،
ولكن ما حدث بعد ذلك هو أنني تركتها تغادر واتفقنا على عدة لقاءات أخرى، وفي تلك اللحظة بدت وأنه يسيطر عليها الحزن الشديد، ومنذ عودتي كاد قلبي يخرج من أضلاعي، وحينما شاهدتها في اللقاء التالي صاحبتها إلى عدة مدن وإلى كل الأمكنة حيث يجتمع الأحبة القادمون من الضواحي، ولكنها في تلك اللقاءات بدأت تلك الفتاة تستغل شغفي، أخيراً فقدت الرشد وتزوجنا بعد ثلاثة أشهر.
ومنذ زواجنا وأنا أرى أن الحياة لا تطيب إلا بصحبة امرأة، ولكن بعد أن تتزوج تلك المرأة بدأت تنهال عليك الاهانات في كل صباح ومساء، دون أن تدرك ما يدور حولك من جهة ثرثرة ومن جهة تهديد دون كلل أو ملل، وفي الكثير من الأحيان تغني بأعلى صوتها، وفي أحيان أخرى كانت تقاتل بائع الفحم وفي أوقات أخرى تذم زوجها لدى الباعة وكان رأسها معبأ بالعديد من القصص السخيفة والمعتقدات الساذجة، ومجموعة من الآراء السمجة، وكل هذا أودى بي إلى البكاء الشديد والدخول بحالة من الإحباط، كلما حاولت محادثتها.
ولكن في أواخر علاقتنا قد أنهكنا التعب والانفعال، وقد أوصل بنا الحال إلى أن قفزت زوجتي من على الجسر، وفي النهاية حينما أسرعت من أجل اللحاق والإمساك بها، لكن ما حدث في تلك اللحظة هو أن جاء رجل غامض وأمسك بي بقبضة يده وقد هدب سترتي وشدني إلى الخلف وهو يكرر بصوت عالي: لن تذهب ومنذ تلك اللحظة بقيت بلا حراك غاضبًا لكن مجرد من أي جرأة إزاء تلك الفضيحة والتفاهة التي حدثت، وانطلق المركب وقد أكمل طريقه، ومنذ ذلك اليوم أسديت لذلك الرجل خدمة ما بعدها خدمه.