قصة مأساة حقيقية

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من روائع الأدب الفرنسي التي صدرت عن الأديب غي دي موباسان، وقد تناول الكاتب من خلال مضمون القصة الحديث حول حادثة قتل حقيقة حدث في الزمن القديم من قِبل شقيق قام بقتل شقيقه، إلا أنه على الرغم من تسكير القضية وعدم الوصل إلى دليل قاطع يدل على المجرم الحقيقي ومرور عشرين عام على وقوعها، إلا أنه تم التوصل في النهاية إلى الحقيقة والتوصل إلى القاتل الحقيقي وقد تلقى جزاءه.

قصة مأساة حقيقية

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في إحدى الممتلكات التي تقع في إحدى المناطق الريفية، وعلى وجه التحديد في قصر يقع في إحدى المزارع حيث كان يقيم هناك الشابان يعودان في أصلهم إلى عائلة عريقة، كان البكر من بين هؤلاء الشابان خاطب من فتاة، وقد كان حبه وعشقه لتلك الفتاة عظيم ويزداد قلبه اضطراباً كلما تذكر أن موعد الزفاف قد اقترب، ويوماً بعد يوم كانت حالة الخاطب تبدو في بعض الأحيان أنه مفعم بالحياة وحالم، وفي أحياناً أخرى يبدو أنه تائه لا يعرف ماذا يريد، كما كان في أغلب الأوقات يتغيب أيام طوال أو يقوم بحبس نفسه في غرفته ويقضي جلّ وقته في القراءة والتأمل، وكلما تذكر أن موعد الزواج اقتراب ازدادت بداخله حالة التوتر والقلق.

وفي أحد الأيام وعلى وجه التحديد قبل ما يقارب أسبوع من التاريخ المحدد للزواج، كان الشاب الخاطب عائد في المساء من زيارته اليومية لخطيبته، وإذ به قد تلقى ضرب برصاصة نار من مسافة قريبة جداً، وفي تلك الأثناء كان قد وصل عند زاوية الغابة، وفي تلك اللحظة سرعان ما شاهد الحادث مجموعة من الفلاحين وهموا بنقله إلى بيته، إلا أنه كان قد توفي، ومنذ ذلك الوقت وقد دخل شقيقه في حالة من اليأس والاكتئاب، وقد استمرت تلك الحالة إلى ما يقارب العامين، وطوال تلك الفترة اعتقد الجميع أن حال شقيقه سوف تؤول في النهاية إما إلى أن يصبح راهب أو أن يقدم على الانتحار، إلا أن ما حدث هو أن شقيقه قد تزوج من خطيبته.

وطوال هذين العامين وأثناء البحث والتحري المكثف حول الجريمة لم يتم التوصل إلى دليل قاطع يدل على المجرم، وكل ما عثر عليه هو وجود قطعة ورقة محترق طرفها ويملأها السواد من أثر البارود؛ وذلك لأنه استخدامها القاتل كحشوة في بندقيته، وما هو مكتوب على تلك الورقة هو بضعة أبيات شعرية تعود إلى نهاية أغنية شهيرة آنذاك، لكن لم يتمكن أي شخص من معرفة الكتاب التي تم أخذها منه.

في بداية التحقيقات كان الشك يدور حول أحد الصيادين في المنطقة؛ وذلك لأن سلوكياته كانت تشير إلى أنه مرتبك طوال الوقت، وبعد أن تم إلقاء القبض وزجه في السجن، إلا أنه تم إطلاق سراحه لعدم توفر الأدلة الكافية، وقد سار الزمن إلى أن مضى على الحادثة ما يقارب على العشرين عاماً، وقد حدث بها أن الشقيق الأصغر أصبح متزوج من خطيبة أخيه ويعيش حياة سعيدة، وقد كان رجل محبوب ومحترم ويمتلك الكثير من الأموال، كما رزق بثلاثة فتيات، وقد كانت إحداهن سوف تتزوج عن قريب من ابن أحد الأشخاص الذين كانوا يعملون في السلك القضائي في السابق، كما أنه أثناء عمله في السلك القضائي كان قد شهد على حادثة الشقيق الأكبر.

وقد تم إقامة عقد الزواج في عرس ريفي بهيج وملأ السرور قلب العروسين وتوج الاحتفال بإقامة مائدة عشاء في قاعة القصر الطويلة، وفرح الجميع وضحكوا وتمازحوا، وحين وصلت وقت تقديم الحلوى اقترح أحد المقربين القيام بغناء بعض الأهازيج والأغنيات كما كانوا يفعلون في الزمن القديم.

وبالفعل أعجبت الفكرة جميع الحاضرين والكل بدأ في الغناء، وحينما جاءت اللحظة التي جاء بها دور والد العروس، شرع بالبحث في ذاكرته عن أغنية كان يدندنها قديماً، وأخذ يستدعيها إلى ذاكرته رويداً رويداً، وقد كانت تلك الأغنية قد حصلت على إعجاب الجميع فصفقوا له، وقد تابع الغناء إلى أن وصل إلى آخر مقطع فيها، وحين انتهى من إلقاء الأغنية سأله والد العريس القاضي: من أين جئتنا بهذه الأغنية؟ فأنا أعرف المجموعة الأخيرة من أبياتها، فقال والد العروس: إنها تتعلق بمناسبة خطيرة في حياتي، إلا أنني بدأت في فقدان ذاكرتي.

وفي صباح اليوم التالي سافر العروسان في رحلة، ومنذ ذلك اليوم كان هناك هاجس جامح من الذكريات يتردد على ذاكرة والد العريس، إلا أن تلك الذكريات غير واضحة المعالم بعض الشيء، ولكن كانت هناك رغبة كبيرة من استعادتها، فقام بدندنة الأغنية مراراً وتكراراً دون توقف، ولم يتمكن من معرفة من أين جاءته تلك الأبيات، إلا أنه مع ذلك كان يشعر بأنها منقوشة ومغروسة في رأسه منذ زمن بعيد، وكأن لديه جدية في ألا ينساها.

وبعد مرور ما يقارب على العامين من زفاف الأبناء عثر والد العريس بينما كان يقلب في أوراق قديمة تلك الورقة التي كانت تحمل تلك الأبيات التي طال البحث عنها، حيث كانت الأبيات هي ما تبقى ويمكن قراءته من على حشوه البندقية التي تم استخدامها في السابق كحشوة للسلاح الجريمة، ومنذ أن عثر عليها وقد بدأ في إعادة التحقيق دون أن يعلم بأمره أحد، ويسأل بدهاء والد العروس ويفتش في أثاث صديقه إلى أن عثر على ذلك الكتاب التي انتزعت منه تلك الورقة.

ومنذ ذلك الوقت والمأساة بدأت، إذ أن قلب الأب بدأ يحترق في أن صهر ابنه هو المشبه به، ولكن إن كان من كان يشك فيه بالحقيقة مذنب، وأنه قتل شقيقه من أجل أن يسلبه خطيبته، فهل هناك جريمة أكثر وحشية من تلك؟ وهنا تغلب ضمير القاضي على شعور الأب، وعزم على إعادة القضية للبحث بها في المحكمة، وقد تم التوصل إلى أن القاتل الحقيقي هو الشقيق، وفي النهاية تم إلقاء القبض عليه وتلقيه الحكم.

وفي خاتمة القصة أشار الكاتب إلى أن تلك الأحداث كانت منقولة عن قصة حقيقة واقعية حدث في إحدى البلدان، وقد تم نقلها إليه من خلال أحد الرواة الشعبين الشاهدين على تلك الحادثة منذ بدايتها حتى نهايتها، وقد أوضح الكاتب أنه ليس كل القصص والروايات التي يتم تدوينها ونقلها إلى الأجيال القادمة هي من نسج الخيال او مجرد معالجة لقضايا تحدث في مختلف المجتمعات، وإنما هناك قصص واقعية حدثت في العصور القديمة وتم نقلها للتوضيح أنه مهما مر وقت على الأحداث لا بد من كشف الحقيقة في النهاية.


شارك المقالة: