ازدهر الأدب والعلم في بلاد الأندلس وأوعز هذا الازدهار إلى عِدّة عوامل مرّت بها البلاد ساعدت في هذا الازدهار، فهناك عوامل سياسية وعوامل اجتماعية وطبيعية كان لها دور كبير في تطور الأدب والعلوم في بلاد الأندلس، وسطع نجم الكثير من الأدباء والشعراء في سماء الأندلس وأحدثوا نقلة نوعية في الأدب آنذاك، وفيما يلي نبذة عن أشهر أدباء وشعراء الأندلس.
لسان الدين بن الخطيب
هو أديب أندلسي مشهور وفيلسوف كذلك وهو من قام بتأسيس الجمال والحب، وعرفت له آثار أدبية كثيرة ولكن ورغم كل هذه الآثار التي ورثها للأجيال إلا أنه تم اتهامه في العصر الأندلسي بالزندقة وتم قتله على إثرها. ويقال أن فلسفته هي من أدت به إلى الموت وتم حرق جثته بعد قتله في مدينة غرناطة.
وضع لسان الدين الخطيب أسس وقيم الجمال الإنساني والحب، وكانت تنافس هذه القيم والأفكار الكثير من قيم وأفكار الغرب وتفوقت على العديد منها، ولكن هذه القيم الفلسفية لم يكتب لها أن تضيئ وتسطع بشكل وافي تام.
ولد لسان الدين بن الخطيب في مدينة صغيرة من مدن الأندلس وتدعى لوشة وهي تقع جنوب الأندلس، واسمه هو حمد بن عبد الله السلماني الخطيب، اشتهر بكثرة علومه، فهو شاعرٌ مبدع ومؤرخ وكذلك طبيب مشهور وفيلسوف في الجمال والحب، وكان لسان الدين عبارة عن شلال من المعارف والعلوم.
عاش معظم حياته في مدينة غرناطة وكان يقوم على خدمة بني نصر وكان لقبه آنذاك بصاحب الوزارتين ويقصد بذلك الوزارة والكتابة، والزائر لقصر الحمراء الذي يقع في غرناطة يستطيع أن يقرأ أشعاره التي نقشت على جدران هذا القصر، وما تزال منقوشة حتى اليوم.
كان لسان الدين بن الخطيب يخدم حكام بني الأحمر، وقد سبقه في ذلك العمل والده الذي تم قتله في أحد المعارك التي دارت في الأندلس، فأخذ لسان الدين الخطيب محل والده في القصر، ولكن لفطنته وذكائه التي كان يتمتع بها كانت سببًا لترقيته إلى أن أصبح وزيرًا.
وتناولت العديد من المؤلفات الحديثة تجربة الأديب، ولكنهم ركزوا في هذه المؤلفات على الجانب السياسي وصفاته وشخصيته وأهملوا فيها الجانب الجمالي، وعرف عن الأديب الفيلسوف أنه كان متقلب الحال فتراه مرةً هذا الزاهد التقي الورع، وتراه تارةً أخرى ذلك الرجل الجشع الذي يعشق تملك القصور وكنز الأموال، وبسبب أفكاره السياسية كثر أعدائه وقلَّ أصدقائه، هو القائل في شعره:
جادك الغيث إذا الغيث همي
يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حُلما
في الكرى أو خلسة المختلس
ومن أهم وأبرز مؤلفاته التي تركها للأجيال ما يلي:
1- معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، وهو كتاب من أروع ما كتب لسان الدين الخطيب، ويتألف من جزء واحد، وهو عبارة عن مقامة أدبية متميزة كتب بأسلوب فني رائع، قائم على الإكثار من المحسنات البديعية والسجع كذلك، وتناول هذا الكتاب المدن الأندلسية والمغربية، وتوضيح معالمها الجغرافية، والحياة الاجتماعية في تلك المدن.
2- خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف: وهو كتاب يعج بالجمال الأدبي والمحسنات البديعية والسجع، وفي هذا الكتاب يتحدث الأديب عن رحلة قام بها إلى غرناطة.
3- جيش التوشيح: وهو عبارة عن كتاب يضم أشعار لسان الدين الخطيب، وهي عبارة عن موشحات أندلسية رائعة الجمال، وكان يتحدث في هذه الموشحات عن جمال الأندلس.
الإمام القرطبي
هو محمد بن أحمد بن بكر بن فرح، ولد وترعرع في مدينة قرطبة، وتوجه إلى تعلم القرآن الكريم، واهتم بدراسة اللغة العربية وقواعدها، وكذلك تعلم الفقه والقراءات، وكذلك الشعر والبلاغة، وتلقى تعليمه على يد أشهر علماء الأندلس آنذاك، ومن العلماء الذين أخذ علمه منهم، أبو العباس القرطبي، وكذلك الشيخ أبو محمد عبد الوهاب بن رواج، وغيرهم الكثير من العلماء والشيوخ.
عرف الأمام القرطبي أنه من أبرز العلماء في التفسير وله مؤلفات كثيره في ذلك، ومن أبرزها كتابه الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان، وعرف عن كتابه هذا شموله أغلب العلوم فهو عبارة عن موسوعة علمية، تحدث فيها عن علوم القرآن والفقه، وكذلك اللغة وغيرها الكثير.
ابن رشد
هو محمد بن رشد الأندلسي، الذي ولد في مدينة قرطبة وعاش ونشأ في أسرة علمية، وعرف عنه أنه موسوعة علمية لمختلف العلوم والتخصصات، فهو قاضي للقضاة في عصره، وفقيه، وطبيب فيلسوف ومترجم.
الفيلسوف الإدريسي
هو أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي، وهو من أشهر فلاسفة الأندلس وتميز بعلم الجغرافيا وهو الذي أسس علم الجغرافيا، وأبدع في الأدب وكذلك الشعر وعلم النبات، وتوجه إلى دراسة الفلسفة وعلم النجوم وكان طبيبًا معروفًا في قرطبة، وكان يلقب الإدريسي بالصقلي، لأنه عاش في صقلية، ومن أشهر مؤلفاته كتابه، نزهة المشتاق في اختراق الأفاق، وكتاب روض الأندلس ونزهة النفس، وكتابه الجامع لصفات أشتات النبات، وغيرها من المؤلفات.
وفي النهاية نستنتج أن بلاد الأندلس كانت منبع للعلوم والآداب والثقافة وساعدها على ذلك عدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وطبيعية، وسطع نجم العديد من العلماء والأدباء في سماء الأندلس، وأبدعوا في جميع العلوم التي درسوها.