كان نطاق الترجمة قديماً محصوراً بمجالات بسيطة ومدّدة وهي: الترجمة الأدبية والتي تحتوي على ترجمة النثر والقصص والشعر، وربمّا كتب علمية أخرى تتحدّث عن مواضيع علمية بشكل عام، فكانت تقوم على ترجمة الكتب والمؤلّفات بلغاتها المختلفة، أمّا في عصرنا الحالي فنشأت أنواع جديدة للترجمة منها ما يسمّى (الترجمة المتخصّصة)، وهي الترجمة ذات المترجم المتخصّص بمجالها، سنحكي عزيزي القارئ في هذا المقال عن نطاق الترجمة المتخصصة، وعن بعض مصطلحاتها ومخاطر التعامل معها.
نطاق الترجمة المتخصصة
أوّلاً عرّف البعض الترجمة المتخصّصة بأنّها نوع من أنواع الترجمة التي اللغات ذات التخصّص، ولم تصنّف كنوع من الأدبيات، بل تم اعتبارها كمرادف لها، وأحياناً يحدث لبس أو تشابه بين الترجمة التخصصية والترجمة التقنية؛ وذلك لأن الترجمة التقنية ذاتها محصورة في عدّة تخصّصات معيّنة، حيث تكون هذه التخصصّات تابعة أيضاً إلى ما يسمى بالترجمة المتخصّصة.
لكن البعض يرى أن الترجمة الطبية على سبيل المثال والترجمة العلمية التي هي بالأصل تنتمي للترجمة التقنية، لا يمكن اعتبارها ترجمة تخصّصية؛ فهي لا تحتوي نصوصها على لغات متخصّصة، وأن نطاق الترجمة المتخصّصة محصور فقط باللغات التي تحكي على المعارف المختلفة مثلاً (الهندسة بأنواعها المختلفة، الإدارة، الحاسوب، الرياضيات وغيره).
وعلى الرغم من هذا التعريف إلّا أنه جاء من يعارضه ويقول بأن الترجمة الطبية والعلمية تتبع للترجمة المتخصّصة، ويمكن اعتبار الترجمة التقنية بالأساس هي فرع من فروعها الرئيسية، وعرّف الترجمة المتخصصة بالمفهوم الأعلى والتقنية بالمفهوم الثانوي، وهذا على اعتبار أن مجالات الترجمة التقنية تحتوي نصوصاً ذات مصطلحات متخصّصة فلا يمكن فصلها بشكل كامل عنها.
ويمكن تعريف الترجمة المتخصصة بشكل عام على أنّها الترجمة التي تختصّ اللغة المتخصّصة بنوع واحد، وهي تختلف عن الترجمة العامّة التي تعتبر من الصعب تحديد ماهيّتها؛ لأنّها تتحدّث عن نصوص بشكل عام ولا تذكر نقاط محدّدة، ولكن في عصرنا الحديث يوجد هنالك بعض النصوص والتي تتحدّث عن مواضيع عامّة ذات مصطلحات محدّدة، على سبيل المثال ترجمة إعلان تجاري في العادة تحمل محتوى متخصّص في العادة، أو ترجمة تقرير عن سير العمل الأسبوعي تتحدّث عن موضوع محدّد وليس عام، ومن هنا صدر التشويش فيما يختص تعريف نطاق الترجمة المتخصّصة.
لذلك وبعد التعريفات السابقة تم الوصول إلى تعريف آخر وجديد للترجمة المتخصّصة والذي يوضّح نطاقها في الترجمة وهو (إن الترجمة المتخصّصة تختصّ بكل ما نص يحتوي على أي نوع من أنواع المعرفة أو أي نشاط متخصّص بغض النظر عن هدفه أو مجاله، مثلاً فيلم وثائقي بتحدّث عن موضوع ما، إعلان لمنتج وو..) إذاً فنطاق الترجمة المتخصصة أصبح واسع ليشمل هذه الأنواع كلّها.
صعوبة التعامل مع المصطلحات في الترجمة المتخصصة
إنّ أصل التعريف في الترجمة المتخصّصة هو تعاملها مع مصطلحات محدّدة، وهذا ما صنع منها نوع أقل مستوى من الأنواع الأخرى، مثل الترجمة الأدبية التي تتعامل مع نصوص كاملة ذات تراكيب وجمل دلالية المعنى، أمّا الترجمة المتخصّصة فهي انحصرت في تعريف المصطلحات؛ فتعتبر الترجمة العلمية على سبيل المثال أصعب من ترجمة الكتب أو القصة التي يتطلّب من المترجم أن يتقمّص دور المؤلف فيها.
وهنالك مقولة للشهير (أورتيجا جاسيت) تقول (عندما نسأل أنفسنا عن السبب في أن الكتب العلنية أسهل في الترجمة، فسوف ندرك أن المؤلف نفسه بدأ فيها بالترجمة من اللسان الأصلي حيث يعيش، يتحرك ولديه وجوده في لغة زائفة تتكون من المصطلحات التقنية وكلمات مصطنعة لغوياً يجب أن يحددها هو نفسه في كتابه باختصار، وبذلك هو يترجم نفسه من لغة إلى مصطلحات)، وبذلك هو يعرّف لغة التخصّص بأنّها لغة زائفة ومصطنعة.
ولذلك وبشكل من الأشكال تنفصل اللغة المتخصّصة عن اللغة العامة ذات اللغة الفعلية، فهي في الترجمة لا تحتاج من المترجم شوى مجهود بسيط لا يتعدّى استخدام القاموس والبحث عن ترجمة المصطلحات فقط، ولكن في الوقع وبعد كل الدراسات وجد بأن التعامل مع المصطلحات المتخصّصة هي من أصعب المهمّات على الإطلاق؛ والسبب في ذلك هو أنّه يتطلّب من المترجم جهد كبير وهو لا يمكنه الاكتفاء بالقاموس فقط، بل عليه أن يبدع في هذا المجال.
والسبب في عدم اكتفاء المترجم بالقواميس هو أنّها في العادة لا تحتوي على جميع المصطلحات التي قد توجد في النص المتخصّص، كما أنّها ليست شاملة لمصطلحاتها و موضوعاتها كذلك، والقواميس باختلافها بحسب البلد إلّا أنّها تبقى أحادية المعنى، ومن الممكن أن المعنى قد لا يناسب المصطلح المتوفّر، بل تحتاج لإعادة الصياغة.