مراكز الشعر في العصر الأموي 

اقرأ في هذا المقال


كان الأمويين يفتخرون باللغة العربية والعرب، ويعتزون برجاله ويكرمونهم ويرفعون من شأنها وعرف عن بني أمية أنهم لم يسلموا مفاتيح حكمهم لغير العرب، وترعرع أبناء الخلفاء في البادية كي يتعلموا الأدب والشعر والفصاحة، وكان الخلفاء يتهافتون على إنشاء المجالس الشعرية والأدبية وكانوا يستقطبون إليها الشعراء والأدباء ويغدقون عليهم الأموال والعطايا.

مراكز الشعر في العصر الأموي   

1- مكة ويثرب: أجزل خلفاء الأمويون الهبات والعطايا على يثرب ومكة وكان الهدف من ذلك إغراقهم بحياة اللهو والسمر ويجعلوهم منشغلين عن السياسية ومقاليد الحكم، وأيضاً لن ننسى الأموال التي كسبوها الصحابة رضوان الله عنهم في فتوحات الإسلامية.

وقام  الأمويين على تشييد القصور والبيوت الفارغة وعمل العبيد على خدمتهم وتلبية طلباتهم وكانوا قد جلبوهم من شتى أرجاء البلاد، وهذه العوامل جعلت مكة ويثرب تغرقان بحياة الترف واللهو باستثناء الأوقات التي كانت تقام فيها الحروب، مثل احتجاج أهل يثرب على يزيد، وَاحتجاج أهل مكة على عبد الملك.

برزت مكة ويثرب في أشعار الغزل وظهر فيهم شعراء متخصصون في الغزل مثل عمر بن أبي ربيعة، والحارث المخزومي، وعبيد الله الرقيّات وغيرهم الكثير من الشعراء، وبقيت بصره مدى العهد الأموي تدور فيها حروب العصبيات القبلية وأخذ حينها كل شاعر يتباهى بقبيلته، وهجاء كل قبيلة تعاديها وبذلك أصبح لكل قبيلة شاعر أو حتى شعراء يتفاخرون بها ويدافعون عنها بشعرهم ويهجون أعدائها.

ويعد سوق مريد من أهم الأسواق والمراكز للأدب والشعر في العصر الأموي، وكان الشعراء يلتقون في هذا السوق يتناظرون ويتفاخرون ويهجون أيضاً، ومنهم جرير وَالفرزدق وكُثير والأخطل، حيث خلفوا نتاجاً غنياً وتركوا أثر بارزاً في مراكز مريد، ومن الجدير بالذكر أن نشاط الشعر والأدب كان ضعيفاً في الشام ونجد والكوفة لأن بيئتها بدوية وأيضاً بسبب بعدهم عن العصبيات والصراعات القبلية.

2- نجد والحجاز: استمرت نجد والحجاز بحياة البداوة وبقي سكانها يعملون في رعي الغنم والأبل ويتنافسون في ذلك، حيث بقيت حياة الجاهلية متمكنة منهم، وعلى الرغم من يقظة حكامها الأمويين ظهرت عادة الثأر وانتشر قطاع الطرق وشاع شعر المفاخرة والهجاء آنذاك.

وتوافد الشعراء إلى مدينة دمشق مادحين الخلفاء في أشعارهم لكسب رضاهم ونيل الهبات والأموال منهم، وانتشر في ذلك الوقت الغزل العذري الذي تميزت فيه قبيلة عذرة وبرز في هذا الغرض العديد من الشعراء مثل جميل بثينة ومجنون ليلى، وتعد أشعارهم من أرقى الأشعار الغزلية والتي توجهت إلى ذكر صفات الحشمة والوقار في المرأة، وكانوا يبتعدون عن ذكر أي شيء محرم أو فيه إثم.

وبخصوص الحجاز وبواديها التي أُنهكت بالحروب التي وقعت بين قيس وتغلب كانت من أهم الدوافع إلى انتشار النقائض، مثل نقائض جرير الذي يساند قبيلة قيس وكذلك الفرزدق الذي يساند قبيلة تغلب، ومن هنا وبسبب هذه الأحداث والصراعات برز شعر الفخر وكذلك شعر الهجاء وخصوصاً بين قبيلة قيس وتغلب.

3- الكوفة والبصرة: سُيدت المدينتان في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتعد هاتان المدينتان مراكز للَصراعات والثورات، مثل صراع الخوارج والشيعة الذي انتشر في الكوفة أما بخصوص البصرة فكان موطن بن الزبير رضي الله عنه وانتشرت فيها في ذلك الوقت النزعات القبلية، وتعد البصرة هي موطن الشعر الأصلي وظهر فيها المدح والهجاء وكذلك الفخر.

4- خرسان: بقيت خراسان مُتطبعة بطباع الجاهلية حيث انتشرت فيها النزعات القبلية وخصوصاً النزعات بين قبيلة الأزد وقبيلة قيس، وظهرت عادت الثأر فيها وتوجه العرب آنذاك وانشغلوا في معارك الفتح ورغم ذلك انتشر الشعراء وتمركزت أغراض شعرهم حول المديح والهجاء والفخر.

5- الشام: سكنت في الشام العديد من القبائل مثل المضريين والقحطانيين وغيرهم، ولم بنشر الشعر في هذه المناطق وغيرها من البلاد، وأغلب الشعر كان ينظم في المديح وخصوصًا مديح الشاعر بن الرقاع.

وقد توافد إلى الشام العديد من شعراء خراسان والحجاز والعراق من أجل مدح الخلفاء ليكسبوا عطاياهم، ومن هؤلاء الشعراء ابن الرّقيّات والأحوص وكُثير وهؤلاء قدموا من الحجاز، أما من حضر من نجد نذكر منهم ابن ميادة والراعي وغيرهم، ومن العراق حضَر الفرزدق وجرير والأخطل وبالإضافة إلى ذلك الشعر الذي قدم مع الفاتحين وقبيلة قيس، واشتعلت بينهما حرب شعرية من أهم أغراضها التفاخر والهجاء والمديح أيضاً ومن الولاة الأمويين من كان شاعراً كعبد الملك.

أبرز أغراض الشعر في مراكز الشعرية الأموية

1- الشعر السياسي: الشعر الذي كتبه الشعراء المؤيدين لطوائف السياسية ضد الخلافة مثل الفرزدق وكميت، الذي قاموا على مدح بني هاشم ومدح الزبيريين الذي مدحهم عبد الرقيات وإسماعيل النسائي، ومنهم من كان يؤيد سياسة الخوارج مثل الطرماح.

2- الغزل: وكان هذا النوع منتشر في الجاهلية وتطور في العهد الأموي وأصبح مستقلاً يتجه الشعراء إلى كتابة القصائد الكاملة في هذا النوع، وخير مثال على ذلك قصائد بن أبي ربيعة وَشعر المخزومي، وظهر في هذا العصر نوعين من الغزل وهما العذري والحضري.

3- الهجاء السياسي: انتشر هذا الهجاء في العهد الأموي ولجأ إليه الخلفاء وقت التفكك الذي دار بين الأحزاب والقبائل، كان الخلفاء ينفقون الأموال والهبات على الشعراء تشجيعاً لهم من أجل كتابة هذا النوع من الشعر ضد أعدائهم، ومن أشهر الشعراء بهذا الغرض الشعري هو الأخطل. 

4- الهجاء الأدبي: وهو شعر الهجاء الذي دار بين الشعراء أنفسهم بعيداً عن الأحداث والأحزاب السياسية، وقد يكون المراد فيها بيان القدرة على الهجاء ومن بعدها يتوجه المنهجيات إلى الحاكم ليحكم بينهم، ومن أهم الشعراء في هذا الغرض الأخطل.

5- وصف الخمر: ويعد الوليد بن يزيد الأموي هو أول من تطرق إلى وصف الخمر، وأشهر من برز في هذا الأخطل وكذلك الوليد بن يزيد.

أبرز شعراء مراكز الشعر الأموي      

1- جرير: هو شاعر من بني كليب من بني تميم، وهو من أبرز شعراء العرب في الهجاء، وكان متميزاً في شعر المدح أيضاً، أقضى جرير حياته في مقارعة الشعراء وهجائهم وعرف أنه تمكن من هزيمة ثمانين شاعراً ولم يثبت أمامه سوى الفرزدق والأخطل ومن أبرز أشعاره في الهجاء:

تَلتَمِسُ السِبابَ بَنو نُمَيرٍ

فَقَد وَأَبيهِمُ لاقوا سِبابا

أَنا البازي المُدِلُّ عَلى نُمَيرٍ

أُتِحتُ مِنَ السَماءِ لَها اِنصِبابا

إِذا عَلِقَت مَخالِبُهُ بِقَرنٍ

أَصابَ القَلبَ أَو هَتَكَ الحِجاب

2- الفرزدق: هو شاعر من بني تميم تعلم الشعر من أبيه وكان يٌلقب باَلفرزدق لفخامة جسمه ووجهه، ويعد من أبرز شعراء عصره هو ووالده، ترعرع الفرزدق في البادية وتعلم فصاحة الكلام من هناك، مدح الفرزدق خلفاء بني أمية في الشام مكسباً، ودار بينه وبين الشاعر جرير خلاف شديد ظهرت على أثره النقائض و دامت خمسين سنة ومن أبرز أشعاره:

يا سائلي أين حلّ الجودُ والكرمُ

عـندي بـيانٌ إذا طلابه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهمُ

هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجدّه أنبياء الله قد ختموا

الأخطل: هو من قبيلة تغلب وهو نصراني نظم الشعر وهو فتى صغير كان سليط اللسان لهذا سمي بالأخطل، توفيت والدته وهو صغير وتعرض بعدها لقسوة زوجة أبيه مما دفعه إلى الهجاء، وكان يعرف عنه أنه كثير الوقوع  في أعراض الناس في شعره، ودفعه ابن جعيل إلى الهجاء الأنصار، ولهذا أصبح مقرباً من بني أمية وجعله عبدالملك شاعر البلاط، وكان يُلقب آنذاك بشاعر بني أمية، ومن أبرز أشعاره:

خَفَّ القَطينُ فَراحوا مِنكَ أَو بَكَروا

 وَأَزعَجَتهُم نَوىً في صَرفِها غِيَرُ

 كَأَنَّني شارِبٌ يَومَ استُبِدَّ بِهِم

 مِن قَرقَفٍ ضُمِّنَتها حِمصُ أَو جَدَرُ

 جادَت بِها مِن ذَواتِ القارِ مُترَعَةٌ

 كَلفاءُ يَنحَتُّ عَن خُرطومِها المَدَرُ

وفي النهاية نستنتج أن مراكز الشعر انتشرت في العصر الأموي، وكان الخلفاء ينفقون الأموال والعطايا على الشعراء، ويستدعونهم من جميع أرجاء البلاد؛ بهدف مدحهم، وكذلك هجائهم لأعدائهم، وبرز في هذه المراكز العديد من الشعراء أمثال جرير والأخطل والفرزدق وغيرهم الكثير.


شارك المقالة: