نظرية التجربة المباشرة في فلسفة برادلي وتحقيق الذات المثالية

اقرأ في هذا المقال


بالطبع من غير المحتمل أن يكون الفاعل الأخلاقي اليومي قد فكر في وضعها بهذه الشروط، ولكن هذا ليس ضروريًا لأنّ كل منها لديه دافع محسوس يوجهها في الاتجاه الصحيح، وشرح هذا يقدم عقيدة ميتافيزيقية أخرى في نظرية فرانسيس هربرت برادلي للتجربة المباشرة.

فلسفة برادلي في التجربة ثنائية الخبرة:

يقصد برادلي من التجربة ثنائية الخبرة جانبان أو نوعان من الخبرة وهما التجربة المعرفية ولأخرى التجربة غير المعرفية، وتعد التجربة المعرفية التي في طبيعتها، تعتمد على حالة عقلية بشكل متعمد مثل التركيز والتذكر والانتباه وغيرها من العمليات العقلية، أما التجربة غير المعرفية وهي التي في طبيعتها لا تعتمد على الحالات العقلية بشكل متعمد ومباشر والتي تكون بالمستوى الحسي أي ما يطلق عليه بالشعور.

التجربة غير الحسية أو الخبرة المعرفية:

أفضل طريقة لتقدير هذه النظرية هي النظر في طبيعة المرحلة الأكثر بدائية من التجربة الحسية، ويعتقد بعض الفلاسفة أنّه في حالاتنا الحسية الأولية يكون لدينا موضوع أو ذاتي في مواجهة واستقبال معلومات من شيء ما، والذي قد يكون إما كائنًا ماديًا أو معطيات حسية.

الخطأ هنا من وجهة نظر برادلي يكمن في الثنائية التي تؤيدها هذه الصورة مع فكرة أنّ التجارب الأولية هي تلك التي يركز فيها وعي الذات المختبرة على شيء ما، وبعبارة أخرى تنظر هذه الآراء إلى المرحلة الأولى من التجربة على أنّها معرفية بمعنى أنّ هناك شيئًا قبل الإدراك الواعي للفرد، حيث وبعبارة أخرى فهي من الحالات العقلية المقصودة.

 التجربة المباشرة أو الخبرة غير المعرفية لدى برادلي:

يرفض برادلي هذا بحجة أنّ هناك مستوى من الخبرة غير المعرفية في أساس جميع التجارب المعرفية، وفي هذا المستوى المنطقي المسبق لا تحتوي التجارب الواعية على أشياء، وغالبًا ما يتم تقديم الشعور بالألم كمثال على هذا النوع من الحالة العقلية، ويسمي برادلي هذا المستوى من الخبرة الشعور لتذكيرنا بأننا نتعامل مع حالة ذهنية غير معرفية أدنى من مستوى الفكر، وتسمى أيضًا التجربة المباشرة لأنّها لم تتم حتى الآن بوساطة أي عمليات عقلية مثل الانتباه والتجريد.

يكمن سبب تقدم برادلي في وجهة النظر هذه للتجربة المباشرة في تحليله لبنية الفكر، وبتعبير تقريبي يدعي أنّه بالحكم على أنّ الذئب يأكل الحمل على سبيل المثال، ونفصل بين الجوانب المختلفة لما يُعطى على الفور ونؤكد العلاقة بينهما والتي تتضمن عمليات عقلية مثل الانتباه والتجريد، ويجب أن تعمل عمليات من هذا النوع على تجربة وحدة غير علائقية.

بمعنى ما إذن حجة التجربة المباشرة هي حجة متعالية، بمعنى ستروسونيان (Strawsonian) توافقية ستراوسون هي توافقية قائمة على الجدارة حيث تستند المواقف التفاعلية على تصور النية الحسنة للشخص أنّه يمكن إظهارها على أنّها شرط ضروري للعمليات العقلية التي يمكننا القيام بها والعمل بها، وأخيرًا في مرحلة ما الموضوع أو التجربة يجب أن تنشأ ثنائية الخبرة.

الوصول إلى الذات الأخلاقية المثالية في فلسفة برادلي:

لا تحتاج تفاصيل عقيدة برادلي عن الفورية إلى احتجازنا هنا، ولكن هناك نقطة واحدة ذات أهمية مركزية وهي عندما ننتقل إلى المستوى الأعلى من الوعي الذي يستلزم حالات عقلية مقصودة والتي من المفترض أن يظل هناك شعور متبقي بوحدة التجربة المباشرة وبعض المعنى المتبقي من محتويات التجربة المباشرة.

هذا وثيق الصلة بالسؤال عن سبب وجود دافع لتصبح وحدة لا نهائية، حيث ذلك لأننا نحمل شعورًا متبقيًا بأنّ كل الواقع هو وحدة منهجية غير علائقية، وبعبارة أخرى هناك أثر متبقي للمستوى البدائي للفورية أو الشعور الذي يدفعنا نحو الكمال بمعنى أننا نشعر بأننا على خلاف غير مكتمل عندما نتصور أنفسنا على النحو المحدد في علاقاتنا بالأشياء والأنفس الأخرى.

وعندما نفكر في هذا جنبًا إلى جنب مع نظرية طبيعة الفكر فإننا ندرك أنّ هذه التجارب كما يتم التعبير عنها في عبارات تتجاهل في الواقع جوانب أخرى من المعطى وبالتالي فهي غير مكتملة، وبهذه الطريقة لا تكون الأحكام دقيقة تمامًا بل تكون صحيحة جزئيًا فقط، هذه هي نظرية برادلي عن درجات الحقيقة.

والنتيجة المترتبة على هذا الخط من التفكير بالنسبة للنظرية الأخلاقية هي أنّ لدينا اختبارًا يمكننا بواسطته تحديد ما إذا كنا قد أدركنا أنفسنا في حالة معينة، أي هل وصلنا إلى وحدة أكبر، مما يعني تقليل التناقضات المحسوسة أو التناقضات الصريحة في رغباتنا وتصرفاتنا وما شابه؟ وتتحقق الذات الأخلاقية المثالية عندما نصل إلى نقطة لا توجد فيها علاقات محدودة، أي عندما نكون كلاً غير محدود أي وحدة عضوية منهجية.

يمكننا أن نكون جزءًا من هذا التقدم نحو الذات الأخلاقية المثالية وفي فهمنا لما تتطلبه الذات الأخلاقية المثالية والذي يعكس ما سيصبح لاحقًا نظريته عن درجات الواقع، ففي حالة الأخلاق تحدث خطوة واحدة على طريق الكمال عندما نتوقف عن التفكير في الأشخاص الآخرين في مجتمعنا كقوى أو إرادات مناوئة -أي عندما نتوقف عن رؤية علاقاتنا بهم على أنّها خارجية- ونبدأ في رؤية الآخرين على صلة داخلية بنا.

إنّ الارتباط الداخلي بالآخرين في مجتمعنا يعني أنّ علاقاتنا بالآخرين ضرورية لنا، بمعنى تحديد من نحن وماذا نحن، وعلى النقيض من ذلك لا تؤثر العلاقات الخارجية على شروطها، فعلى سبيل المثال يقال عادةً أنّ وجودي أمام برج إيفل هو علاقة خارجية أتحملها مع هذا الشيء، فلا يجعلني ذلك شخصًا مختلفًا,

وبعبارة تقريبية يكمن الاختلاف بين مجرد مجموعة من الأشخاص، ومثل أولئك الذين ذهبوا إلى العرض بالأمس، ومجتمعًا أو وحدة اجتماعية مثل الأسرة، وفي ما إذا كانت العلاقات التي يحملها كل شخص مع الآخرين في المجموعة تحدث فرقًا لمن وما هم، ويتم ملاحظة هذا الرابط الداخلي عندما يتحدث أحد أعضاء المجتمع عما نؤمن به ونقدره وما إلى ذلك، وهذا هو مظهر ما يسمى (نحن القصدية).


شارك المقالة: