اهتم أهل المشرق بالخيل بشكل كبير واعتنى الفارس بحصانه وتعلق به وكان شديد الفخر بقوتها ورشاقتها وتمكنها من المراوغة في ساحة الوغى، ولم يغفل الأدب العربي عن تصوير الخيل وعلاقتها بأصحابها في الأدب فلقد انعكست أهمية الخيل على الشعر القديم وبرزت صور كثيرة له من خلاله، وفي هذا المقال سنتحدث عن الخيل وتواجدها في الشعر الجاهلي.
الخيل في الشعر الجاهلي
للخيل مكانة مرموقة في حياة أهل المشرق منذ القدم حيث كانوا يعاملونها وكأنها فلذة من فلذات أكبادهم ولم يكن القدماء يهتمون بشيء ويصونه كما يصونوا خيولهم لما كان لها من العز والبهاء والقوة، حتى أنه يؤثرها على نفسه وأبنائه ويبيت طاويًا ليشبع خيله ووصل بهم الأمر إلى معايرة بعضهم البعض لهزل خيولهم وسوء صيانتها والاهتمام بها وعن ذلك يتحدث عنترة:
أَبَني زَبيبَةَ ما لِمُهرِكُمُ
مُتَخَدِّداً وَبُطونُكُم عُجرُ
ولكم بإيثاء الوليد على
إثر الحمير بشدة خبر
إِذ لا تَزالُ لَكُم مُغَرغَرَةٌ
تَغلي وَأَعلى لَونِها صَهرُ
وكان يرمز اقتناء الخيل في المجتمعات على الثراء والنعمة ويُعدُّ مظهر من مظاهر العظمة وكان لهم المطيَّة في ساحات المعركة والرفيق المخلص في أوقات السلم الذي يروح عن نفسه ويفك ضيقه، وهي وسيلتهم للفَوز في السباق ومطيَّتهم إلى مراتع الصيد وبها يتمكنون من اللحاق بفريستهم والنيل منها.
ولقد قيل عن العرب أنهم كانوا يحتفلون ويبتَهِجون بولادة ثلاث وهي ولادة غلام أو شاعر أو فرس، ولقد تحدث المعري عن اهتمام أهل المشرق بالخيل وصونِهم لها بكل ثمين وقال على لسان الفرسان: ” نحن معاشر الجبهة أوْلى بالعِراب من كل حيوان، وفينا ورد حيد الشعر العتيق، وإيانا ذكرت الفرسان السالفة والفصحاء بالإيثار على العيال والأولاد والأم والفرس.”
ويتحدث الأخطل بذلك فينشد:
إذا ما الخيل ضيَّعَها أُناسُ
ربطناها فشاركت العيالا
نُهين لها الطعام إذا شتونا
ونكسوها البراقع والجلالا
ولقد تجلى لنا من خلال مقطوعات خالد بن كلاب مقدار اهتمامه بخيله وتوصية الرعاة بأن يقدموا لها لبن النوق في الصباح وفيها يردد:
أسوّيها بجاري أو بجُزء
وألحقها ردائي في الجليد
وأوصي الراعيين ليُغبقاها
لها لبنُ الخلية والصعود
وكان المال عند أهل المشرق القدامى ما يمتلكه من خيل وإبل وكان للخيل عندهم سمة وميزة على الأبل ويفضلونها عليها ولا يرون القوة والشجاعة إلا بها لأن بواسطتها كانوا يدافعون عن ممتلكاتهم الأخرى.
من الأمور التي تؤكد على أهمية الخيل لدى العرب أنهم كانوا لا يفرطون بها مهما اشتد بهم الأمر والجوع على العكس النوق التي لا يترددون في ذبحها والاستفادة من لحومها ويؤكد هذا الكلام علقمة بن عبدة:
وقد ييسرَت إذا ما الجوع كلفة
معقب بن قُداح النَّبع مقرُومُ
لو يسيرون بخيل ييسرَت بها
وكل ما يَسر الأقوام مقروُمُ
كما يؤكد الأحمر الليثي على عناية أهل المشرق بالخيل واهتمامهم بها ومكانتها العالية في نفوسهم وفي ذلك يقول:
تُسَوَى بأمِ الحي في كل شِتوةٍ
ونُلبسُها من دون من ينصح
وفي أبيات لعَمرو بن مالك يتحدث عن مكانة فرسه في نفسه وأنه يفضله على أولاده ويقول:
وسابحٌ كعقاب الدُّجى أجملهُ
دون العيال له الإيثار واللطفُ
ونرى أن مالك بن الريب رثى نفسه وذكر أشياء ستبكيه بعد رحيله ومن بينها فرسه؛ لأنه صديق وعون وقت الشدة وأنيس الوحدة، ويتكلم عن ما سيلقاه عند موته ومن يسقيه إذا عطش وعن ذلك يقول:
تذكرت من يبكي علي فلم أجد
سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر خنذيذ يجرُ عنانه
إلى الماء لم يترك له الدهر ساقيا
ذكر الخيل عند شعراء الجاهلية
ارتبط الخيل عند رواد الكلام منذ القدم بالكثير من الأمور ومنها:
1- الحرب: كان الفرس هو الطريقة الوحيدة التي يستعملها المقاتل في الإغارة السريعة ومطاردة العدو، فهي من أهم أدوات الحرب آنذاك وعن ذلك يتحدث المُزرد:
وعندي إذا الحرب العوان تلقحت
وأبدت هواديها الخُطوب الزلازلُ
طوال القرى كاد يذهبُ كاهِلاً
جواد المدى والعُقبُ والخَلقُ كامِلُ
وهذا عوف بن عطية ينشد:
وأَعدَدتُ لِلحَربِ مَلبُونَةً
تَرُدُّ عَلى سَائِسِيهَا الحِمَارا
كُميتاً كَحاشِيَّة الأَتحَمِيِّ
لَم يَدَّعِ الصُّنعُ فيها عُوارا
إِذا جَرَتِ الخَيلُ أَن يُستَطارا
والخيل عندهم هي الملجأ والحصن المنيع الذي يلجئون إليه عند احترام المعارك وعن ذلك يقول المزرد متحدثًا عن فرسه:
خـــروج أضـــامــيــم وأحــصــن مــعــقــل
إذا لم تــكــن إلا الجــيـاد مـعـاقـل
مـــبـــرز غــايــات وان يــتــل عــانــة
يــذرهــا كــذود عــاث فـيـهـا مـخـايـل
يُــرى طـامـح العـيـنـيـن يـرنـو كـأنـه
مــؤانــس ذعــر فــهــو بــالأذن خـاتـل
2- الصيد: الخيول هي الوسيلة الوحيدة لملاحقة الفريسة وكان العرب يستمتعون بالصيد وهم يمتطون خيولهم وعن ذلك يتحدث متمم:
ولقد غدوت إلى القنص وصاحبي
نهد مراكله مسحجرشعٍ
3- المفاخرة: كان أهل المشرق يتباهون ويتفاخرون في المحافل والاجتماعات بما يملكون من خيول وعن ذلك يقول علقمة:
وَقَد أَقودُ أَمامَ الحَيِّ سَلهَبَةً
يَهدي بِها نَسبٌ في الحَيِّ مَعلومُ
لا في شَظاها وَلا أَرساغِها عَنَتٌ
وَلا السَنابِكُ أَفناهُنَّ تَقليمُ
سُلّاءَةٌ كَعَصا النَهدِيِّ غُلَّ بِها
ذو فَيئَةٍ مِن نَوى قُرّانَ مَعجومُ
أسماء الخيل في الشعر الجاهلي
1- الأبجر: هي الخيل التي تمتلك بطن كبيرة بسبب شربِها الكثير من الماء وفيها أنشد عنترة:
كم مهمة قفرٍ بنفسي خفتُهُ
ومفاوزٌ جاوزتها بالأبجرِ
2- الأدهم: وهي خيل حالكة السواد القوية شديدة البأس وعنها قال عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها
أشطان بئرٍ في لبان الأدهم
3- الأشهب: وهي البيضاء وموشحة بالقليل من السواد وتدل على القوة وعنها قال عنترة:
من كل أدهمٍ كالرياح إذا جرى
أو أشهب عالي المُطا أو أشقر
4- أعوج: يعتبر هذا النوع من سادة الخيول وأهمها وينشد فيها عنترة:
إذا جئتُ لاقياني كُمي مُدجَجٌ
على أعوجي بالطّعان يرامِح
5- ورد: يدل على القوة والشجاعة وهو من أسماء الأسد أنشد عنه بن شداد:
يذبّبُ ورد على إثره
وأمكنَهُ ومَع مردى خَشِب
6- الصَّافنات: وعنها يقول عنترة:
فإن غُبار الصَّافنات إذا عَلا
نشَقت له ريحًا ألذّ من النَّد
7- ابن النعامة: سمي بذلك لشدة بأسه وعنه ردد عنترة:
ويكن مركَبُك القعود ورحلُه
وابن النعامة يوم ذلك مركبي
وفي النهاية نستنتج إن الخيل له مكانة مرموقة في نفوس أهل المشرق وقد تعلقوا به كثيرًا وكان أغلى من فلذات قلوبهم، وقد اهتموا به كثير لأنه الرفيق لهم في حروبهم ووقت فراغهم، وقد ذكروه في أدبهم ومقطوعاتِهم وتغنوا بجمالها وشجاعتها.